كيف تصنع سمات الوالدين عبقرية الطفل الموهوب؟ دراسة تكشف الأسرار
كشفت دراسة حديثة نُشرت في دورية Journal of Intelligence، أن سمات الوالدين، بما في ذلك الذكاء والتعليم والشخصية، تلعب دورًا محوريًا في تشكيل القدرات المعرفية للأطفال الموهوبين، وأن هذا التأثير يختلف باختلاف المجال الإدراكي.
وأوضحت النتائج أن الموهبة لدى الأطفال لا تعتمد فقط على الوراثة، بل تتأثر أيضًا بالبيئة الأسرية التي ينشأ فيها الطفل، وطريقة تفاعل والديه معه.
واعتمد الباحثون على نموذج Cattell-Horn-Carroll (CHC) للذكاء، الذي يقسم الأداء المعرفي إلى عدة مجالات، تشمل الفهم اللفظي والذاكرة وسرعة المعالجة، إضافة إلى نموذج السمات الخمس الكبرى للشخصية، الذي يقيس الانضباط، والانفتاح، والتعاون، والانبساط، والاستقرار العاطفي.
وشملت العينة 65 طفلًا موهوبًا تتراوح أعمارهم بين 6 و14 عامًا، بمعدل ذكاء لا يقل عن 120 نقطة وفق اختبار WISC-IV، بينهم 21 فتاة و44 فتى بمتوسط عمر يبلغ 10 أعوام.
كما خضعت عينة مكونة من 65 أمًا و61 أبًا لاختبارات معرفية باستخدام مقياس WAIS-IV للبالغين، لقياس خمس قدرات معرفية رئيسية هي: المعرفة الإدراكية، والاستدلال المنطقي، والمعالجة البصرية، والذاكرة قصيرة المدى، وسرعة المعالجة.
وملأ جميع الآباء استبيانًا يقيس السمات الشخصية في النطاقات الخمسة الأساسية.
تأثير الوالدين على الأطفال
أوضحت نتائج التحليل أن بعض سمات الوالدين ترتبط مباشرة بمجالات معرفية محددة لدى الأطفال الموهوبين، وبرزت سرعة المعالجة الذهنية لدى الأمهات بوصفها المؤشر الأكثر ثباتًا لتوقع مستوى أداء الأطفال في هذا المجال، ما يعزز فرضية انتقال هذه القدرة عبر العوامل الوراثية أو من خلال أنماط التفاعل والتعلم داخل البيئة الأسرية.
أما الذاكرة قصيرة المدى لدى الآباء، فكانت مرتبطة مباشرة بنتائج الأبناء في اختبارات الذاكرة العاملة، في علاقة وُصفت بأنها ثابتة وذات دلالة قوية حتى في النماذج المعقدة متعددة المتغيرات.
كما بينت النتائج أن تعليم الأم يلعب دورًا نوعيًا في القدرات الإدراكية، إذ كان مرتبطًا في التحليلات الأولية بالاستيعاب اللفظي، لكنه ظهر في النماذج المتقدمة مرتبطًا بالإدراك البصري، أي بالقدرة على تفسير الأنماط والعلاقات المكانية ومهارات التفكير التجريدي.
وتشير هذه النتيجة إلى أن تعليم الأم ينعكس على الأطفال في نطاق أوسع من المهارات اللغوية، ليشمل مجمل التطور المعرفي.
أما بالنسبة للسمات الشخصية، فرغم أن تأثيرها كان أقل قوة من الذكاء والتعليم، إلا أنها لم تكن غائبة، فالأمهات الأعلى في سمة الانضباط والمسؤولية أنجبن أطفالًا يتمتعون بمستويات إدراك بصري أعلى.
كما أظهرت شخصية الأب المتسمة باللطف والتعاون علاقة إيجابية بقدرات الأطفال في الذاكرة العاملة وفق النماذج متعددة المتغيرات.
وكشف التحليل عن تباين واضح في أنماط تأثير الأمهات والآباء في القدرات المعرفية للأطفال الموهوبين؛ إذ اتضح أن سمات الأمهات ترتبط بقوة بتطور المهارات اللفظية وسرعة المعالجة لدى الأبناء، بينما يظهر أثر الآباء بشكل أعمق في تعزيز مهارات الذاكرة العاملة وتنمية قدرات التفكير التحليلي لديهم.
ويرى الباحثون أن هذا التفاوت يعكس تداخلاً معقدًا بين العوامل الوراثية وأساليب التفاعل الأسري، إضافة إلى اختلاف الأدوار وحجم الوقت الذي يكرّسه كل من الوالدين للتواصل مع الطفل.
