دراسة: مع تصاعد تهديدات الذكاء الاصطناعي.. الإبداع يصبح السلاح الأقوى

أظهرت دراسة حديثة نُشرت في دورية Personality and Social Psychology Bulletin تحت عنوان “Poets Over Quants: Automation and AI Threats Increase the Value People Place on Creativity”، أن الموظفين الذين يشعرون بأن الأتمتة والذكاء الاصطناعي يُشكّلان تهديدًا مباشرًا لمستقبلهم المهني، باتوا يُولون اهتمامًا أكبر بالمهارات الإبداعية مقارنة بالمهارات التقنية أو الاجتماعية، وذلك في ظل التحولات المتسارعة التي يشهدها سوق العمل بفعل تطور التكنولوجيا.
أعدّت الدراسة كل من الباحثة مونيكا غاميز-جوكيتش من جامعة بوردو، وآدم ويتز، ومريم كوشاكي، وهدفت إلى فهم كيفية تفاعل الأفراد نفسيًا مع التغيرات التكنولوجية، خاصة فيما يتعلق بالاستعداد المهني.
في الوقت الذي ركزت فيه دراسات سابقة على تحديد الوظائف الأكثر عرضة لخطر الأتمتة، سعى الباحثون في هذه الدراسة إلى فهم كيف يُعيد الأفراد تقييم مهاراتهم الشخصية في ظل تنامي تقنيات قادرة على تقليد الإبداع البشري، بما في ذلك مجالات مثل الرسم، والكتابة، والبرمجة.
بين النقد والتطوير.. أبل تلجأ إلى ChatGPT مضطرة!
كيف يغيّر التهديد تفضيلاتنا المهنية؟
حللت الدراسة ردود أكثر من 2300 مشارك في تسع تجارب منفصلة. وُزّع المشاركون عشوائيًا لقراءة سيناريوهات تتعلق بتهديدات سوق العمل، سواء من الأتمتة، أو المنافسة الأجنبية، أو من دون تهديد محدد. طُلِب منهم بعد ذلك اختيار المهارات التي يرغبون في إبرازها في طلبات التوظيف أو البرامج التدريبية.
النتيجة كانت واضحة: من قرأوا عن تهديدات الأتمتة اختاروا المهارات الإبداعية مثل الابتكار والخيال بنسبة أعلى من المهارات التقنية مثل البرمجة، أو المهارات الاجتماعية مثل التعاون والتفاوض. حتى عندما أُتيح لهم حرية اختيار المهارات دون قائمة مسبقة، استمرت تفضيلاتهم للإبداع في الظهور بقوة.
الإبداع كخيار تدريبي واستثماري مستقبلي

لم يقتصر تأثير الأتمتة على التصورات فحسب، بل امتد إلى السلوك الفعلي. في إحدى الدراسات، فضّل طلاب الهندسة والعلوم الالتحاق بدورات تدريبية في المهارات الإبداعية بدلًا من التقنية بعد التعرّض لمحتوى يُبرز تهديدات الأتمتة.
وفي دراسة أخرى شملت مصممين محترفين، أبدى المشاركون الذين طُرح أمامهم تهديد الذكاء الاصطناعي اهتمامًا أكبر بالدورات التي تعزّز الجانب الإبداعي مقارنة بمن قرأوا عن منافسة العمالة الأجنبية.
حتى في قرارات العمل، أظهر المشاركون ميلاً واضحًا للشركات التي تُشجّع بيئة عمل إبداعية، لا تلك التي تركز على التحليل والمنهجية، وهو ما يدل على أن الذكاء الاصطناعي لا يغيّر فقط طريقة تفكير الناس في مهاراتهم، بل أيضًا اختياراتهم المهنية المستقبلية.
وفي تجربتين أخيرتين، تم اختبار تأثير الذكاء الاصطناعي التوليدي (Generative AI)، مثل قدرته على إنتاج النصوص والصور والموسيقى. وعلى الرغم من قدرة هذه الأنظمة على تقديم محتوى إبداعي، استمر المشاركون في الإشارة إلى إبداعهم البشري باعتباره عنصرًا محوريًا في طلبات التوظيف والسير الذاتية.
وتُبرز هذه النتائج وجود إيمان راسخ بأن الإبداع البشري سيظل يحتفظ بقيمته، حتى في ميادين باتت الآلة تقتحمها.
سناب شات تطلق فئة اشتراك جديدة تحت اسم Lens+... ما الجديد؟
ليست كل المهارات غير القابلة للأتمتة متساوية
ووفقًا لغاميز-جوكيتش، فإن المهارات الاجتماعية مثل التعاون والتواصل لم تلقَ نفس التقدير الذي حظيت به الإبداعية. مما يدل على أن الناس لا يقيّمون فقط ما لا تستطيع الآلة فعله، بل يُدركون ما هو مكمل للتكنولوجيا وذو مستقبل طويل المدى.
رغم قوة النتائج، نبه الباحثون إلى أن معظم المشاركين كانوا من ذوي التعليم الجامعي داخل الولايات المتحدة، واعتمدت التجارب على سيناريوهات افتراضية لا تعكس بالضرورة سلوك التوظيف الواقعي.
ومع ذلك، يقترح الفريق أن فهم هذه التوجهات النفسية يمكن أن يكون أساسًا مهمًا في تصميم السياسات التعليمية والتدريبية لمواكبة التحولات التكنولوجية الكبرى، خاصة مع تصاعد دور الذكاء الاصطناعي في أسواق العمل العالمية.