الأدب العالمي بنكهة عربية: كيف ترجمت السينما حكايات العالم؟
العلاقة بين الأدب والسينما العربية
في كتابه "الفن والأدب"، يوضح توفيق الحكيم الفارق بين عالم الأدب والسينما، مشيرًا إلى أن المخرج هو السيد الحقيقي للعمل السينمائي، إذ يوحّد جهود الكتّاب والممثلين والمصورين ضمن رؤيته الخاصة، تمامًا كما يفعل الكاتب في نصه الأدبي.
ويرى الحكيم أن الأعمال المقتبسة من روايات أدبية تظل خاضعة لعقلية الأديب الأصلي وخياله، بينما تكون الأفلام المستقلة نتاج رؤية المخرج بالكامل.
ويؤكد النقاد أنه على المخرج وكاتب السيناريو الالتزام بروح النص الأدبي وشخصياته، من دون أي مبالغة في التغيير أو الإضافة، حتى لا تفقد الرواية عمقها الأصلي عند تحويلها إلى عمل سينمائي.
تحديات تحويل الروايات العالمية إلى أفلام عربية
تشير أبحاث المؤتمر الدولي الأول لـ “شبكة آمون للباحثين في الأدب والسينما” بجامعة القاهرة عام 2019 إلى أنه تم إنتاج نحو 360 فيلمًا مستمدًا من الأدب بين عامي 1930 و2019.
وفي العقود الأولى، تحديدًا بين 1930 و1960، اعتمدت السينما المصرية على المصادر الغربية، خصوصًا الإنجليزية والفرنسية، في اقتباساتها، ما جعل تلك الأفلام تُعد اقتباسًا صريحًا لا مجرد استلهام.
لكن مع ستينيات القرن الماضي، تحوّل الاتجاه نحو الاقتباس من السينما الأميركية، قبل أن يتراجع الأدب الغربي تدريجيًا كمصدر للإلهام بعد ثورة 1952، إذ بدأت السينما تميل إلى الواقعية الاجتماعية وتعكس نبض الشارع المصري والعربي.
ومع انتشار السينما واتساع جمهورها، أصبح الاستلهام من الأدب المحلي أكثر قربًا من اهتمامات المشاهد، خاصة مع ظهور جيل أدباء الخمسينيات الذين قدّموا أعمالاً واقعية ومعاصرة شكّلت أرضية غنية للدراما السينمائية العربية.
إليك باقة من الأفلام العربية المأخوذة من روايات عالمية
فيلم الجريمة والعقاب – رواية الجريمة والعقاب
قُدمت رواية "الجريمة والعقاب" للأديب الروسي فيودور دوستويفسكي في نسخة سينمائية مصرية عام 1957، حملت الاسم نفسه، وحرصت على تكييف الأحداث لتتناسب مع المجتمع المصري مع الحفاظ على الخط الدرامي الأصلي. كتب السيناريو محمد عثمان، وأخرج الفيلم إبراهيم عمارة، بينما شارك في بطولته شكري سرحان، ومحمود المليجي، وماجدة.
اقرأ أيضًا: إعلان فيلم The Bride يثير الجدل برؤية ماجي جيلنهال الجريئة (فيديو)
فيلم عيون لا تنام – رواية رغبة تحت شجرة الدردار
تدور أحداث فيلم "رغبة تحت شجرة الدردار" (1981)، المقتبس عن المسرحية الأميركية الشهيرة للكاتب يوجين أونيل، حول إبراهيم العجوز الذي يتزوج من محاسن، الفتاة الفقيرة، رغم رفض أشقائه خشية ضياع الميراث.
ينشأ صراع خفي بينها وبين إسماعيل، الأخ غير الشقيق لإبراهيم، الذي يعمل لديه بالأجرة بعد أن سلبه نصيبه في الورشة والمنزل. ومع تصاعد الخلافات، يُلفّق إسماعيل تهمة سرقة لمحاسن، فيعتدي عليها زوجها بعنف، قبل أن تتحول مشاعر إسماعيل تجاهها إلى حبٍ محرّم ينتهي باعترافه بخطئه.
الفيلم من إخراج رأفت الميهي، وبطولة أحمد زكي، فريد شوقي، ومديحة كامل، وقدّم معالجة درامية جريئة تمزج بين الواقعية الاجتماعية والمأساة الإنسانية.
فيلم المجهول – رواية سوء تفاهم
الوحش داخل الإنسان – رواية الوحش داخل الإنسان
فيلم سونيا والمجنون – رواية الجريمة والعقاب
فيلم ضربة القدر – رواية ضربة القدر
فيلم البؤساء – رواية البؤساء
تُعدّ رواية "البؤساء" (Les Misérables) للأديب الفرنسي العالمي فيكتور هوغو، التي نُشرت عام 1862، واحدة من أشهر روايات القرن التاسع عشر، إذ تناولت ببراعة قضايا الظلم الاجتماعي في فرنسا خلال تلك الحقبة.
وقد استلهمت السينما المصرية هذا العمل الخالد في فيلمين، كانت أولى التجارب عام 1943 من خلال فيلم "البؤساء"، من بطولة أمينة رزق وعباس فارس وسراج منير، ومن إخراج كمال سليم، حيث جرى تمصير الأحداث لتتناسب مع البيئة المصرية مع الحفاظ على روح الرواية الأصلية.
اقرأ أيضًا: لماذا اختارت إيطاليا فيلم فاميليا المرشح للأوسكار وسط منافسة 24 عملًا سينمائيًا؟ (فيديو)
أما التجربة الثانية لتقديم رواية البؤساء في السينما المصرية، فجاءت عام 1978 من إخراج عاطف سالم، وسيناريو رفيق الصبّان، وبطولة نخبة من كبار النجوم: فريد شوقي، عادل أدهم، يوسف وهبي، عبدالوارث عسر، محسنة توفيق، وفردوس عبدالحميد.
قدّم الفيلم معالجة أكثر واقعية للرواية، مع لمسة درامية تناسب المجتمع المصري وتُبرز الصراع الإنساني بين العدالة والرحمة.
فيلم الشياطين – رواية الشياطين
اقرأ أيضًا: شباك التذاكر الأمريكي: فيلم Him يحقق 6.4 مليون دولار في يومه الأول (فيديو)
كيف اختلفت النسخة السينمائية عن الأصل الأدبي؟
يكمن الاختلاف الجوهري بين العمل الأدبي والعمل السينمائي في أسلوب السرد، إذ يعتمد الأدب على اللغة البلاغية الغنية بالاستعارات والمجازات التي تمنح النص عمقه وجماله، بينما ترتكز السينما على اللغة البصرية المباشرة التي تُعبّر بالصورة لا بالكلمة.
فجمال الرواية يكمن في وصف المشاعر وتفاصيل الشخصيات والبيئة بالكلمات، بينما يكمن جمال الفيلم في قدرة الصورة على تجسيد تلك الأحاسيس بصريًا دون حاجة للإطالة أو الحوار.
وهنا يظهر دور السيناريست الذي يُعيد تشكيل النص الأدبي ليصبح سينمائيًا، فيحوّل الصفحات المليئة بالوصف والسرد إلى مشاهد مكثفة تعبّر عن المعنى عبر الحركة والنظرة والإضاءة. ورغم أن بعض الأدباء يرون في ذلك اختزالاً لجمال الرواية، إلا أنه فنّ قائم بذاته يحوّل الأدب من الكلمة إلى الصورة.
