زائر غامض من أعماق الكون: هل يكون المذنب 3I/ATLAS مركبة فضائية غريبة؟
في الأول من يوليو 2025، رصدت أنظمة المراقبة الفلكية جسمًا صغيرًا يعبر الفضاء بسرعة هائلة، ليبدأ فصل جديد من الجدل العلمي الذي لا يقل إثارة عن أفلام الخيال العلمي.
الجسم الذي أطلق عليه العلماء اسم "3I/ATLAS" ليس كأي جرم سماوي مألوف، إذ يبدو أنه قادم من خارج نظامنا الشمسي، ويحمل في مداره وصفاته ما أربك الحسابات وأشعل النقاشات، فبينما يرى معظم علماء الفلك أنه مجرد "مذنب بين نجمي"، هناك من يصر على أن القصة قد تكون أعمق بكثير، وربما أخطر.
في هذا التقرير سنستعرض تسلسل اكتشاف الجسم الفضائي، وبيانات الرصد المتوفرة حتى الآن، والحجج العلمية المتباينة، والإمكانات العملية لدراسة أو اعتراض هذا الزائر بين النجوم.
☄️ Say hello to Comet 3I/ATLAS, just the third interstellar object ever seen in our Solar System!@NSF–@doescience Rubin Observatory didn’t discover the comet, but even during testing, it caught a glimpse. Imagine what we'll find once science operations begin later this year! pic.twitter.com/BITtS6Pfu6
— NSF-DOE Rubin Observatory (@VRubinObs) July 30, 2025
ما هو الجسم بين النجمي؟
الأجرام بين النجمية هي أجسام فضائية تأتي من خارج حدود النظام الشمسي، لتدخل في مسار عابر وتغادر إلى الفضاء السحيق. حتى الآن، لم يُرصد سوى ثلاثة منها:
_ Oumuamua في العام 2017، والذي أثار جدلاً واسعًا بسبب شكله الغريب وسرعته.
_ I/Borisov في العام 2019، والذي بدا أقرب إلى المذنبات التقليدية.
_ 3I/ATLAS المكتشف حديثًا.
وما يميز هذه الأجرام أنها تحمل في تركيبتها ومظهرها معلومات ثمينة عن أنظمة شمسية أخرى، وربما عن الظروف التي سادت في مراحل مبكرة من عمر مجرتنا. لذا، كل ظهور جديد يعد فرصة نادرة لـ"علم آثار بين نجمي"، على حد وصف الفيزيائي الفلكي البارز البروفيسور آفي لوب، أستاذ العلوم ومدير معهد بيرد في جامعة هارفارد، والمؤلف الأكثر مبيعًا لكتابي "خارج الأرض" و"بين النجوم".
كيف رُصد 3I/ATLAS؟
تمكّن مسح ATLAS (Asteroid Terrestrial-Impact Last Alert System) من رصد الجسم في الأول من يوليو 2025، وأظهرت الحسابات الأولية أنه يتحرك بسرعة تقارب 58 كيلومترًا في الثانية بالنسبة للشمس، وهي سرعة كبيرة جدًا مقارنة بمعظم المذنبات.
مداره جاء مفاجئًا: مسار "رجعي" بالنسبة لحركة الكواكب في النظام الشمسي، ويمر قرب كواكب مثل الزهرة والمريخ والمشتري، قبل أن يواصل رحلته نحو الفضاء الخارجي. هذا المسار غير المعتاد أثار الشكوك، خصوصًا لدى البروفيسور لوب، الذي أشار إلى أن هذا النوع من الحركة قد لا يكون عشوائيًا.
We saw it too. ☄️
Our LSST Camera, still in its commissioning phase, caught the interstellar Comet 3I/ATLAS back in June - several days before its discovery was announced! This early testing data showcases the unprecedented observing power of the NSF-DOE @VRubinObs. pic.twitter.com/Bo8Avth9qs— SLAC (@SLAClab) July 30, 2025
مذنب طبيعي أم شيء آخر؟
أكثر من 200 باحث أعلنوا أن "3I/ATLAS" يُظهر خصائص مذنب، لكن البروفيسور لوب يرى أن هناك "ثغرات كبيرة" في هذا التفسير، موضحًا أن المذنبات عادة تُكوّن "ذيلاً مرئيًا" عند اقترابها من الشمس نتيجة تبخر الجليد وانبعاث الغازات، لكن "3I/ATLAS" لم يُظهر ذيلاً واضحًا. وقال: "هناك ادعاءات بوجود ذيل، لكن حجم الجسم قريب من حدود دقة التلسكوبات الأرضية، وحركته السريعة قد تحدث خداعًا بصريًا في الصور".
كما أكد أن القياسات الطيفية من عدة مراصد لم تكشف أي آثار لغازات شائعة في المذنبات مثل ثاني أكسيد الكربون أو السيانيد، و"بدلاً من ذلك، أظهرت الصور ألوانًا تميل إلى الاحمرار، قد تكون نتيجة غبار أو مركبات عضوية على السطح".
تحديد احتمالية الأصل الصناعي
ابتكر البروفيسور آفي لوب، ما أسماه "مقياس لوب"، وهو مقياس من صفر إلى عشرة لتقدير احتمالية أن يكون الجسم تكنولوجيًا من صنع حضارة ذكية:
0: جرم طبيعي بحت.
10: جسم يتحرك بوضوح بمحركات أو مناورة متعمدة.
وأعطى لوب لـ"3I/ATLAS " درجة 6، ما يعني أنه يميل إلى الاحتمال الصناعي، لكن مع ترك الباب مفتوحًا لمزيد من البيانات.
نظرية «المركبة الأم»
من بين أكثر أفكار البروفيسور لوب إثارة، تصوره أن "3I/ATLAS" قد يكون "مركبة أم" تطلق مجسات صغيرة نحو الأرض، قائلاً: "من منظور هندسي، قد تطلق المركبة مجسات تقوم بمناورة عكسية (Reverse Oberth Maneuver) قرب الشمس، لتبطئ سرعتها وتدخل في مسار يعترض الأرض"، وهذه الفرضية تتضمن استخدام جاذبية الشمس لتحقيق تغيير في المسار بكفاءة عالية، ما يقلل الحاجة للوقود، بحسب أستاذ العلوم ومدير معهد بيرد في جامعة هارفارد.
سيناريوهات الوصول المحتملة
واستنادًا إلى موقع "3I/ATLAS" خلف الشمس فإن الوصول المتوقع في أكتوبر 2025، ويرى لوب أن الفترة بين 21 نوفمبر و5 ديسمبر 2025 قد تكون نافذة زمنية لوصول أي "مجسات" مفترضة، قائلاً: "قد يأتي ليُنقذنا أو ليدمرنا، وعلينا أن نكون مستعدين لكلا الخيارين".
ردود الفعل المعارضة
ولم يُخفِ عالم الفلك كريس لينتوت من جامعة أكسفورد، سخريته، بقوله: "هذا هراء مرفوع على أعمدة. إهانة للعمل العلمي الجاد الجاري لفهم هذا الجسم".
إمكانية الاعتراض أو الدراسة عن قُرب
وتناولت دراسة من جامعة ميشيغان إمكانية إرسال مسبار لمطاردة "3I/ATLAS"، ووجدت أن الأمر شبه مستحيل لما يتطلبه من سرعات هائلة خلال الانطلاق. كما أشار باحثون إلى إمكانية استخدام مهمات قائمة مثل "OSIRIS-APEX" أو المركبات المدارية حول المريخ لالتقاط صور عالية الدقة أثناء اقترابه.
ويرى لوب، أن الحكومات يجب أن تشكل "فرق طوارئ علمية وسياسية ونفسية" للاستعداد لأي احتمال، مستشهدًا بفكرة "رهان باسكال" الفلسفية: "إذا كان الاحتمال ضئيلاً لكنه ذو تبعات كارثية، فالتحذير واجب حتى لو اتضح أننا مخطئون".
ضآلة المعرفة بالمحيط الكوني
وسواء كان "3I/ATLAS" مذنبًا طبيعيًا أو جسمًا أو مركبة بين نجمية، فإن وجوده يذكرنا بمدى ضآلة معرفتنا بالمحيط الكوني. وبين حذر العلماء وحماس المستكشفين، سيبقى هذا الجرم محور المتابعة والرصد حتى مغادرته حدود النظام الشمسي، وربما بعد ذلك بكثير.
