بفكر القادة: كيف تبني فريقًا لا يُهزم؟
في بيئة العمل الحديثة، لم يعد النجاح محصورًا في امتلاك موظفين موهوبين أو موارد قوية، بل أصبح مرتبطًا بشكل مباشر بقدرة المؤسسات على بناء فريق عمل عالي الأداء.
هذه الفرق لا تقتصر مهمتها على إنجاز المهام فحسب، بل تمتلك القدرة على تحويل الأفكار والرؤى إلى نتائج ملموسة تتوافق مع أهداف الشركة الاستراتيجية.
كما أنها تخلق بيئة عمل محفزة، تُشجع على التعبير عن الأفكار الجديدة، ومواجهة الصعوبات، ومكافحة الجمود التنظيمي، ما يدفع الجميع لتقديم أفضل ما لديهم باستمرار.
باختصار، فرق العمل عالية الأداء ليست مجرد عنصر تنظيمي، بل هي قوة محركة للتميز المؤسسي، وتمثل الفارق بين الشركات التي تتجاوز التحديات بثقة وتحقق نتائج تفوق التوقعات، وتلك التي تظل عالقة في أداء متوسط بدون القدرة على الابتكار أو الاستجابة السريعة لمتغيرات السوق.
خمس سمات تميّز فريق العمل عالي الأداء
لتحقيق الأداء المتميز، يحتاج أي فريق عمل إلى أكثر من مجرد أعضاء موهوبين، فهو يتطلب مجموعة من السمات الأساسية التي تُنظّم العمل، تعزز التعاون، وتدعم الابتكار، فيما يلي خمس سمات تميّز الفرق عالية الأداء:
وضع أهداف واضحة ومتوافقة
يُعد الوضوح إحدى الركائز الأساسية لنجاح أي فريق عمل، حيث تقوم الفرق عالية الأداء بتحويل رؤيتها إلى أهداف محددة وقابلة للقياس يفهمها جميع الأعضاء. كما يسهم الحوار الشجاع في مواجهة الأهداف غير الواقعية وتوجيه الجهود نحو ما هو أكثر أهمية.
اقرأ أيضًا: الدرعية تحتضن روّاد الأعمال والمواهب السعودية في مشروع جادة جبل القرين
تحديد الأدوار والمسؤوليات
توضيح المسؤوليات لكل عضو يساهم في تقليل الاحتكاك وتعزيز المساءلة، وعند ظهور أي فجوات أو تداخلات، يتم التعامل معها بسرعة قبل أن تؤثر على أداء الفريق العام.
ترتيب الأولويات والانضباط في المواعيد
الفرق عالية الأداء تركز على الأولويات الحقيقية، وتعيد توزيع الموارد عند الحاجة لضمان إنجاز المهام في الوقت المحدد. قول "لا" للمهام الأقل أهمية يُعتبر جزءا من استراتيجية الإدارة الفعّالة.
تعزيز التوافق بين القيادة والأفراد
الاجتماعات المنتظمة، التوقعات الواضحة، والتغذية الراجعة البنّاءة تُعزز التوافق بين الإدارة وفريق العمل، فالقادة ذوو الذكاء العاطفي العالي يواجهون المحادثات الصعبة حول الأداء أو التطوير المهني، ما يدعم الثقة ويحافظ على الانسجام داخل الفريق.
تبني التعلم والنمو المستمر
تتعامل الفرق عالية الأداء مع الأخطاء كفرص للتعلم والتطور، حيث تُستثمر التأملات، التدريب، والتغذية الراجعة لتعزيز مهارات الفريق بشكل مستمر، مما يعزز مرونته وقدرته على الابتكار.
لماذا تفشل بعض فرق العمل في تطبيق هذه السمات؟
رغم أن معظم فرق العمل على دراية بالمبادئ والخطوات اللازمة لبناء فريق عالي الأداء، فإن المعرفة وحدها لا تكفي لضمان التطبيق الفعلي.
إذ تميل الطبيعة البشرية إلى تجنّب المخاطرة وحماية العلاقات الشخصية، ما يحدّ من الشجاعة المطلوبة لمواجهة القرارات الصعبة والمواقف الحرجة، ويؤدي في كثير من الأحيان إلى تراجع الأداء الجماعي.
هنا يبرز مفهوم الـ8% الأخيرة Last Eight Percent، الذي ابتكره معهد IHHP، حيث أظهرت الدراسات على عشرات الآلاف من الأشخاص أن نحو 8% من أهم النقاط الصعبة تُترك عادة من دون نقاش أو إفصاح، وتشمل الحقائق غير المريحة والقرارات المحفوفة بالمخاطر.
هذا التجاهل لا يقتصر على التواصل فحسب، بل يمتد إلى اتخاذ القرارات الحيوية، ما يقوّض أداء الفرق ويضعف الثقة الداخلية.
أما الفرق التي تعتمد ثقافة الـ8% الأخيرة، عبر الدمج بين الارتباط العالي والشجاعة الفعلية، فتنجح في بناء بيئة متوازنة تجمع بين الرعاية والمساءلة، غنية بالتغذية الراجعة، وتعزز القدرة على مواجهة التحديات، ما يضمن استدامة الأداء وتحقيق نتائج متميزة حتى في أكثر ظروف العمل تعقيدًا.
اقرأ أيضًأ: ملياردير أمريكي يحذر: ريادة الأعمال طريق محفوف بالمخاطر وليست للجميع
3 خطوات لتطبيق استراتيجية الـ8% الأخيرة
لخلق استراتيجية الـ8% الأخيرة، يبدأ الأمر بتعزيز الأمان النفسي داخل الفريق، بحيث يشعر الأعضاء بالحرية التامة في التعبير عن آرائهم ومخاوفهم من دون خوف من اللوم أو الانتقاد، ما يشجع على الصراحة والانفتاح.
يلي ذلك تشجيع المحادثات الصعبة، إذ يصبح التعامل بشجاعة ومسؤولية مع القضايا الحساسة واتخاذ القرارات الصعبة جزءا من ثقافة الفريق اليومية، لضمان معالجة المشاكل قبل أن تؤثر على الأداء.
كما تُعد التغذية الراجعة المستمرة والتدريب المستمر أدواتٍ أساسية لتعزيز التعلم والنمو الفردي والجماعي، مما يقوّي مهارات الفريق ويزيد مرونته وقدرته على الابتكار.
اعتماد هذه الأساليب يُسهم في بناء الفريق عالي الأداء القادر على تحقيق نتائج مستدامة، رفع الإنتاجية، وتسريع اتخاذ القرارات حتى في أصعب ظروف العمل.
من النظرية إلى التطبيق.. تجربة واقعية
ما يميز ثقافة الـ8% الأخيرة أنها ليست مجرد نظرية إدارية، بل نظام عملي أثبت نجاحه. فقد طبّقت شركة بلو كروس أوف أيداهو Blue Cross of Idaho هذه الثقافة بالتعاون مع معهد IHHP، مركزةً على الجمع بين الشجاعة والارتباط العالي داخل فرقها.
النتائج كانت واضحة على مستويات عدّة: انخفض معدل دوران الموظفين من 17.5% إلى 11% خلال أقل من عامين، وتحسّن مستوى الانفتاح والتواصل بين الأعضاء بشكل كبير، ما انعكس مباشرة على سرعة اتخاذ القرارات وكفاءة العمليات اليومية.
علاوة على ذلك، ساعدت هذه الثقافة في تعزيز المساءلة الفردية والجماعية، وتقوية الثقة بين القيادة والفريق، ما دعم الابتكار واستدامة الأداء حتى في المواقف المعقدة والتحديات الكبيرة.
تؤكد هذه التجربة أن تطبيق ثقافة الـ8% الأخيرة ليس مجرد أداة لتحسين التواصل، بل آلية استراتيجية لتحويل الفرق العادية إلى فرق عالية الأداء، قادرة على مواجهة المخاطر، وتحقيق أعلى أداء وإنتاجية داخل الشركة أو المؤسسة.
