دراسة: الملل يعيد ضبط التوازن النفسي ويخفف التوتر
كشفت دراسة علمية جديدة أن الشعور بالملل لا يرتبط فقط بفقدان التركيز أو انخفاض التحفيز، بل يُنشّط شبكة دماغية تُعرف ب"شبكة الوضع الافتراضي" (Default Mode Network)، وهي المسؤولة عن التفكير الداخلي والاستبطان الذاتي. ويقترح الباحثون القائمون على الدراسة التي نشرت في The Conversation، أن هذه الاستجابة العصبية قد تؤدي إلى فوائد نفسية وعصبية مهمة، خاصة في مواجهة الضغوط المستمرة وأنماط الحياة المزدحمة.
بحسب الباحثين ميشيل كينيدي ودانيال هيرمنز، يبدأ الدماغ في تقليل نشاط شبكتي الانتباه والتحكم التنفيذي عند تراجع التركيز، كما يحدث مثلًا أثناء مشاهدة فيلم ممل. في المقابل، تنشط شبكة "الوضع الافتراضي"، فتتحول طاقة الدماغ إلى التفكير الداخلي.
ويُرافق هذا التحوّل زيادة في نشاط منطقة القشرة الجزيرية المرتبطة بالإحساس الداخلي، ونشاط في اللوزة الدماغية التي تعالج المشاعر السلبية، فيما يحفّز الفص الجبهي الأمامي الرغبة في البحث عن بدائل أكثر تحفيزًا.
يُحذر الباحثون من أن المجتمع المعاصر بات يُنتج مستويات مفرطة من التحفيز، سواء عبر المهام اليومية أو استهلاك المحتوى الرقمي، مما يُبقي الجهاز العصبي في حالة تأهب مستمر. هذا النمط، المعروف بـ"التحميل الفسيولوجي الزائد" (Allostatic Overload)، يؤدي إلى إنهاك الجهاز العصبي السمبثاوي المسؤول عن الاستجابة للضغط، ما يزيد من معدلات القلق والتوتر المزمن.
اقرأ أيضًا: دراسة تكشف: الشعور بسرعة مرور الزمن يرتبط بالرضا والحنين لا بالملل
فوائد بيولوجية ونفسية للملل المؤقت
خلافًا لما هو شائع، يرى الباحثون أن الملل المؤقت له دور تنظيمي مهم على عدة مستويات:
يُعزّز الإبداع وتدفّق الأفكار في حالة غياب المحفزات الخارجية.
يُشجّع على الاستقلال في التفكير وتطوير الاهتمامات الذاتية.
يُساعد على تنظيم المشاعر وبناء الثقة بالنفس، عبر التعرّف على الأحاسيس الداخلية دون تشتيت.
يُعيد توازن الجهاز العصبي من خلال تقليل مدخلات التحفيز الحسي.
توصي الدراسة بضرورة إعادة تقييم الملل لا بوصفه حالة سلبية يجب الهروب منها، بل كـ"فرصة عصبية" لإعادة ضبط الدماغ. وبينما ترتفع معدلات القلق عالميًا، خصوصًا بين الشباب، تدعو النتائج إلى "احتضان التوقّف" كمساحة تسمح "بإعادة شحن الجهاز العصبي، وتنمية الإبداع، وتحسين التنظيم العاطفي.
