خبراء علم الأعصاب يفسرون: لماذا يعشق البشر الأطعمة الحارة رغم الألم؟
أكد خبراء في علم الأعصاب والإدراك الحسي أن عشق الأطعمة الحارة لا يرتبط بالطعم كما يعتقد كثيرون، بل بتفاعل عصبي معقد داخل الدماغ يحوّل الألم إلى إحساس بالمكافأة والمتعة.
وأوضحوا أن مركب الكابسيسين، المكوّن النشط في نباتات الفلفل الحار، يؤدي إلى تنبيه نظام عصبي مخصص لاستشعار الحرارة العالية، فيستجيب الجسم كما لو كان يواجه خطرًا حقيقيًا، لكن الدماغ يتعلم بمرور الوقت، وتفسير هذه الإشارات كأحاسيس آمنة محفزة للمتعة.
وأشار البروفيسور ليام براون من جامعة كوليدج لندن (UCL)، المتخصص في علم الأعصاب والإدراك الحسي، إلى أن مركب الكابسيسين تطور لدى بعض النباتات كآلية دفاعية تهدف إلى حماية بذورها من الثدييات، إذ يتفاعل هذا المركب مع مستقبل عصبي يُعرف باسم TRPV1، وهو المسؤول عن الإحساس بدرجات الحرارة المرتفعة التي تزيد على 42 درجة مئوية داخل الجسم.
وعندما يتنشط هذا المستقبل في الفم أو الحلق، يطلق سلسلة من الإشارات العصبية التي تُشعر الإنسان بحرارة شديدة واحتراقٍ مؤقت، وتدفع الجسم للبكاء والتعرق وسيلان الأنف.
ويوضح براون أن المستقبل TRPV1 يتأثر أيضًا بمركبات أخرى مثل "البيبيرين" في الفلفل الأسود، بينما تعتمد الأغذية الحارة الأخرى مثل الخردل والواسابي والفجل على مستقبل مختلف يُدعى TRPA1.
ويعمل الإحساس بالبرودة الناتج عن النعناع على تنشيط مستقبل عصبي يُعرف باسم TRPM8، المسؤول عن استشعار درجات الحرارة المنخفضة، مما يجعل لكل محفز حراري بصمته الخاصة وتأثيره العصبي المختلف.
ولفت العالم البريطاني إلى وجود مركبات طبيعية تفوق الكابسيسين حدة وتأثيرًا، أبرزها مركب "ريسينيـفراتوكسين" المستخلص من نبات "الإيفوربيا ريسينيفيرا"، إذ يُعد أقوى منه بنحو ألف مرة، ما يجعله مادة شديدة الخطورة على الإنسان في حال التعرض لها مباشرة.
لماذا يجعل الفلفل الحار الطعام ممتعًا؟
يرجع الخبراء ذلك إلى عملية عصبية تُعرف باسم "إعادة التقييم" أو "التفسير الجديد للألم"، حيث يتعلم الدماغ من التجربة المتكررة أن حرارة الكابسيسين ليست تهديدًا حقيقيًا، فيعيد تصنيف الألم كإحساس آمن يمكن السيطرة عليه.
ومع مرور الوقت، يتحول هذا الشعور إلى لذة، وهو ما يسميه المختصون بـ"المازوخية الحميدة"، أي المتعة الناتجة عن الإحساس بالألم في ظروف آمنة.
ويشير براون إلى أن بعض الأشخاص يمتلكون متغيرات جينية في مستقبل TRPV1، تجعل استجابتهم للحرارة أقل حدة، ما يسهل عليهم التعود على الأطعمة الحارة.
كما يؤدي التكرار المستمر إلى انخفاض حساسية هذه المستقبلات، فيزداد تحمّل الشخص للحرارة تدريجيًا، بل ويبحث عن مستويات أعلى منها.
ويضيف أن الدماغ، بعد تجاوز الإحساس الأولي بالألم، يبدأ بإفراز مواد الإندورفين، وهي مركبات كيميائية طبيعية تولد شعورًا بالسعادة والاسترخاء، ما يجعل تناول الأطعمة الحارة تجربة ذات تأثير نفسي إيجابي يشبه ممارسة الرياضة أو دخول الساونا.
ويحذر الخبراء من أن مادة الكابسيسين ذات طبيعة دهنية، ولا تذوب في الماء، مما يجعل شرب الماء بعد تناول الأطعمة الحارة يزيد الإحساس بحرارتها بدلًا من تخفيفها.
ويوصون في المقابل بتناول الحليب أو الزبادي، إذ تحتوي منتجات الألبان على دهون وبروتينات قادرة على إذابة الكابسيسين وتخفيف تأثيره في الفم.
ويساعد تناول مثلجات النعناع على تخفيف الإحساس بحرارة الفلفل، إذ تعمل على تنشيط مستقبلات البرودة TRPM8 في الفم، ما يخلق توازنًا عصبيًا يقلل تأثير الحرارة ويمنح شعورًا بالانتعاش.
