وداع مؤثر لعالم الفضاء الأمريكي.. رحيل الأسطورة جيمس لوفيل عن عمر 97 عامًا
في مشهد وداع مؤثر لعالم الفضاء الأمريكي والعالمي، رحل جيمس آرثر لوفيل جونيور، القائد الشهير لمهمة "أبولو 13"، التي خُلّدت في التاريخ كواحدة من أعظم قصص النجاة والابتكار في تاريخ استكشاف الفضاء.
وعن عمر ناهز 97 عامًا، توفي رائد الفضاء الذي أضاء سماء الأرض بقصص شجاعة وتفانٍ لا مثيل له في زمن سباق الفضاء بين أمريكا والاتحاد السوفييتي.
كان لوفيل رمزًا للقائد الهادئ الذي استطاع أن يحول مأساة فضائية إلى ملحمة أذهلت العالم، حيث نجح هو وطاقمه في العودة بسلام إلى الأرض بعد انفجار خطير في خزان الأوكسجين خلال رحلة "أبولو 13" في العام 1970. هذه الرحلة التي كانت مهددة بالفشل تحولت إلى شهادة حية على روح الابتكار البشري والقيادة تحت الضغط.
ناسا تستعد لتغيير مستقبل الطيران التجاري الفائق السرعة مع X-59 (فيديو)
وفي هذا التقرير المفصل، نستعرض حياة ومسيرة جيمس لوفيل، أبرز محطات رحلته في الفضاء، وتأثيره المستمر على أجيال المستكشفين، بالإضافة إلى تفاعلات المؤسسات والعالم مع رحيله.
جيمس لوفيل: رائد الفضاء الذي كتب اسمه في سجل التاريخ
وُلد جيمس آرثر لوفيل جونيور في 25 مارس 1928، في كليفلاند بولاية أوهايو، ونشأ في مدينة ميلووكي، حيث كان شغفه بالفضاء والطيران واضحًا منذ الصغر. في سن السادسة عشرة، صنع أول صاروخ له باستخدام أنابيب ورقية ومسحوق أسود، معلنًا بداية مسيرة متميزة في علوم الطيران والفضاء.
وبعد محاولته الأولى غير الناجحة للالتحاق بالأكاديمية البحرية الأمريكية، تم قبوله في المحاولة الثانية، وتخرج منها في العام 1952. وتزوج من حبيبته في المدرسة الثانوية مارلين جيرلاك.
وخدم جيمس لوفيل، في البحرية كطيار مقاتل قبل أن يتم اختياره في العام 1962 ضمن المجموعة الثانية من رواد الفضاء في وكالة ناسا، والتي ضمت أسماء لامعة مثل نيل أرمسترونغ وجون يونغ.
رحلة الفضاء: من جيميني إلى أبولو
وبدأت مغامرات جيمس لوفيل في الفضاء مع مهمتي "جيميني 7، وجيميني 12"، حيث اختبر خلالها قدرة الإنسان على البقاء لفترات طويلة في انعدام الجاذبية، كما ساهم في تطوير تقنيات التقاء وربط المركبات الفضائية، التي كانت ضرورية لاحقًا لمهام أبولو.
ولكن أهم إنجازاته كانت مع "أبولو 8، وأبولو 13"، ففي "أبولو 8" في العام 1968، قاد جيمس لوفيل الطاقم الأول الذي دخل مدار القمر، وحقق خطوة فارقة للولايات المتحدة في سباق الفضاء، متجاوزًا الاتحاد السوفييتي.
عدسات ناسا ترصد أول ومضة في ولادة كوكب جديد (فيديو)
أما في العام 1970، فقد تحول إلى بطل عالمي خلال مهمة "أبولو 13"، التي واجه فيها هو ورفاقه في الطاقم كارثة انفجار خزان الأوكسجين، ما حول الرحلة إلى معركة للبقاء على قيد الحياة.
«أبولو 13»: لحظة حاسمة
انطلقت مهمة "أبولو 13" في 11 أبريل 1970، وكان هدفها الهبوط على سطح القمر في موقع جديد، وجمع عينات صخرية. ومع مرور الوقت، بدأ الاهتمام الجماهيري يتضاءل، فبعد نجاح "أبولو 11"، بدا السفر إلى القمر مهمة مألوفة إلى حد ما.
ولكن بعد 55 ساعة و55 دقيقة من الإقلاع، وقع الانفجار المروع في خزان الأوكسجين داخل وحدة الخدمة، مما أدى إلى فقدان مصدر الطاقة الرئيسي وتعريض حياة رواد الفضاء الثلاثة "جيمس لوفيل، جون جاك سويغرت، وفريد هايز" لخطر شديد على بُعد 200,000 ميل من الأرض.
وعلى الفور، أرسل سويغرت الرسالة الشهيرة إلى مركز التحكم: "حسنًا، هيوستن، لدينا مشكلة هنا"، فرد لوفيل بعدها، في هدوء لا يصدق: "هيوستن، لدينا مشكلة. لقد حدث انخفاض في التيار الكهربائي الرئيسي".
وتحولت المهمة إلى دراما حقيقية للنجاة، حيث كان على الطاقم التكيف بسرعة مع الوضع الطارئ، باستخدام مركبة الهبوط القمرية "أكوايريوس" كقارب نجاة في رحلة عودة شاقة وطويلة استمرت أربعة أيام في الفضاء.
قيادة لوفيل
كان جيمس لوفيل، بفضل خبرته كطيار بحري، وهدوئه المميز، هو القائد الذي استند إليه الجميع في أحلك الظروف، فهو لم يكن فقط يدير الرحلة، بل يقود طاقمه وفرق الأرض في مواجهة أزمة غير مسبوقة.
وبخبرة نادرة، أعاد لوفيل تدريب نفسه على قيادة المركبة الفضائية وسط تغيرات غير متوقعة في مركز الجاذبية، واضطر إلى توجيه الرحلة فقط عبر النافذة، معتمدًا على بصيرته وحدسه لتصحيح المسار نحو الأرض.
ناسا تنشر صورًا غير مسبوقة لانفجارات شمسية بحجم الكواكب
وفي مركز التحكم في هيوستن، عمّت حالة من التوتر واليقظة، حيث عمل مئات المهندسين والعلماء في خطة إنقاذ غير مسبوقة، شملت تصميم فلتر هواء مربع الشكل ليتناسب مع فتحة دائرية، للتخفيف من تراكم ثاني أكسيد الكربون.
نجاح مأساوي يُلهم العالم
وعلى الرغم من أن "أبولو 13" لم تحقق هدفها الأصلي بالهبوط على القمر، إلا أن الرحلة تحولت إلى واحدة من أعظم قصص النجاح في تاريخ الفضاء، حيث أظهرت قدرة البشر على الابتكار والعمل الجماعي في مواجهة الكوارث.
وفي 17 أبريل، بعد رحلة محفوفة بالمخاطر والقلق، هبط الطاقم بأمان في المحيط الهادئ، واستقبلوا بترحيب عالمي وأوسمة رفيعة، من بينها وسام الحرية الرئاسي. وقال لوفيل لاحقًا: "لم ندرك أبدًا قيمة الأرض حتى ابتعدنا عنها".
We are saddened by the passing of Jim Lovell, commander of Apollo 13 and a four-time spaceflight veteran.
Lovell's life and work inspired millions. His courage under pressure helped forge our path to the Moon and beyond—a journey that continues today. https://t.co/AjT8qmxsZI pic.twitter.com/jBlxzgrmSk— NASA (@NASA) August 8, 2025
الحياة بعد الفضاء
بعد تقاعده من وكالة ناسا والبحرية الأمريكية في العام 1973، بدأ جيمس لوفيل فصلاً جديدًا من حياته بعيدًا عن الفضاء، حيث خدم لفترة وجيزة كنائب مدير مركز جونسون للفضاء في هيوستن، ثم اتجه إلى عالم الأعمال حيث عمل في قطاع الاتصالات، وأصبح نائب الرئيس التنفيذي لشركة "سنتل".
تحويل مخلفات ناسا إلى مفتاح استعمار المريخ!
كما أدار جيمس لوفيل لفترة مطعمًا في ضواحي شيكاغو حمل اسمه، وهو مكان استقطب العديد من محبي الفضاء وعشاق قصته البطولية.
وعلى الرغم من ابتعاده عن المدار، ظل لوفيل رمزًا في مجال الفضاء والقيادة، وأثرى المكتبة العلمية بعدة كتب، أبرزها كتابه "القمر المفقود Lost Moon"، الذي كتبه مع الصحفي جيف كلوجر، والذي استند إليه فيلم "أبولو 13" الشهير الذي جسد فيه توم هانكس شخصيته.
A statement from the family of Apollo astronaut Jim Lovell on his passing:
"We are saddened to announce the passing of our beloved father, USN Captain James A. "Jim" Lovell, a Navy pilot and officer, astronaut, leader, and space explorer. He was 97.
We are enormously proud of… pic.twitter.com/rz6kbvJ9oa— NASA (@NASA) August 8, 2025
وداع أسطورة ومصدر إلهام لا ينضب
أعلنت وكالة ناسا ببالغ الحزن عن وفاة جيمس لوفيل، ووصفت حياته بأنها نموذج للقيادة والشجاعة. وصرح شون دافي، المدير المؤقت لناسا: "لقد ألهمت حياة وعمل الكابتن جيم لوفيل ملايين الناس عبر عقود. كان رجلاً ذو شخصية متينة وشجاعة ثابتة ساعدت أمتنا على الوصول إلى القمر وتحويل مأساة محتملة إلى نجاح علمنا منه الكثير. نحتفي بإنجازاته وننعي رحيله".
كما نعته عائلته في بيان، جاء فيه: "كان والدنا، وجدو، وقائد عائلتنا. كان بطلاً حقيقيًا، سنفتقد تفاؤله الذي لا يتزعزع وروحه المرحة وطريقته في جعل كل منا يشعر بأنه قادر على تحقيق المستحيل".
وقدم توم هانكس، الذي مثل شخصية لوفيل في الفيلم، رسالة وداع مؤثرة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، معبرًا عن امتنانه لتكريم إرث رائد الفضاء العظيم.
إرث خالد
ويعتبر جيمس لوفيل، أحد أبرز رموز عصر الفضاء، وصُنف كواحد من أعظم رواد الفضاء الذين ساهموا في دفع البشرية خطوة نحو النجوم.
كما كانت مساهمته في المهام الفضائية الأربع التي شارك فيها، خاصة رحلتي "أبولو 8، وأبولو 13"، حجر الأساس في تقدم البرنامج الفضائي الأمريكي. حيث إن رحلة "أبولو 8" التي دارت حول القمر لأول مرة في التاريخ كانت الخطوة الأولى التي مهدت لهبوط "أبولو 11" التاريخي، فيما أثبتت مهمة "أبولو 13" قدرة الإنسان على مواجهة الأزمات والتغلب عليها بقوة القيادة وروح الفريق.
وتعكس قصة لوفيل كيف يمكن للشجاعة والهدوء تحت الضغط أن يتحولوا إلى مصدر أمل ملهم، وترك بصمة لا تمحى على أجيال من رواد الفضاء والمهندسين والباحثين والعامة الذين رأوا فيه تجسيدًا للقيم الإنسانية في مواجهة المجهول.
