الصدفة تقود إلى ابتكار ثوري يقلل استهلاك الطاقة في الذكاء الاصطناعي
في اكتشاف علمي غير متوقع، طوّر فريق من المهندسين شريحة فوتونية صغيرة تُولّد أشعة ليزر متعددة الألوان تشبه قوس قزح، ما يُعدّ قفزة نوعية في عالم الاتصالات الضوئية وتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي.
يمكن لهذه الشريحة أن تُساهم في تقليل استهلاك الطاقة في مراكز البيانات العملاقة، التي تواجه ضغطًا متزايدًا بسبب الطفرة الهائلة في تطبيقات الذكاء الاصطناعي.
جاء هذا الابتكار بالصدفة أثناء تجربة لتطوير تقنيات الليدار (كشف الضوء وتحديد المدى)، عندما لاحظ الباحثون أن الشريحة تُقسّم ضوء الليزر إلى ألوان متعددة متباعدة بالتساوي، ومن هنا وُلدت فكرة "قوس قزح على رقاقة"، والتي تمكّن من توليد أطياف ضوئية دقيقة تُعرف علميًا باسم مشط التردد (Frequency Comb).
ذكاء اصطناعي أكثر كفاءة في الطاقة
نُشرت الدراسة في مجلة Nature Photonics هذا الشهر، ووصفت كيف يمكن لهذا الاكتشاف أن يُغيّر مستقبل البنية التحتية الرقمية، وقال أندريس جيل مولينا، المؤلف المشارك في الدراسة، والمهندس الرئيسي في شركة Xscape Photonics: "خلقت مراكز البيانات طلبًا هائلًا على مصادر ضوء قوية وفعالة تحتوي على أطوال موجية متعددة. التقنية الجديدة تتيح استبدال رفوف كاملة من الليزرات بجهاز صغير واحد، مما يقلل التكلفة ويوفر الطاقة والمساحة".

مشط التردد هو نوع من ضوء الليزر يتألف من عدة أطوال موجية، موزعة بدقة عبر الطيف الضوئي، وتُظهر هذه الأطوال على المخطط الطيفي بشكل "أسنان مشط" متساوية المسافة، كل منها يمثل ترددًا بصريًا مستقلًا، يمكنه نقل تدفق بيانات خاص به دون تداخل مع الأطوال الأخرى، وبهذه الطريقة، يمكن لمراكز البيانات استخدام قناة واحدة لنقل عشرات تدفقات البيانات المتوازية، ما يجعل الاتصالات أسرع وأكثر كفاءة مقارنة بالألياف التقليدية التي تعتمد على طول موجي واحد.
لاستحداث هذا التأثير على شريحة صغيرة، استخدم الباحثون ثنائي ليزر متعدد الأوضاع، وهو نوع قوي من الليزر يُستخدم عادة في الأدوات الطبية وأجهزة القطع الصناعية، ورغم قوة شعاعه، إلا أنه كان غير مستقر، مما جعل الفريق يبتكر تقنية تُعرف باسم قفل الحقن الذاتي (Self-Injection Locking).
استهلاك الذكاء الاصطناعي للطاقة
تتضمن هذه الطريقة إعادة تغذية جزء صغير من الضوء في الشريحة، باستخدام مرنانات ضوئية دقيقة تُصفّي الشعاع وتثبته، والنتيجة كانت شعاعًا قويًا وثابتًا يُقسّم تلقائيًا إلى ألوان متعددة، مشكلًا مشط تردد متكاملًا على شريحة واحدة.
اقرأ أيضا: كيف يهدد الذكاء الاصطناعي بقاء ويكيبيديا؟
وأوضح الباحثون أن الدوائر البصرية داخل الرقاقة، التي لا يتجاوز عرض ممراتها ميكرومترًا واحدًا (جزء من مائة من عرض شعرة الإنسان)، تتحكم بدقة في شكل الضوء وتوجيهه، مما يجعلها واحدة من أصغر أنظمة الليزر متعددة الألوان في العالم.
لا يقتصر دور هذه الشريحة على تعزيز أداء مراكز البيانات، بل يُمكن استخدامها أيضًا في مجالات متقدمة مثل الأجهزة الكمومية، الساعات البصرية فائقة الدقة، أجهزة قياس الطيف المحمولة، وأنظمة الليدار الحديثة.
وقال مولينا: "هدفنا هو دمج مصادر الضوء عالية الجودة في أجهزة عملية وصغيرة الحجم يمكن وضعها في أي مكان تقريبًا، من مختبرات الأبحاث إلى مراكز البيانات التجارية".
يمثل الابتكار الجديد خطوة رائدة في دمج الليزر الصناعي القوي مع أنظمة الفوتونيات الدقيقة، مما يفتح الباب أمام جيل جديد من الأجهزة التي تجمع بين الكفاءة الطاقية، السرعة، والدقة.
ومع النمو المتسارع للذكاء الاصطناعي، يُتوقع أن تُسهم هذه التقنية في تخفيض كبير لاستهلاك الطاقة داخل البنى التحتية الرقمية، لتصبح أساسًا لثورة فوتونية جديدة في عالم الاتصالات والمعالجة البصرية.
