دراسة: دماغ الإنسان لا يتوقف عن النمو
حسمت دراسة علمية حديثة واحدة من أقدم الجدليات في مجال علم الأعصاب، بإثباتها أن الدماغ البشري قادر على تكوين خلايا عصبية جديدة حتى بعد سن البلوغ، بل حتى في مراحل متقدمة من العمر، لتطوي بذلك صفحة من الشكوك والافتراضات استمرت لما يقارب الستين عامًا.
الدراسة التي أجراها فريق بحثي بقيادة مارتا باترليني من معهد كارولينسكا السويدي، اعتمدت على تقنيات تحليلية متقدمة، أبرزها "تسلسل الحمض النووي الريبوزي" (RNA sequencing)، لرصد ما يزيد على مئة ألف خلية في منطقة الحُصين، وهي البقعة المسؤولة عن الذاكرة داخل الدماغ.
اقرأ أيضًا: دراسة: أوميغا 3 تعزز نتائج التمارين وتحسن صحة القلب والدماغ
أدلة بيولوجية حاسمة
تُعد هذه الدراسة المنشورة في مجلة Science، أول دليل علمي مباشر على وجود ما يُعرف بـ"الخلايا السلفية العصبية" في الدماغ البشري، وهي خلايا قادرة على الانقسام والتحول إلى خلايا عصبية جديدة.
وقد تم التحقق من وجود هذه الخلايا في أمخاخ أطفال توفوا في سن صغيرة، ثم في أمخاخ 19 شخصًا بالغًا تراوحت أعمارهم بين 13 و78 عامًا، تبيّن في معظمها وجود خلايا غير مكتملة النمو، مع تأكيد وجود الخلايا السلفية العصبية.
وما يلفت الانتباه إلى أن أحد البالغين الذين ظهرت لديهما نسب عالية من الخلايا الجديدة كان مصابًا بالصرع، ما أعاد إلى الواجهة فرضيات سابقة تربط بين نشوء الخلايا العصبية وحدوث نوبات صرعية، رغم عدم حسم العلاقة لدى البشر بعد.
وقد بدأ الجدل العلمي حول هذا الموضوع عام 1962، عندما كشفت دراسة أولية عن إمكانية تكوّن خلايا عصبية جديدة لدى بعض الكائنات في مرحلة البلوغ. وتبع ذلك جدل مستمر حول ما إذا كانت هذه الظاهرة تنطبق على الإنسان، خصوصًا أن بعض الدراسات السابقة رصدت خلايا عصبية "غير ناضجة" في أدمغة بشرية، دون القدرة على تحديد ما إذا كانت هذه الخلايا ناتجة عن نمو حديث أم ترسبات قديمة.
من جانبه، قال جيرد كامبرمان، الباحث في جامعة دريسدن الألمانية، إن هذه النتائج تُنهي نقاشًا طويلًا، وتفتح الباب أمام سؤال أكبر: كيف تؤثر هذه الخلايا الجديدة على وظائف الدماغ، من التعلم إلى مقاومة الأمراض العصبية؟
وتدفع هذه النتائج العلماء إلى إعادة تقييم فهمهم لأمراض مثل ألزهايمر والاكتئاب، والتي يُعتقد أن لها صلة بنقص تكوّن الخلايا العصبية. كما تُرجّح بعض الدراسات أن منطقة "البصلة الشمية" في الدماغ قد تكون موضعًا آخر لتكوّن هذه الخلايا.
وبينما لا تزال الأسئلة مفتوحة حول مدى تأثير هذه الظاهرة في المراحل المتقدمة من العمر، تبدو هذه الدراسة نقطة تحوّل في فهمنا لتجدد العقل البشري وقدرته على النمو والتكيف حتى بعد سن الشيخوخة.
