العلاقة دائرية.. كيف تؤثّر قلة النوم على تفاصيل حياتنا الصغيرة؟
كشف خبراء النوم والأعصاب أن ليلة واحدة فقط من قلة النوم يمكن أن تُحدث تغيّرات كيميائية حادة في الدماغ، تؤثر على الذاكرة، والانتباه، والمزاج، وحتى القدرة على اتخاذ القرارات.
وتشير الدراسات إلى أن النوم المنتظم من 7 إلى 9 ساعات يوميًا ضروري للحفاظ على صحة الدماغ وأدائه الإدراكي والعاطفي؛ إذ لا يعتبر النوم مجرّد فترة راحة للجسم؛ بل هو وقت حيوي لإصلاح وتنظيم الدماغ.
النوم يُعيد شحن الدماغ ويحمي الذاكرة
وتشرح الدكتورة ليزي هيل أخصائية فسيولوجيا النوم في جامعة غرب إنجلترا: "يمر الدماغ أثناء النوم بمراحل مختلفة تُعرف بحركة العين غير السريعة وحركة العين السريعة، ولكلٍ منها وظيفة حيوية تخص الذاكرة، وتنظيم العواطف، واستعادة الطاقة العصبية".
وأضافت أن: "الحرمان من أي مرحلة من مراحل النوم يمكن أن يؤدي إلى خلل في الأداء الذهني والانفعالي"، مشيرةً إلى أن "النوم العميق يُعزز التعلم ويقوي الروابط العصبية، بينما يُسهم نوم حركة العين السريعة في معالجة المشاعر والتوازن العاطفي".
ويقول الدكتور ستيفن ألدر، استشاري طب الأعصاب في مركز "ري:كوجنيشن هيلث"، إن "النوم ضروري لترسيخ الذكريات، حيث إنّه أثناء النوم العميق يُعيد الدماغ تنظيم تجارب اليوم وتقويتها، بينما تعطّل قلة النوم هذه العملية، مما يجعل من الصعب تذكّر المعلومات الجديدة لاحقًا".
ويُشير إلى أن الحرمان المزمن من النوم قد يؤدي بمرور الوقت إلى تدهور الذاكرة والتعلم.

كما تُضعف قلة النوم نشاط القشرة الجبهية المسؤولة عن الانتباه واتخاذ القرار؛ إذ يقول ألدر: "حتى ليلة واحدة من قلة النوم تُؤثر على التركيز كما لو كنت تحت تأثير الكحول الخفيف"، مضيفًا: "الدماغ يصبح أبطأ في معالجة المعلومات، مما يزيد من الأخطاء أثناء القيادة أو العمل".
ويرتبط نوم حركة العين السريعة بالمعالجة العاطفية؛ وعند الحرمان منه، تفرط اللوزة الدماغية في النشاط، ما يجعل الشخص أكثر اندفاعًا وعُرضة للقلق أو الغضب.
وتوضح الدكتورة هيل أنَّ "النوم الكافي يعيد التوازن العصبي للدماغ، ويساعدنا على التعامل بهدوء مع ضغوط الحياة".
كم ساعة نوم تحتاج؟
وتؤدي قلة النوم إلى انخفاض مستويات السيروتونين والدوبامين، وهما ناقلان عصبيان مسؤولان عن السعادة والتحفيز، مع ارتفاع هرمونات التوتر مثل الكورتيزول.
ويقول ألدر: "يُسبب هذا الخلل تهيجًا وانخفاضًا في المزاج، ومع الوقت يزيد من خطر القلق والاكتئاب"، مشيرًا إلى أنَّ "العلاقة دائرية فقلة النوم تُضعف المزاج، والمزاج السيئ بدوره يُعطّل النوم".
ويفشل الدماغ مع قلة النوم، في دمج المعلومات الجديدة وربطها بالمعرفة السابقة؛ ويشرح ألدر هذه التفاصيل بقوله: "تضعف الروابط العصبية ويقلّ الفهم، فتبدو المهام البسيطة مرهقة، ويشعر الشخص بتباطؤ ذهني واضح".
اقرأ أيضا: طبيب أعصاب يحذر: النوم بسماعات الأذن قد يسبب الخرف
ويؤكد ألدر في معرض حديثه عن القشرة الجبهية المسؤولة عن الحكم والتخطيط التي تعتبر من أكثر مناطق الدماغ حساسية لقلة النوم، أنّها "عندما لا تحصل على راحة كافية، تُصبح قراراتك أكثر عاطفية وأقل منطقية"، كما يُؤثر ذلك على الإبداع والقدرة على حل المشكلات المعقدة، مما يجعل التفكير الاستراتيجي أكثر صعوبة.
ويوصي الأطباء بالنوم من 7 إلى 9 ساعات يوميًا للبالغين، مع الالتزام بروتين نوم ثابت، وتقليل استخدام الشاشات قبل النوم، والحفاظ على غرفة باردة ومظلمة.
ويقول ألدر: "عادات النوم الصحية هي الاستثمار الحقيقي في دماغك؛ فالراحة الجيدة ليست رفاهية، بل ضرورة لصحتك العقلية والإدراكية".
