بين فوز "تاجر الموت" وتجاهل "غاندي".. 7 محطات لا تُنسى في تاريخ جائزة نوبل!
توفي ألفريد نوبل عام 1896 تاركًا ما قد تكون الوصية الأشهر في التاريخ حتى يومنا هذا. فعندما اخترع الديناميت -لأغراضٍ علمية- وأُسيء استخدامه، شعر بذنبٍ عظيم جعله يكرس كل ما يملك لخدمة الإنسانية، خاصةً بعدما وصفته إحدى الصحف بـ "تاجر الموت"!
منذ عام 1901 وجائزة نوبل تُمنَح سنويًا -مع مراعاة بعض الاستثناءات أوقات الحربين العالميتين وخلافهما- للمبدعين في 6 تخصصات، آخرهم تخصص "العلوم الاقتصادية" الذي أُضيف عام 1968 إلى التخصصات الخمس الأساسية وهي: الفيزياء، والكيمياء، والطب/الفسيولوجيا، والأدب، والسلام.
على مدار تاريخ الجائزة الممتد لأكثر من 100 عام، شهدنا محطات لا يمكن نسيانها. محطات جسدت مدى جمال، وقُبح، وتناقض الإنسانية في الوقت نفسه!
ماذا تعني جائزة نوبل؟
نحن نقصد الجائزة المادية نفسها، أي بصيغة أخرى: "ما الذي يحصل عليه من يفوز بهذه الجائزة العظيمة"؟
وفقًا لموقع "جائزة نوبل" الرسمي، فالجائزة تتكون من "ميدالية ذهبية"، و"شهادة شخصية"، ومبلغ مالي (حاليًا يقدر بنحو مليون دولار أمريكي).
الفائز بالجائزة يحمل لقب "حائز على نوبل" أو "Nobel Laureate"، وكلمة "Laureate" مُشتقة من "إكليل الغار Laurus nobilis" الذي كان يُمنَح للمحاربين والفائزين في المسابقات باليونان القديمة.
حكايات لا تُنسى من تاريخ جائزة نوبل
1. حكاية ماري كوري وعائلتها مع نوبل
تجسّد ماري كوري حالة فريدة في تاريخ جائزة نوبل والبشرية عمومًا، حيث تُعد الشخصيّة الوحيدة التي حصلت على الجائزة مرتين في مجالين مختلفين. إذ نالت نوبل في الفيزياء -بالمناصفة مع زوجها بيير كوري- عام 1903 وأخرى في الكيمياء عام 1911.
حصلت كوري على هاتين الجائزتين تقديرًا لأبحاثها الثورية حول الظواهر الإشعاعية واكتشافها عناصر كيميائية جديدة غيرت فهم العالم للمادة والطاقة.
المذهل أنه مثلما حصلت ماري وزوجها على نوبل، حصلت ابنتها وزوجها (إيرين جوليو-كوري وفريدريك جوليو) أيضًا على الجائزة في الكيمياء عام 1935، ليواصلا بذلك إرث العائلة الذي امتد عبر جيلين متتاليين.
2. وعد أينشتاين لزوجته ميليفا ماريتش
من الحكايات المميزة في تاريخ الجائزة أيضًا، الوعد الذي قطعه أينشتاين لزوجته ميليفا في اتفاق الطلاق بينهما. فعندما قرر الزوجان العبقريان الانفصال عن بعضهما عام 1919، وعلى الرغم من أن أينشتاين لم يكن قد فاز بالجائزة ولم يعلم أصلاً أنه سيفوز بها، فإنه وضع بندًا في الاتفاق ينص على إعطاء الجائزة لزوجته التي ساعدته كثيرًا في الوصول إلى ما وصل إليه.
وبالفعل، عندما فاز أينشتاين بنوبل في الفيزياء عام 1921، وفى بوعده كاملاً ونقل المبلغ إلى ماريتش لتأمّن به حياةً مستقرة لها ولطفليهما بعد الانفصال.
اقرأ أيضًا: مرض العظماء.. "جنون ما بعد نوبل" حوّل علماء إلى أضحوكة
3. عدم فوز "النسبية" بالجائزة
سواء كنت مهتمًا بالعلوم أم لا، فبالتأكيد سمعت عن نسبية أينشتاين وكم أن هذه النظرية غيرت الكثير من مفاهيمنا. لكن هذه النظرية كانت مستعصية جدًا على الفهم وقتها -وإلى الآن- حتى أن الفيزيائي " لودفيغ زلبرشتاين" مازح "آرثر إدينغتون" ذات مرة قائلًا: "يا بروفيسور إدينتغون، لا بد أنك واحد من الأشخاص الثلاثة في العالم الذي يفهمون النسبية"!
الشاهد أن نظريته لم تكن مدعومة بدليل تجريبي واضح، وهو ما كانت اللجنة تفضله، ولهذا لم يحصل أينشتاين على جائزة نوبل عن النسبية، بل نالها عن تفسيره لظاهرة التأثير الكهروضوئي، إنجاز تجريبي أثبت أن الضوء يمكن أن يتصرف كموجة وجسيم في الوقت نفسه.
ومع أن النسبية الخاصة وُلدت 1905 والعامة 1915، أي قبل فوز أينشتاين بالجائزة بفترة جيدة تسمح بإدراك تأثيرهما، قررت اللجنة تجنب ذكر النظرية أساسًا وكأنها أرادت أن تتحفظ على أفكاره.
4. بيع "نوبل بُنية الحمض النووي"
عام 1962، حصل فرانسيس كريك على جائزة نوبل مع جيمس واتسون وموريس ويلكنز لاكتشاف بنية الحمض النووي DNA. وعندما توفي كريك في 2013، عرض ورثته ميداليته الذهبية للبيع في مزاد لتسوية الضرائب، وبيعت بأكثر من مليوني دولار لرمزيتها القيمة التي تتجاوز قيمتها المادية.
في عام 2014، سار جيمس واتسون على خطى كريك وباع ميداليته في مزاد مقابل حوالي 4.8 مليون دولار، لكن المشتري المجهول أعاد له الميدالية لاحقًا تقديرًا لإنجازه.
وفي سياق مرتبط، لم تُكرّم لجنة نوبل روزاليند فرانكلين رغم مساهمتها المهمة في اكتشاف البنية الحلزونية المزدوجة للـ DNA، لأنها توفيت مبكرًا عام 1958 عن عمر يناهز 37 عامًا إثر إصابتها بسرطان المبيض.
5. حصول أنطونيو إيجاس مونيز على نوبل في الطب
عام 1949، مُنح الطبيب البرتغالي أنطونيو إيجاس مونيز جائزة نوبل في الطب تقديرًا لابتكاره إجراءً جراحيًا أحدث حينها ضجة كبرى في الأوساط الطبية. يُعرَف هذا الإجراء بـ "اللوبوتومي"، أو استئصال جزء من الفص الجبهي من الدماغ، وذلك بهدف معالجة الاضطرابات النفسية الحادة التي عجز الطب عن التعامل معها مثل الاكتئاب الحاد والفصام، وغيرها.
في ذلك الوقت، كان يُنظَر إلى هذا الحدث كإنجازٍ تاريخي، لكنه اليوم تحول إلى واحدٍ من أكثر صفحات الطب الحديث المثيرة للجدل، بل في الواقع، يُنظَر إليه كعملية وحشية! فقد تبين أن "اللوبوتومي" يترك آثارًا مدمرة على شخصية المريض وقدراته الإدراكية بما قد يتسبب بتشويه عقله.
لحسن الحظ أن الطب النفسي تطور وظهرت أدوية حديثة جعلتنا نتخلى عن "اللوبوتومي" تمامًا، لكن: هل تُسأل نوبل عن هذه الجائزة أم تُعذَر لأن الطب لم يكن بذلك التطور وقتها؟
اقرأ أيضًا: أنور السادات.. أول عربي يحصل على جائزة نوبل
6. عدم فوز غاندي بالجائزة
واحدة من أكبر سقطات نوبل إن لم تكن أكبرها. المدير السابق لمعهد نوبل بنفسه "غير لوندستاد" قال عام 2006: إن "أكبر إخفاق لجائزة نوبل أنها لم تُمنَح لناشط السلام الهندي المهاتما غاندي". فتأثير غاندي ونضاله من أجل استقلال الهند لا يحتاج نوبل، بل نوبل تحتاجه.
تم ترشيح غاندي للفوز بنوبل 5 مرات، منها مرتان قبل الحرب العالمية الثانية و3 مرات أعوام 1946، و1947، و1948. ومع ذلك، بقيت اللجنة متحيزة لأوروبا ولم تُقدر النضال الطويل الذي بذله المهاتما لأجل الحرية.
7. فوز "تاجر الموت"!
ليس ألفريد نوبل وحده من وُصف بـ"تاجر الموت"، فريتز هابر أيضًا نال هذا الوصف.
يُعتبر هابر مثالًا صارخًا على التناقض بين العبقرية العلمية والجدل الأخلاقي، تمامًا مثل نوبل. فقد نال جائزة نوبل في الكيمياء لابتكاره عملية "هابر-بوش"، التي تُتيح إنتاج الأمونيا على نطاق واسع، وهي المادة الأساسية للأسمدة التي ساعدت في إطعام مليارات البشر حول العالم.
لكن الجانب المظلم في قصّته أنه هو نفس الشخص الذي ساهم في تطوير غاز الكلور كسلاح كيماوي خلال الحرب العالمية الأولى، ودافع طوال حياته عن استخدام الغازات في الحروب، مما جعله شخصية مثيرة للجدل بحق.
لسخرية القدر، جسّد هابر التناقض الذي حاول نوبل تفاديه طوال حياته!
