من قلب الصحراء المصرية إلى بولتون: قبعة رومانية عمرها 16 قرنًا تُعرض لأول مرة
عرض متحف بولتون في إنجلترا قطعة أثرية نادرة، تمثلت في القبعة الرومانية المصنوعة قبل نحو 1600 عام في مصر، والمصممة لحماية الجنود من حرارة الشمس وعواصف الصحراء.
القطعة تُعدّ واحدة من ثلاث قبعات مماثلة فقط باقية حتى اليوم، وأكثرها حفظًا على الإطلاق، وحسب موقع Live Science، فإن القبعة صُنعت في مصر خلال بدايات العصر المسيحي المعروف بالعصر القبطي المبكر، باستخدام صوف مضغوط متنوع الألوان (لبّاد).
وقد أهدى عالم الآثار البريطاني سير فليندرز بيتري هذه القطعة الأثرية إلى متحف تشادويك بمدينة بولتون عام 1911، قبل أن يُعاد لاحقًا تسميته إلى متحف بولتون.
وجد بيتري القبعة في موقع لاهون الأثري في منطقة الفيوم، الذي يضم هرمًا ومجمعًا سكنيًا من عصر المملكة الوسطى المصرية، وإلى جانب القبعة، اكتشف بيتري مجموعة كبيرة من الملابس والمنسوجات التي تُظهر براعة الحرفيين الأقباط في النسيج والزخرفة.
وتشير وثائق المتحف إلى أن القبعة مخروطية الشكل، جرى تجميعها من أربع قطع رئيسية تتوسطها عقدة في الأعلى، ويبلغ قطرها نحو 39.5 سنتيمترًا، وتألّفت من لبّاد بني اللون، فيما تتسع حافته الحمراء لتمنحها شكلًا مميزًا.
أما الأطراف فزُيّنت بقماش أخضر مربوط بحواف من صوف أزرق، فيما جاءت بطانتها الداخلية من لبّاد أبيض، وزُخرفت الغرز الخارجية بخيوط على هيئة سلاسل دقيقة.
تاريخ القبعة الرومانية النادرة
وفق بيان صادر عن مجلس بلدية بولتون، يُعتقد أن القبعة صُنعت خصيصًا لأفراد من القوة الرومانية التي كانت تحتل مصر، إذ تشبه تصاميم القبعات العسكرية الرومانية التي تعود إلى القرن الثالث الميلادي.
ويُرجَّح أن التصميم الأساسي عُدّل ليناسب الطبيعة الحارة لبيئة الفيوم الجافة، ويوفر حماية إضافية من العواصف الرملية.
ويُعدّ هذا الأثر شاهدًا على بداية اندماج الثقافة المصرية بالرومانية في أواخر القرن الرابع الميلادي، حين بدأت الإمبراطورية الرومانية تتفكك، ففي تلك الفترة، اعتنق الإمبراطور قسطنطين المسيحية وبدأ بنشرها في أنحاء الإمبراطورية، بينما ازدهرت اللغة القبطية المستوحاة من المصرية القديمة بين مسيحيي مصر الرومانية.
وتُعرف المنسوجات القبطية التي اكتُشفت في مقابر الفيوم بتنوع ألوانها وخيوطها المزخرفة ورموزها الدينية، التي تمزج بين أشكال الرموز المصرية وآلهة رومانية، وشخصيات القديسين المسيحيين.
وفي أغسطس 2025، أعلن متحف بولتون عن عرض القبعة الرومانية للجمهور للمرة الأولى بعد اكتمال برنامج ترميم شامل.
وأوضحت خبيرة ترميم المنسوجات جاكي هايمان، التي تولّت عملية الترميم، أن القبعة المصنوعة من الصوف اللبّادي تضررت بفعل العُثّة، وهي حشرة صغيرة تتغذى على الألياف الطبيعية كالحرير والصوف.
وأضافت أنها استعانت بأقمشة مصبوغة يدويًا لتقوية الأجزاء الهشة، وأعادت تكوين الشكل الأصلي للقطعة مع الحفاظ على أسلوبها الأثري الدقيق.
وقالت هايمان في بيان لها: "لقد صُنعت هذه القبعة لتُلبس بالفعل، ولعلها كانت رفيقة جندي روماني واجه بها شمس الصحراء المصرية. لو أنها استطاعت التحدث، لروت لنا قصة من تاريخ لم يُروَ بعد".
