العمل التعاوني لزيادة الأرباح: أهم الفوائد والمهارات التي تحتاج إلى معرفتها

مع تفشي جائحة كورونا والتحول المفاجئ للعمل من المنزل، لم يكن التأثير مقتصرًا على فقدان التفاعل الاجتماعي والروتين اليومي فحسب، بل امتد ليشمل انخفاض مستوى التعاون المشترك بين الموظفين في العديد من القطاعات، وهذا التغيير أثر بشكل ملحوظ على ديناميكيات العمل وأسلوب إنجاز المهام بشكل جماعي.
ورغم ذلك، لا يُمكن إنكار كيف ساعدتنا أدوات التواصل الرقمية على البقاء متصلين، وحافظت على استمرارية أعمالنا إلى حدٍ مُعتبر، ولكننا أيضًا لا نستطيع أن نُنكر مدى انخفاض مستوى تعاوننا، ولهذا السبب، ولتحقيق أقصى فائدة ممكنة من هاتين الطريقتين من العمل، تتبنى الشركات نماذج أعمال هجينة ومرنة جدًا.
ولكن السؤال الذي يجب طرحه هنا: ما علاقة العمل التعاوني بتحسين الأداء المالي؟ وما فوائده للشركات بشكلٍ عام؟ وإذا كان مُفيدًا، فما المهارات اللازمة له؟ وما أفضل الأدوات التي يمكننا الاعتماد عليها في هذا الخصوص؟
فوائد العمل التعاوني للشركات

يحقق العمل التعاوني العديد من الفوائد للشركات، ومنها:
1. زيادة العائد:
وفقًا لبيانات شركة Frost & Sullivan، فإن العمل الجماعي والتعاون بين أعضاء الفريق، يمكن أن يزيد مبيعات الشركة بنسبة 27%، ويُحسن من تقييمات العملاء بنسبة 41%، وذلك نظرًا لتعزيز جودة المنتج نفسه بنسبة 34%، ولكن كيف؟
الجواب: عندما يجتمع الأفراد في مكانٍ واحد، فإنهم يتمكنون من الرد على الأسئلة بشكلٍ سريع، كما أنهم يتبادلون الأفكار، ويستمعون إلى وجهات النظر المختلفة، وطبعًا يحصلون على تغذيةٍ راجعة أو "فيدباك" فوريّ، وبالتالي يصبحون أكثر قدرة على تحدي بعضهم، والوصول إلى أفضل حل للمشكلة بشكلٍ سريع.
2. تخطي فترات الركود:
خلال فترات عدم الاستقرار الاقتصادي، تتجه العديد من الشركات إلى خفض التكاليف قدر المستطاع، ظنًا منها أن هذا هو الحل الوحيد لتخطي فترات الركود والأزمات الصعبة عمومًا، ولكن في الواقع، يكمن الحل في تعزيز التعاون وتشكيل فرق متعددة الوظائف تعمل بتنسيق أكبر.
السبب في ذلك ببساطة، لأن الفرق التي تعمل معًا تتشارك المعرفة بشكلٍ أفضل، وبالتالي تحل المشكلات بشكلٍ أسرع، ومن ثَم تواجه الركود الاقتصادي جزئيًا أو كليًا، ووفقًا لأبحاثٍ نشرتها Harvard Business Review، فإن التعاون يزيد من الأداء التجاري، ولقد شهدت الشركات ذات الفرق الأكثر تعاونًا نموًا ملحوظًا خلال أزمة عام 2008 الشهيرة.
3. الخروج بأفكارٍ إبداعية:
هل تعرف أن أعظم الاختراعات في التاريخ، مثل الطائرات، لم تكن لتظهر لولا أشخاص أيقنوا أن بإمكانهم إبداع شيء مميز خلال العمل المشترك؟ هل تعلم أن الشركات التي تُعطي الأولوية للتعاون المباشر في مكان العمل تكون أكثر ابتكارًا بنسبة 30%، وأكثر إنتاجية بنسبة 36%، مقارنةً بتلك التي لا تفعل ذلك؟ نعم، فالتعاون داخل مقر العمل يُلهم الموظفين للخروج بأفكارٍ إبداعية، وبالتالي يُعزز من فرص ريادتهم في السوق.
اقرأ أيضًا: قبل وقفه عن العمل.. كيف تتعامل مع الموظف السيكوباتي؟
4. تعزيز الانتماء للشركة:
يُعتبر التعاون مُحفزًا أساسيًا لشعور الموظفين بالانتماء لشركاتهم أو مؤسساتهم، فعندما يشعر الموظفون بأنهم قادرون على التعبير عن آرائهم، ومشاركة أفكارهم بحرية، فإنهم يميلون إلى الشعور بالتقدير للمؤسسة، وبالتالي بذل قصارى جهدهم لجعلها تنجح.
5. تقليل معدلات دوران الموظفين:
يُشير معدل دوران الموظفين، أو "Employee Turnover"، إلى النسبة التي يتم من خلالها استبدال الموظفين في الشركة خلال فترة زمنية معينة، ويُحسب هذا المعدل عبر تقسيم عدد الموظفين الذين غادروا الشركة، سواء بالاستقالة أو الفصل، على العدد الكلي للموظفين في الفترة نفسها، وعادةً يُعبَّر عنه كنسبة مئوية، وعمومًا يُقلل التعاون في بيئات العمل من معدل دوران الموظفين بنسبة تصل إلى 50%.
ما مهارات العمل التعاوني؟

هناك عديد المهارات التي يمكنك كصاحب عمل أو مدير تعزيزها، لمساعدة أعضاء الفريق على بناء وتطوير قدراتهم التعاونية، على سبيل المثال:
1. الانفتاح الفكري:
هو القدرة على تقبل الأفكار والآراء التي تختلف عن آرائك الشخصية، فعندما يجتمع الفريق لحل مشكلة ما، من الطبيعي ألا يتشارك الجميع الأفكار أو الرؤى نفسها، وهذا شيء إيجابيّ، حيث إن تنوع الأفكار يُمَكن من الوصول إلى حلولٍ جديدة ومبتكرة، قد تؤدي بدورها إلى نموٍ كبير للشركة، مثال على ذلك: شركة Apple وتوصل "ستيف جوبز" وفريقه إلى القرار الجريء المتمثل في جهاز الآيفون، الذي لم يكن ليظهر لولا تقبل الأفكار الجديدة.
2. التواصل:
يُعد التواصل من النتائج الطبيعية للعمل التعاوني، والتواصل الفعال تحديدًا يعتبر من السمات الأساسية في بيئة العمل، خاصة عندما يكون العمل عن بُعد، وعلى النقيض، يؤدي نقص التواصل الفعال إلى تكوين مجموعات منفصلة تعيق التعاون وتقلل الإنتاجية، وعمومًا، يُظهر بحثٌ أجرته شركة Grammarly، بالتعاون مع Harris Poll، أن التواصل غير الفعال يُكلف الشركات الأمريكية 1.2 تريليون دولار كل عام.
3. الاستماع النشط:
لا يُصنف المستمع على أنه مستمعٌ جيد إذا كان ما يفعله يقتصر على مجرد سماع الآخرين، ويتطلب الاستماع الجيد إلى جهدٍ ووعي لفهم وجهات النظر المختلفة، فعندما يشعر الموظفون بأن آراءهم غير مسموعة، فإنهم بذلك قد يتوقفون عن محاولة التواصل، مما يُضعف التعاون ويؤدي إلى توتر العلاقات في بيئة العمل، لذلك، نرى الشركات الحديثة تُعين ما يُسمى بـ"مديري تجربة الموظفين Employee Experience Managers"، الذين يتميزون بالقدرة على الاستماع النشط.
4. التنظيم:
يعتبر التنظيم من أهم المهارات التي يجب امتلاكها، خاصةً بعد أن أصبح العمل الهجين والعمل عن بُعد أمرًا طبيعيًا، حيث إن القدرة على تخطيط وتنظيم جدولًا زمنيًا خاصًا بك، فضلًا عن تفويض المهام للآخرين، لا تتيح مكان عملٍ تعاونيّ فحسب، بل تضمن أيضًا إنجاز الأمور بكفاءة وإنتاجية، وعلى الجانب الآخر، عندما يُهمل الموظفون أعمالهم ويفوتون المواعيد النهائية، فإن سير العمل والمشاريع بأكملها تتباطأ؛ الأمر الذي يؤدي إلى إحباط أعضاء الفريق الآخرين وتأخيرهم، ووضعهم في مواقف حرجة لا ذنب لهم فيها.
اقرأ أيضًا: أنواع المهارات الإدارية وأهميتها في بيئات العمل المختلفة
5. التكيف:
في أحيانٍ كثيرة، لا تسير المشاريع بالطريقة التي نريدها؛ الأولويات تتغير، والتمويل يتأخر أو ينفد، والموظفون يتركون العمل أو يُطردون، والقدرة على التكيف في أي لحظة تُمكنك من تخطي هذه الأزمات وغيرها من الأزمات المشابهة بسهولة، ولعل الشركات التي أظهرت قدرة على التكيف خلال السنوات القليلة الماضية، التي حدث فيها وباءٌ عالمي، وظهر فيها الذكاء الاصطناعي، وزادت نسب العمل عن بُعد، شهدت زيادة في الإيرادات بنسبة 28%، مقارنةً بتلك التي ظلت متمسكة بطرقها القديمة.
ما هي أفضل الأدوات لتنظيم العمل التعاوني؟
هناك العديد من الأدوات التي ستساعدك في خطوات تنفيذ التعاون بين الفرق لزيادة الإنتاجية، على سبيل المثال، أدوات العصف الذهني المتمثلة في منصات مثل Mrio وFigJam وغيرهما، فهذه الأدوات تسمح للمشاركين بإضافة أفكارهم ومساهماتهم، مما يعزز من التعاون ويزيد من فرص الإنتاجية.
هناك أيضًا ما يُسمى بأدوات تعزيز مشاركة الموظفين، وهي أدوات تُسهل من عملية التواصل بينهم، سواء عن بُعد أو في الواقع مثل Simpplr وCulture Amp.
وأخيرًا وليس آخرًا، هناك حلول الفيديو وأنظمة مشاركة الملفات، وغيرهما الكثير من الأدوات التقنية، وغير التقنية مثل اللوحات العادية، التي يمكنك استخدامها لتعزيز وتنظيم العمل التعاوني.
ما التحديات التي تواجه العمل التعاوني؟

لا يُمكن للعمل التعاوني، كأي شيء مفيد آخر، أن يُقدم هذه الفائدة بلا مقابل، حيث يواجه العديد من التحديات نتناول أبرزها أدناه:
1. اختلاف أساليب العمل:
لا يوجد شخصان متطابقان تمامًا، فقد تُفضل العمل منفردًا، في حين يُفضل زميلك في نفس الشركة أو المؤسسة أن يعمل ضمن مجموعات، وهذا الاختلاف صحيّ وطبيعي جدًا، ولكنه لا يُصبح كذلك عندما تحاول الشركة أن تفرض العمل التعاوني، حيث تتصادم الأيدولوجيات، مما يؤدي في النهاية إلى نزاعات كبيرة، ووفق تقريرٍ إحصائي، فإن 33% من المشاريع تفشل بسبب نقص مشاركة الفريق بأكمله، إذا كانت الفِرق غير واضحة في الآلية التي تعمل بها، فالنجاح يكون غير مرجحٍ.
2. البعد الجسدي:
اليوم، تعمل نسبةٌ ليست بقليلة من الموظفين عن بعد، ووفقًا لتقريرٍ صادر عن مؤسسة "جالوب"، فإن 43% من العاملين في الولايات المتحدة قضوا جزءًا من وقتهم في العمل عن بُعد خلال عام 2022، على الرغم من تقدم التكنولوجيا وتمكينها للعمل عن بعد بشكلٍ كبير، فإن المشكلة تكمن في أن الفرق تعمل بشكل أفضل عندما يكون الأعضاء على مقربة جسدية من بعضهم البعض، إذن فهذه المشكلة تواجه الذين يعملون عن بُعد تحديدًا، وبحسب التقارير فهم يُشكلون نسبةً لا يُستهان بها.
3. بناء الثقة:
على الورق، من السهل أن تبني الثقة، ولكن على أرض الواقع، الأمر أصعب مما تظن، ففكرة أن تأتي بعددٍ من الأشخاص من خلفيات وآراء مختلفة وتجعلهم يثقون ببعضهم سريعًا هي فكرةٌ واهية، على الأقل في الكثير من الحالات، لهذا السبب نقول إن بناء الثقة من التحديات التي تواجه العمل التعاوني.
4. التواصل:
وفقًا لمجلة Harvard Business Review، يقضي المديرون اليوم، ما يصل إلى 85% من أوقاتهم في استخدام أدوات التعاون، والبريد الإلكتروني، والاجتماعات، والمكالمات الهاتفية بزيادة تصل إلى 50% خلال عشر سنوات، وللنجاح في عالم اليوم الديناميكي، وخلق بيئة عمل تعاونية قوية، عليك أن تجعل فريقك يُتقن فن التواصل، عن طريق تعزيز ثقافة التواصل المفتوح أو أي وسيلة أخرى تفضلها.
وبشكل عام، إذا طبقت آليةً للعمل التعاوني في مؤسستك أو شركتك، ستزداد الأرباح تلقائيًا، ولكن عليك أن تعلم أن الأمر يتطلب استراتيجية فعالة ودراسة مُحكمة، حتى يُصبح كل فردٍ أكثر قدرة على المساهمة والإبداع، وبالتالي زيادة الأرباح مع مرور الوقت.