في مقدمتها تجنب الحماس الزائف.. نصائح تساعدك على الانخراط في العمل

وفقًا لإحصائيات مؤسسة "جالوب Gallup"، فإن مُعدّل الموظفين المنخرطين في أعمالهم لا يتجاوز ثُلث القوى العاملة (32% تقريبًا)، ومن هذه النسبة، يُصرّح 16% بأنهم "غير منخرطين في العمل على الإطلاق".
وأمام هذا الواقع المليء بالمشتتات، يبحث البعض عن المُسكنات، التي تكمن في الحلول الزائفة؛ التي يحصل المرء عليها بالحماسة المؤقتة، والتي بدورها سرعان ما تتبخر.
إذا كان هذا الأمر ينطبق عليك، ونفترض أنه كذلك بدرجةٍ ما كونك اخترت تصفح هذه السطور، فيسرنا أن نستعرض معك مجموعة من النصائح والاستراتيجيات العملية، التي من شأنها أن تُساعدك على الانخراط في العمل، بعيدًا عن وهم الحماس الزائف، لكن بعد أن نُمهد للموضوع بالطريقة التي يستحقها.
لماذا لا يجب أن نعتمد على الحماس؟

ببساطة لأنه مُسكن، ولأنك حتى إذا اعتمدت على الحماس بشكلٍ مؤقت لإيهام مديرك أو زملائك أنك تعمل بجد، فسرعان ما سينطفئ وهجك، ويظهر مستوى شغفك الحقيقي، وذلك لعدة أسباب:
1. الإرهاق النفسي:
إن محاولة إخفاء المشاعر الحقيقية تستهلك قدرًا كبيرًا من الطاقة الذهنية، فتزييف الابتسامة طوال اليوم، أو إبداء اهتمام مُصطنع -على سبيل المثال لا الحصر- يؤدي في نهاية المطاف إلى الشعور بالإنهاك النفسي، وذلك ببساطة لأن الإنسان بطبيعته يحتاج إلى التعبير الصادق عما يشعر به في قرارة نفسه.
2. التأثير على وجودة العمل:
حين تبذل طاقةً هائلة للظهور بمظهر المتحمّس، سيتشتت انتباهك لا ريب، ولن تستطيع تأدية المهام الأساسية التي لأجلها تحاول التظاهر بالحماس أساسًا!
3. صعوبة تزييف الحماس أو الشغف:
ربما تستطيع في البداية، وربما لا تستطيع، لكن الشيء شبه المؤكد أن تزييف الشغف غالبًا ما يكون واضحًا للزملاء والمديرين مع مرور الوقت، حيث يلاحظون الفجوة بين الكلمات المتحفزة التي تقولها، والأفعال الواقعية التي يصعب أن تكون على نفس المستوى ما دام الشغف ليس حقيقيًا. ويُزعزع هذا الأمر الثقة في مصداقيتك، وقد ينعكس سلبًا عليك بمرور الوقت.
لماذا يجب أن تنخرط وظيفيًا؟

مبدئيًا، يُعرف الانخراط الوظيفي بأنه الحالة التي يشعر فيها الموظف بالشغف والتركيز في العمل، وتتجاوز هذه الحالة مجرد تأدية الأشياء المطلوبة منه، بل تأديتها بإتقانٍ وجودة عاليين، وهذا له فوائد على الفرد نفسه، وطبعًا على المؤسسة التي ينتمي إليها، مثل:
1. زيادة الإنتاجية.
2. انخفاض معدل دوران العمالة (فحينما يشعر الفرد بقيمته، تقل لديه الرغبة في البحث عن وظيفة أخرى).
3. تعزيز روح الفريق.
4. زيادة فرص التطور والترقي الوظيفي.
5. التوازن النفسي (عندما تمتلك حافزًا داخليًا للعمل، تنخفض مشاعر التوتر والضغط تلقائيًا).
اقرأ أيضًا: العمل التعاوني لزيادة الأرباح: أهم الفوائد والمهارات التي تحتاج إلى معرفتها
معوقات الانخراط في العمل

للأسف الشديد، هناك الكثير من المعوقات التي تحول دون الانخراط والتركيز في العمل، وهذا شيء بديهي كوننا في عصر المُلهيات، وبمعرفة العوائق الآتية، سيسهل عليك تطبيق الاستراتيجيات التي سنتحدث عنها بعد قليل:
1. الرتابة والملل من المهام المتكررة:
معظمنا يفعل الشيء نفسه في العمل كل يوم، وهذه مشكلة، إذ كلما كانت المهام اليومية تتسم بالتكرار، ولا تتطلب استخدام مهارات جديدة أو تشغيل العقل بشكلٍ ما، فإن الموظف سيشعر بالملل، الذي سرعان ما سيفصله عن مهامه.
2. ضعف التقدير أو انعدامه:
دون أن يجد الموظف التقدير الذي يستحقه، ومن الأشخاص الذين ينتظر منهم هذا التقدير في العمل، سيكون من الصعب أن يعمل بجد، وسيتولد لديه إحساس باللامبالاة التي تُعد العدو اللدود للانخراط في العمل.
3. الاحتراق الوظيفي:
تحدثنا عن الاحتراق الوظيفي في بضع تقارير سابقة، لكن لمن لم يعرف هذه المصطلح من قبل، فإنه يصف تلك الحالة من الإرهاق العقلي والجسدي الناتج عن الضغوطات المستمرة في بيئة العمل، والتي تؤثر بالطبع على الانخراط الوظيفي.
4. عدم وضوح المسار المهني:
إذا لم تكن تعرف ما الذي تريده من الوظيفة؟ وإلى أين يمكنك أن تصل؟ فهذه دلالة واضحة على أنك لن تنخرط في العمل عاجلًا أم آجلًا، فانعدام الرؤية يعني فقدان الشغف.
وهناك عدد من الأسباب الأخرى مثل "التنوع العصبي" على سبيل المثال، ويمكننا القول إن هذا السبب طبي نوعًا ما، حيث يشير إلى الأشخاص الذين يعمل دماغهم بطريقة مختلفة عن البقية، لكننا لن نتحدث عن مثل هذه الأسباب لأنها تخصصية جدًا، بينما نتناول الأسباب العامة التي تنطبق على الغالبية.
اقرأ أيضًا: يؤثر على الأداء والإنتاجية.. كيف تتعامل مع "اكتئاب الموظفين" في بيئة العمل؟
نصائح عملية للانخراط الوظيفي

نأتي الآن للجانب الأهم، وفيه نتحدث عن عدة نصائح عملية قابلة للتطبيق، لتحسين درجة انخراطك في العمل، بعيدًا عن وهم الحماس الزائف، ومنها:
1. تبني استراتيجية "الانخراط الانتقائي":
لا تحتم علينا الطبيعة البشرية أن نكون متحمسين طوال الوقت، فأنت غيرُ مُلزمٍ بأن تعشق كل جانب في وظيفتك، خاصةً إن كانت بعض المهام روتينية أو مملة.
جرّب أن تتناول جانبًا مُعينًا في وظيفتك، وتستمتع به حقًا دون أن تُزيّف شعورك بالملل من المهام التي تستدعي الملل فعلًا؛ ولا ضير في ذلك إطلاقًا، وهذا ما يُقصد به "الانخراط الانتقائي Selective engagement".
2. لا تُزيّف الحماس:
من الطبيعي ألا تكون مُحبًا لعملك بنسبة 100%، خاصةً مع الظروف الاقتصادية ووتيرة الحياة المتسارعة، التي تفرض علينا أحيانًا أن نكون ماكينات تعمل بدون توقف، لكن في الوقت نفسه، من حق المؤسسة التي تنتمي إليها أن تحصل على أفضل نسخة منك؛ على الأقل النسخة التي تتبسم وتتفاءل أمام الآخرين، لئلا تخيّم السلبية على المكان.
وللوصول لهذه الدرجة من التوازن، حاول أن تكون واعيًا بالتأثير الذي تتركه على زملائك، فإذا كنت تشعر أنك لست متحمسًا، حاول أن تتذكر الدافع الذي تعمل لأجله، أو توجد لنفسك دافعًا.
3. أعد النظر في وظيفتك:
هل أنت راضٍ عن وظيفتك وعن المكان الذي تنتمي إليه ومن المفترض أن تُعطيه كامل طاقتك الآن؟
إذا كان الجواب بنعم، فإن عدم انخراطك في العمل يرجع إلى سببٍ آخر، أما إذا كان الجواب بلا، فيجب أن تُقيم وظيفتك وتفهم نوعية المهام التي تُفضلها وتميل إليها، إلى جانب طبيعة الإدارة التي تناسبك.
وإذا كنت تستطيع التعامل مع هذه الأمور بشكلٍ أو بآخر، فافعل ذلك فورًا، عدا ذلك فكر في الرحيل إذا كان أمامك بديلٌ أو أكثر.
4. انس أمر الحماس:
إذا أردنا أن نضع تعريفًا للحماس في هذا السياق، فسنجد أنه الشغف بشيء ما والاستمتاع به لدرجةٍ كبيرة، وإذا فكرنا في الأمر سنجد أن هذه الحالة قد تكون رفاهية في كثيرٍ من الأحيان، وأن المهام التي لدينا من الممكن أن تُنجَز، وبدرجةٍ متقنة، بدون أن نكون شغوفين بها.
حاول أن تُفكر في الأمر بهذه الطريقة في كل مرة تنطفئ فيها شعلتك، ومن الوارد أن تعمل بجد أكبر.
5. ساعد الآخرين قدر المستطاع:
بدلاً من التركيز على أن تكون شغوفًا بعملك، حاول أن تكون الشخص الذي يلجأ الجميع لحلوله دائمًا، فعندما تكون هذا الشخص، سيتحول تركيز الآخرين، بما فيهم المدير، من مشاعرك إلى مهاراتك الفعلية التي تضيفها، وحينها قد تجد أنت قيمةً مختلفة تُعطيك الحماس الذي كنت تبحث عنه في المكان الخاطئ.
6. افصل مشاعرك عن العمل:
قدر المستطاع بالطبع، لأن لا أحد يستطيع التحكم بمشاعره بشكلٍ كامل، والفكرة أنك إذا شعرت بالإحباط أو التوتر لأي سببٍ كان، فهذا بالتأكيد سيؤثر على حياتك المهنية (بجانب التأثير على حياتك الشخصية).
والحل في مثل هذه الحالة أن تضع حدودًا واضحة في العمل، تفصل بينه وبين مشاعرك، بتحديد مواعيد عمل ثابتة، وأخذ فترات راحة حتى تسترد نشاطك، ولا تقل "نعم" على كل وأي شيء، وقيّد وقت التواصل بالإيميلات والرسائل.
7. رتّب أولوياتك:
هذه النصيحة الأخيرة ليست رفاهية؛ إذ يجب أن تُرتب أولوياتك في العمل، وتقيم كل مهمة حسب الوقت والمجهود اللازم لإنجازها.
ركز على المواعيد النهائية والتأثير، وضع خطط المهام حسب كمية الجهد المطلوب، ولا تجعل قائمة المهام طويلة أبدًا، لئلا تشعر بالضغط؛ 3 إلى 5 مهمات هو رقمٌ أكثر من ممتاز.
وفي النهاية، تذكر أن عملك هو تجربة مشتركة بينك وبين صاحب العمل، ولكي يتحقق الانخراط الوظيفي الحقيقي، يجب أن تفهم ذاتك وأهدافك، وفي الوقت نفسه يجب أن تتبنى الإدارة رؤى بعيدة المدى، تراعي الصحة النفسية والابتكار لموظفيها.
فركّز على ما تستطيع فعله، واعلم أن الشغف والحماس هي مصطلحات رنانة، هدفها تحفيزك مؤقتًا وليس استدامة عملك.