الماتشا يغزو المقاهي السعودية.. كيف تحول المشروب إلى رمز عصري للصحة والرفاهية؟
لم يعد الماتشا مجرد "شاي أخضر" كما كان يُنظر إليه في أجيال الثمانينيات والتسعينيات، بل تحول إلى مشروب عصري يلفت انتباه جيل الألفية وشباب جيل Z، مستحوذًا على نحو 10% من مبيعات المقاهي في المملكة العربية السعودية.
هذا المشروب الياباني، الذي يجمع بين الطعم الفريد والفوائد الصحية، أصبح رمزًا عصريًا للرفاهية، وللاتجاه المتصاعد نحو العناية بالصحة والانفتاح على ثقافات جديدة، ويعكس تحول المستهلكين نحو اختيارات غذائية أكثر وعيًا.
الماتشا.. أكثر من مجرد شاي
الماتشا هو مسحوق أخضر مركز مستخرج من أوراق شاي كامليا سينينسيس، ويُزرع بطريقة خاصة في الظل قبل الحصاد، ما يزيد من تركيز مضادات الأكسدة والأحماض الأمينية، ويمنحه لونه الأخضر الزاهي ونكهته المميزة.
وتختلف الماتشا عن الشاي الأخضر التقليدي بأن الشخص يستهلك الورقة كاملة ممزوجة بالماء أو الحليب، بخلاف شاي الأوراق المنقوعة فقط، مما يجعله أكثر تركيزًا وفائدة.
كما يحتوي الماتشا على كافيين متوسط يمنح طاقة مستمرة بدون التوتر المصاحب للقهوة، ويحتوي على L-theanine إل-ثيانين، وهو حمض أميني ذو تأثير مهدئ للجسم، والذي يعزز الاسترخاء والتركيز الذهني، إلى جانب مضادات الأكسدة القوية مثل EGCG والكلوروفيل، بالإضافة إلى مركبات نباتية مثل الكيرسيتين التي تدعم الصحة العامة.
رحلة الماتشا.. من اليابان إلى كوبك
وتبدأ رحلة الماتشا من مناطق محددة في اليابان، مثل أوجي وكاغوشيما، حيث تُزرع النباتات على تلال معتدلة وتُغطى لتقليل التعرض لأشعة الشمس.
بعد ذلك تبدأ عملية الحصاد الدقيقة في الربيع، حيث تُقطف الأوراق يدويًا، وتُزال السيقان منها، ثم تُبخّر بسرعة للحفاظ على نضارتها ونكهتها وفوائدها، قبل أن تُطحن إلى مسحوق ناعم ببطء شديد على أحجار تقليدية.
المثير أن طحن 40 غرامًا فقط من مسحوق الماتشا قد يستغرق ساعة كاملة، وهو ما يفسر قيمتها العالية وخصوصيتها مقارنة بالشاي العادي.
وتُقاس جودة الماتشا بلونه الأخضر الفاتح، ملمسه الناعم، رائحته العشبية الطازجة، وطعمه المتوازن بين المرارة والحلاوة.
اقرأ أيضًا: في يومه العالمي..تعرف على أغرب أنواع الشاي وطرق تقديمه حول العالم
الكيلو الواحد من خلطة يابانية خاصة، كما أوضح أحد مسؤولي مطعم "جون آند فينيز"، يصل إلى 1200 ريال، ويشكل الماتشا 22% من إيرادات المشروبات لديهم، مع بيع 350 كوبًا في عطلة نهاية الأسبوع فقط في فرع واحد بالرياض، وفقًا لـ"الاقتصادية".
الماتشا.. انتشار في المقاهي السعودية
ولا يُعد الماتشا حكرًا على المقاهي الفاخرة، بل انتشر أيضًا في سلاسل محلية وعالمية مثل دانكن وكودو. ووفق بيانات من سلسلة مقاهي "برو 92"، يشكل ماتشا لاتيه نحو 10.5% من المبيعات منذ بداية العام، ويرتفع الرقم إلى 12% عند احتساب باقي المنتجات المحتوية على الماتشا.
كما تضاعف عدد الأكواب المبيعة خلال العامين الماضيين، ويستهلك المقهى أكثر من 150 كيلوجرامًا شهريًا من الماتشا المستورد من كاغوشيما اليابانية، التي تتميز بلون فاتح ومرارة منخفضة.
الأسعار وميل المستهلك للتحضير المنزلي
وتتراوح أسعار كوب الماتشا بين 16 ريالاً في المقاهي المحلية مثل هاف مليون وعنوان القهوة، و29 ريالاً في المقاهي الراقية مثل "إيرث كافيه" و"جون آند فينيز". وهذا الفارق دفع كثيرًا من المستهلكين لتحضيره منزليًا، مع أدوات وعلب تحضير تتراوح أسعارها بين 110 و180 ريالاً، ما يتيح للمستخدم صنع عشرات الأكواب باستخدام جرامين فقط من الماتشا لكل كوب.
اقرأ أيضًا: هل يتفوّق مشروب الماتشا الأخضر على القهوة؟ دراسة تكشف الفوائد الصحية
مستهلكون أكدوا أن الماتشا يمنح شعورًا بالهدوء والتركيز دون التوتر المرتبط بالقهوة، ويحتوي على مستوى معتدل من الكافيين لا يؤدي إلى الأرق. كما ذكرت إحدى المستهلكات: "أحبها لهذه البساطة التي تتميز بها؛ يمكنني صنع كوب في أي وقت دون الحاجة لأجهزة خاصة".
الماتشا.. فوائد صحية تتجاوز اللون الأخضر
وراء اللون الأخضر الزاهي للماتشا تكمن تركيبة غذائية لافتة، فهي مشروب منخفض السعرات الحرارية (نحو 3 كالوري فقط في الملعقة الصغيرة) وخالٍ تقريبًا من الدهون والسكريات، لكنه غني بمركبات نشطة تعزز الصحة العامة.
ومن أبرز هذه المركبات: الكاتيكينات المضادة للأكسدة، البوليفينولات المضادة للالتهابات، الكلوروفيل، إضافة إلى "إل-ثيانين" الذي يمنح الشعور بالاسترخاء، والكافيين الذي يوفر دفعة طاقة معتدلة.
كما تحتوي الملعقة الصغيرة على غرام واحد من البروتين وغرام واحد من الألياف، ما يجعلها خيارًا صحيًا لمن يبحث عن التوازن بين الطاقة وخفة السعرات. كما أن فوائده تشمل:
_ دعم التركيز واليقظة.
_ تحسين التمثيل الغذائي وحرق السعرات.
_ حماية البشرة من أضرار الأشعة فوق البنفسجية والتلوث.
_ تقليل ضغط الدم والكولسترول وتعزيز المناعة.
ورغم فوائده، يشدد الخبراء على الاعتدال، خصوصًا لمن يعانون من مشكلات قلبية أو حساسية للكافيين، وكذلك مراعاة كمية السكر والقشدة المضافة.
الماتشا والرياضة والتأمل
يعتبر الماتشا خيارًا مثاليًا للرياضيين، فهو يمنح طاقة مستمرة ويعزز التحمل، بينما تساعد مضادات الأكسدة في تقليل الالتهابات. كما أن محتواه العالي من L-theanine يجعله مناسبًا لجلسات التأمل والوعي الذهني، مما يوفر لحظات هدوء وسط روتين الحياة السريع.
الماتشا.. سوق بمليارات الدولارات
مع ازدياد شعبية هذا المشروب، لم يعد الطلب مقتصرًا على اليابان وحدها. فاليوم يُصدَّر أكثر من نصف إنتاج الماتشا الياباني إلى الأسواق العالمية، وسط توقعات بأن يؤدي ارتفاع الطلب المستمر إلى نقص في المعروض مستقبلاً، ففي العام 2023 فقط، وصل إنتاج اليابان إلى 4176 طنًا، أي ثلاثة أضعاف ما كان يُنتج في عام 2010. وهذا النمو اللافت دفع شركات كبرى مثل "إيبودو تي" و"ماروكيو كوياماين" إلى فرض قيود على الكميات المباعة، في خطوة غير مسبوقة لموازنة العرض مع الطلب.
اقرأ أيضًا: أفضل 6 أنواع من الشاي لحرق الدهون وفقدان الوزن
وبلغ سوق الماتشا العالمي 3.2 مليار دولار خلال العام الماضي، واستحوذت آسيا والمحيط الهادئ على 51.1% من السوق بقيمة نحو 1.6 مليار دولار. ويتوقع أن يصل السوق إلى 3.4 مليار دولار في 2025، و5.8 مليار دولار بحلول 2034، بمعدل نمو سنوي مركب 6.1%.
ويعود الانتشار الكبير للماتشا إلى عدة عوامل، منها:
_ وعي متزايد بفوائده الصحية.
_ الطلب على المنتجات الطبيعية والعضوية.
_ دمجه في مشروبات اللاتيه والعصائر والحلويات.
_ دوره البارز على وسائل التواصل الاجتماعي، خصوصًا إنستغرام وتيك توك ويوتيوب.
التباين بين الأجيال
وبينما يرى جيل الثمانينيات والتسعينيات الماتشا مجرد شاي أخضر، يعتبره جيل الألفية مشروب لايف ستايل عصري، يعكس التحول نحو استهلاك واعٍ صحيًا، مع جاذبية اللون الأخضر الزاهي والطابع الثقافي الياباني.
السوق المحلي والواردات
شهدت واردات الماتشا من اليابان قفزة بلغت 900% بين 2022 و2023، من 9 آلاف كيلو إلى 81 ألف كيلو بقيمة 9 ملايين ريال، واستمر الزخم بدرجة أقل في 2024 بواقع 46 ألف كيلو بقيمة 7 ملايين ريال.
بينما بلغت واردات المملكة العربية السعودية من الشاي الأخضر عمومًا 2.3 مليون كيلو بقيمة 74 مليون ريال في العام الماضي، ما يعكس الطلب المتزايد على المشروب.
وسائل التواصل الاجتماعي ودورها في الرواج
ويعود تاريخ الماتشا إلى القرن الثاني عشر، عندما روّج لها الراهب البوذي "إيساي" كجزء من طقوس التأمل والصفاء الذهني. ومع مرور الزمن أصبحت الماتشا ركنًا أساسيًا في الثقافة اليابانية التقليدية، خصوصًا في حفلات الشاي. وعلى مدى قرون، ظلت محتفظة بطابعها المحلي، حتى وجدت طريقها فجأة إلى العالمية.
فابتداءً من عام 2015، تحولت إلى "ترند" عالمي عبر منصات التواصل الاجتماعي مثل "تيك توك"، وذلك بعد أن شاركت الممثلة الأمريكية غوينيث بالترو شغفها بهذا المشروب الأخضر المميز، ومنذ ذلك الوقت، لم تعد الماتشا مجرد شاي تقليدي، بل أصبحت عنصرًا حاضرًا في المقاهي الراقية حول العالم، من اللاتيه والسموذي إلى الحلويات المبتكرة.
كما استفاد الماتشا من انتشار الفيديوهات التعليمية والترويجية على تيك توك وإنستغرام ويوتيوب، حيث يشارك المستخدمون طرق تحضيره بصريًا، من الشاي الساخن التقليدي إلى مشروبات اللاتيه والعصائر والحلويات، مما عزز مكانته كخيار عصري صحي ومرئي جذاب.
ظاهرة صحية وثقافية
ولم يعد الماتشا اليوم مجرد مشروب، بل ظاهرة صحية وثقافية، يغزو المقاهي السعودية والعالمية، ويجمع بين الصحة، النكهة، والجمال، مع تبنيه من قبل الشباب الباحث عن أسلوب حياة متوازن. ومع استمرار الطلب المتسارع، من المتوقع أن يزداد حضوره في السوق ويصبح لاعبًا رئيسًا إلى جانب القهوة في صناعة المشروبات المحلية والعالمية.
