الطيار السعودي عبدالله القبلان: أخفيت شغفي 15 عامًا.. واليوم أُحلّق مع الأخضر في بطولات العالم
كتم حبه للطيران الاستعراضي لسنوات طويلة، مارسه سرًّا بعيدًا عن الأنظار حتى حانت لحظة الكشف، وهو يستعد لتمثيل وطنه في واحدة من أصعب الرياضات في العالم. واجه الصعوبات بعزيمة لا تعرف التراجع، وجعل من الطيران أكثر من مهنة، جعله رسالة شغف وانتماء تجسد روح الإصرار والطموح.
إنه الطيار السعودي عبدالله القبلان، أول طيار استعراضي سعودي يسجّل اسم المملكة في البطولات العالمية للطيران الاستعراضي، رافعًا علم بلاده بين نخبة طياري العالم. قصته تجاوزت حدود الطيران لتصبح حكاية شغف وولاء وطموح سعودي يعكس رؤية وطنٍ يؤمن بقدرات شبابه، ويدفعهم بثقة نحو آفاق جديدة من التميز والريادة، فإلى التفاصيل:
البداية والحلم
بعبارة بسيطة، كيف تقدم نفسك ؟
عبدالله بن فهد القبلان، من مواليد حائل ونشأت في الرياض، بدأت مسيرتي في عالم الطيران عام 2009، متنقّلًا بين العمل المهني والشغف الشخصي حتى وجدت نفسي في مجال الطيران الاستعراضي "Aerobatic".
ما الذي أتى بك إلى مجال الطيران؟
الموضوع بدأ معي كهواية خاصة، ثم تحولت مع الوقت إلى حلم وهدف كبير أن أرفع راية المملكة لأول مرة في بطولات الطيران الاستعراضي العالمية. واليوم أفتخر أنني أول سعودي يحصل على رخصة طيران بتصنيف الطيران الاستعراضي، ويشارك في بطولات الطيران الاستعراضي، وأول سعودي يسجل إنجازًا باسم المملكة في بطولات الطيران الاستعراضي.
ألم تشعر بالرهبة من اقتحام عالم الطيران، وماذا كان موقف الأهل؟
منذ صغري أحلم أن أكون طيارًا، فقد كان الطيران بالنسبة لي أكثر من مجرد مهنة، لكنني واجهت تحديًا كبيرًا، إذ إن عمي الطيار محمد بن عبدالله القبلان –رحمه الله– تُوفي في أثناء الطيران عام 1979م، ومنذ ذلك الوقت لم يتجه أي فرد من عائلتي إلى مجال الطيران خوفًا منه. وعندما تخرجت في الثانوية، جاءت اللحظة الحاسمة، وطلبت من والدتي أن تسمح لي بدخول هذا المجال الذي حلمت به منذ طفولتي. ورغم قلقها الكبير، وافقت بعد إصراري، ودعت الله أن يكتب لي التوفيق، وكانت تلك الموافقة نقطة التحول التي مهدت لي الطريق نحو عالمي الخاص عالم الطيران.
سر وطموح وفخر
وماذا عن الطيران الاستعراضي؟
بقي الأمر سرًّا أخفيه عن الجميع، لما فيه من تحديات ومناورات عنيفة، ومارست الطيران كمهنة، بينما أبقيت الطيران الاستعراضي هواية خاصة بي لا يعرفها أحد، حتى جاء اليوم الذي قررت فيه المشاركة في أول بطولة لي في الطيران الاستعراضي. في صباح أحد الأيام اتصلت بوالدتي وأخبرتها بسري للمرة الأولى، سر دام أكثر من 15 سنة، لم تعترض، بل دعت لي وقالت: "أنت تتحمل مسؤولية رفع راية المملكة، فأظهرها في أجمل صورة مشرفة".
صف لي شعورك وأنت أول طيار سعودي يشارك في بطولات الطيران الاستعراضي؟
أشعر بالفخر والاعتزاز لكوني ممثلاً لوطني الغالي في أقوى وأصعب الرياضات بالعالم، في محفل عالمي يجمع نخبة طياري العالم، ومنذ اللحظة التي ارتفع فيها علم مملكتنا الغالية، أدركت أنني لا أمثل نفسي فقط، بل أمثل تاريخًا وحاضرًا ومستقبلًا مليئًا بالطموحات.
ماذا يعني الطيران الاستعراضي (Aerobatic)؟
طيران (Aerobatic) ومشاركاتي فيه أستطيع من خلاله أن أروي قصة أكبر بكثير، قصة وطني السعودية، في واحدة من أكثر مراحلها التاريخية والتحولية. هذا الإنجاز هو امتداد لرؤية سمو سيدي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان –حفظه الله– الذي أكد أن طموحنا عنان السماء، وهذه الكلمات العظيمة ما زالت مصدر إلهام لي، فهي تختصر ما نشعر به كشباب سعودي، فلا وجود للمستحيل، وكل حلم يمكن تحقيقه بالإصرار والعمل.
شغفي بالتحدي ورفع العلم
ما الذي دفعك لاختيار هذا المجال وهو من أصعب وأخطر الرياضات الجوية؟
اختياري نابع من شغفي الكبير بالتحديات ورغبتي الدائمة في خوض تجارب غير تقليدية، ومن خلال تدرّبي على الطيران تعرفت عليه لأول مرة، ولفت انتباهي كفن جوي مليء بالإثارة والانضباط في الوقت نفسه. وتحول مع الوقت من تجربة عابرة إلى هواية، والدافع الأكبر جاء من رغبتي الشخصية في أن أضع المملكة في مكان لم يسبق أن وُجدت فيه، خصوصًا أن هذه الرياضة كانت لعقود طويلة محصورة في الغرب، وكانت لحظة الإلهام الحقيقية عندما حضرت بطولة "Red Bull Air Race" التي استضافتها وزارة الرياضة في الدمام عام 2019.
وأثناء بحثي اكتشفت أن بطولات الطيران الاستعراضي انطلقت منذ عام 1960، ومنذ ذلك الحين لم تُسجّل أي مشاركة سعودية، وقد شكلت هذه الحقيقة دافعًا قويًا بالنسبة لي، إذ شعرت أن أمامي مسؤولية أن أكون أول سعودي يضع بصمته في تاريخ هذه الرياضة، وأن أرفع علم بلادي عاليًا في سماء هذه الرياضة التي تُعد من أصعب وأخطر الرياضات على مستوى العالم.
حدثني عن مرحلة الاستعداد والتدريب قبل الوصول إلى هذه البطولة العالمية؟
المرحلة كانت مليئة بالتحديات والاختبارات القاسية التي تطلبت صبرًا وإصرارًا كبيرًا، وأذكر أن أهم خطوة في هذه الرحلة كانت إيجاد المدرب المناسب، لم أكن أبحث عن مدرب واحد فحسب، بل عن خبرات متعددة، لذلك تدربت مع أبطال سابقين في بريطانيا وأمريكا وفرنسا وإسبانيا. كنت أبحث عن كل الخبرات وأحرص أن أكتسب مهارة من هنا وأخرى من هناك.
اقرأ أيضًا: بطل الملاكمة السعودي زياد المعيوف: في كل نزالٍ أروي حكاية وطن ودعاء أمي سر ثباتي في الحلبة
مهارات ودعم
ما أهم المهارات التي يتطلبها الطيران الاستعراضي؟
يتطلب لياقة عالية وجهدًا ذهنيًا كبيرًا، الطيار في أثناء هذه الرياضة يعيش لحظات من الضغط البدني والذهني القوي للحفاظ على وعيه وتركيزه وسط المناورات العنيفة في السماء. والاستعداد لأي بطولة يحتاج إلى مزيج من الانضباط البدني والصفاء الذهني، لذلك أحرص دائمًا على الاستمرارية في التمرين والتركيز، إلى جانب المواظبة على النوم الصحي والتغذية السليمة، فكل هذه العناصر تضمن لي البقاء في أفضل حالة ممكنة قبل وفي أثناء المنافسات.
ما أبرز التحديات التي واجهتها للوصول إلى مستوى المنافسة مع نخبة طياري العالم؟
رحلتي لم تكن سهلة. غياب الأندية والمدارس المتخصصة داخل المملكة أجبرني على السفر للتدريب وتطوير مهاراتي، و"الإيروبتك" رياضة تتطلب قدرة بدنية وذهنية عالية لتحمل قوة الجاذبية التي قد تصل إلى 10G، إضافة إلى دقة الأداء داخل “البوكس” الجوي وسط الرياح والضغط الهائل.
وتجاوزت كل هذه التحديات لأرفع علم المملكة بين نخبة طياري العالم بعد غياب أكثر من 65 عامًا، بدعم وإلهام من سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان –حفظه الله– وكلماته عن همّة الشعب السعودي أنها مثل جبل طويق، لن تنكسر.
رسالة وإنجاز لكل سعودي
برأيك، ما الذي يميز مشاركة المملكة في هذا المحفل العالمي لأول مرة؟
لم تكن مجرد مشاركة رياضية عادية، بل رسالة واضحة للعالم أن شباب الوطن قادرون على دخول أصعب المجالات وتحقيق الريادة فيها، وهذا الظهور الأول للمملكة في بطولات الطيران الاستعراضي جاء ليؤكد أن السعودية، برؤية قيادتها، حاضرة في كل ساحة، حتى في الرياضات التي تُعد من الأكثر صعوبة وخطورة.
وأنا بدوري أعد نفسي جسرًا يربط بين الثقافات، بين المملكة العربية السعودية والمجتمع الرياضي العالمي، لأجعل من الطبيعي أن يرى العالم الرياضيين السعوديين على أكبر المنصات، يتنافسون على أعلى الألقاب ويحققونها.
ماذا يمثل لك رفع علم السعودية في "بطولات الطيران الاستعراضي" أمام العالم؟
رفع علم المملكة في بطولات الطيران الاستعراضي كان لحظة فخر لا تُنسى، تختصر سنوات من الجهد والتدريب، وشعرت أن الإنجاز ليس لي وحدي، بل لكل سعودي يؤمن أن مكان المملكة دائمًا في القمة، وأعتز أنني قدمت شيئًا لوطني، رغم أن ما قدمته لا يوازي ما قدّمته لنا مملكتنا.
ما أثر دعم القيادة والجهات الرسمية في تمكينك من الوصول إلى هذه المرحلة؟
الدعم الرسمي كان أساس وصولي لهذه المرحلة، وكلمات سمو ولي العهد "طموحنا عنان السماء" كانت دافعًا كبيرًا لي، كما قدم سمو وزير الرياضة الأمير عبدالعزيز بن تركي الفيصل دعمًا فاعلًا ترجمةً لتوجيهات القيادة بتمكين جميع الرياضات، حتى النادرة منها، ووفرت وزارة الرياضة التسهيلات اللازمة للمشاركات الدولية، فشعرت أنني أمثل وطنًا كاملًا يقف خلفي، وما تحقق هو ثمرة هذا الدعم والرؤية والإصرار.
مستقبل مشرق وملهم
كيف ترى مستقبل الرياضات الجوية في المملكة بعد هذا الإنجاز؟
أوْمن أن مستقبل الرياضات الجوية في المملكة سيكون مشرقًا جدًا، لأننا اليوم نعيش مرحلة تاريخية من التحول والتمكين، ومشاركتي الأولى ورفع علم المملكة في بطولات الطيران الاستعراضي ليست النهاية، بل بداية لطريق طويل سيفتح الباب لشباب آخرين ليخوضوا هذه التجارب ويحققوا إنجازات أكبر.
ما الرسالة التي تود توجيهها للشباب السعودي الحالم بخوض تجارب رياضية غير تقليدية؟
رسالتي لكل شاب سعودي ألا يخاف من خوض التجارب المختلفة وغير المألوفة. الرياضة ليست كرة قدم فحسب أو ألعابًا تقليدية، بل هناك عوالم واسعة مليئة بالتحديات والفرص، ومن يملك الشغف والإصرار سيجد طريقه مهما كان المجال صعبًا أو جديدًا، "اجعلوا أحلامكم كبيرة، ولا تضعوا حدودًا لطموحاتكم".
البطاقة التعريفة
الاسم: عبدالله بن فهد القبلان
مكان الميلاد: حائل – المملكة العربية السعودية
الهوايات: الطيران الاستعراضي، الشطرنج (لاعب مصنّف دوليًا)، التنس الأرضي، والتزلج على الجليد.
المهنة: كابتن طيار، وطيار استعراضي، ومدرس طيران
المؤهل: بكالوريوس علوم الطيران
الرخص والشهادات:
رخصة ATPL من الهيئة العامة للطيران المدني السعودي (أعلى تصنيف للطيران المدني).
رخصة طيران أوروبية وبريطانية مع تصنيف الطيران الاستعراضي (أول سعودي يحصل عليه).
رخصة طيران أمريكية.
