نوبل الطب تكرّم مكتشفي "الخلايا التائية التنظيمية".. ثورة في علاج السرطان والمناعة
أعلنت لجنة نوبل بمعهد كارولينسكا في ستوكهولم، صباح الاثنين، عن فوز ثلاثة علماء بجائزة نوبل في الطب أو علم وظائف الأعضاء لعام 2025، تقديرًا لاكتشافاتهم الأساسية المتعلقة بكيفية تنظيم جهاز المناعة لمنع مهاجمته لخلايا الجسم السليمة.
وقد مُنحت الجائزة مناصفة لكلٍ من:
ماري إي. برونكو (Mary E. Brunkow) – معهد بيولوجيا الأنظمة، سياتل (الولايات المتحدة).
فريد رامسديل (Fred Ramsdell) – شركة سونوما بيوثيرابيوتكس، سان فرانسيسكو (الولايات المتحدة).
شيمون ساكاغوتشي (Shimon Sakaguchi) – مركز أبحاث علوم المناعة، جامعة أوساكا (اليابان).
جائزة نوبل للطب 2025
جاء في بيان اللجنة: “أطلقت اكتشافات الحاصلين على الجائزة مجال التحمل المناعي المحيطي، مما حفّز تطوير علاجات طبية مبتكرة للسرطان وأمراض المناعة الذاتية، وقد يؤدي أيضًا إلى تحسين نتائج زراعة الأعضاء.”
ويمتلك الجهاز المناعي قدرة مذهلة على التمييز بين “الذات” و”الغريب”، إذ يهاجم الفيروسات والبكتيريا مع الحفاظ على خلايا الجسم. غير أن هذا التوازن الدقيق قد يختل في بعض الحالات، مسببًا أمراض المناعة الذاتية مثل السكري من النوع الأول أو التصلب المتعدد.
حتى تسعينيات القرن الماضي، كان يُعتقد أن الجهاز المناعي يعتمد فقط على آلية “التسامح المركزي”، أي التخلص من الخلايا التائية الضارة في الغدة الزعترية قبل أن تخرج إلى الجسم. لكن اكتشافات العلماء الثلاثة أثبتت وجود نظام إضافي — التحمل المناعي المحيطي — يحافظ على ضبط المناعة حتى بعد خروج الخلايا إلى الدورة الدموية.
الفائزون بنوبل للطب 2025
بدأ الأمر عام 1995 عندما اكتشف العالم الياباني شيمون ساكاغوتشي نوعًا جديدًا من الخلايا التائية، لم يكن معروفًا من قبل، أطلق عليه لاحقًا اسم الخلايا التائية التنظيمية (T-regs). هذه الخلايا تعمل كـ”حراس” يضبطون نشاط الجهاز المناعي، فيمنعون الخلايا التائية الأخرى من المبالغة في رد فعلها ضد أنسجة الجسم.

وفي عام 2001، حدّد العالمان برونكو ورامسديل طفرة جينية في جين يُعرف باسم Foxp3، تبيّن لاحقًا أنه المسؤول عن تنظيم نمو هذه الخلايا التائية التنظيمية. وبعد عامين، ربط ساكاغوتشي بين الجين والخلايا الجديدة، مؤكدًا أن Foxp3 هو المفتاح الجيني للتحكم في المناعة الذاتية.
شكّلت هذه الاكتشافات تحولًا جذريًا في فهم المناعة البشرية، إذ فتحت الباب أمام تطوير علاجات تستهدف الخلايا التنظيمية لإعادة توازن الجهاز المناعي. يقول أولي كامبي، رئيس لجنة نوبل: “لقد كانت اكتشافاتهم حاسمة في فهمنا لكيفية عمل الجهاز المناعي، ولماذا لا نُصاب جميعًا بأمراض مناعة ذاتية خطيرة.”
تُجرى اليوم تجارب سريرية حول العالم تعتمد على هذه المبادئ لتطوير أدوية لعلاج أمراض مثل الذئبة الحمراء، التصلب المتعدد، التهاب المفاصل الروماتويدي، إلى جانب تعزيز فعالية علاجات السرطان المناعية التي تعتمد على تنشيط الخلايا الدفاعية المكبوحة.
اقرأ أيضا: كم تبلغ مكافأة جائزة نوبل لعام 2025؟
قال توماس بيرلمان، الأمين العام للجنة نوبل، إنه تمكن من الاتصال بساكاغوتشي صباح الاثنين لإبلاغه بالنبأ السعيد: “كان في مختبره عندما اتصلت به. بدا متأثرًا للغاية وفخورًا بهذا التقدير.” وأضاف أنه ترك رسائل صوتية لبرونكو ورامسديل اللتين لم تُجبان على الهاتف لحظة الإعلان.
سيُقسّم العلماء الثلاثة الجائزة المالية البالغة 11 مليون كرونة سويدية (نحو 1.2 مليون دولار أميركي). ومن المقرر أن يُقام حفل تسليم الجوائز في 10 ديسمبر المقبل في ستوكهولم، في ذكرى وفاة مؤسس الجائزة ألفريد نوبل عام 1896. وتُعد جائزة الطب أولى جوائز نوبل المعلنة هذا العام، تليها جائزة الفيزياء ثم الكيمياء فالأدب، على أن تُختتم الجوائز بجائزة السلام وجائزة الاقتصاد التذكارية في 13 أكتوبر.
تُعد هذه الجائزة تكريمًا لاكتشافاتٍ أعادت رسم خريطة علم المناعة الحديث، ورسّخت فهمًا جديدًا لكيفية حفاظ أجسامنا على التوازن بين الحماية الذاتية وعدم إيذاء النفس. فكما قالت لجنة نوبل في بيانها الختامي: “لقد اكتشفوا كيف يحافظ الجسم على جهازه المناعي من التحول إلى سلاح ضده… لقد كشفوا سرّ الحياة الآمنة داخلنا.”
