رهاب المال: كيف يؤثر الخوف غير المألوف من المال في حياتك؟

شخص لا ينفق المال، وربّما يحرم نفسه من الضروريات أو الكماليات، ليس بُخلًا، ولكن خوفًا من المال أو إنفاقه، وقد يتمادى كثيرًا ويتحاشى التفكير في المال أو التحدّث عنه حتى!
صحيحٌ أنّ المال لا غنى عنه لأي إنسانٍ في حياته اليومية، لكن البعض قد يُعانِي رهابًا نادرًا يسمى "رهاب المال"، وهو خوف مرضيّ، يجعل هؤلاء يتعاملون مع المال بطريقةٍ غير صحيحة، وقد يؤثر ذلك بصورة كبيرة في أمورهم المالية ومعيشتهم اليومية، فما أسباب ذلك الخوف غير المألوف؟ وكيف يمكن التغلب عليه؟
ما هي عقدة المال؟
"رهاب المال"، نوع من الرهاب غير الشائع، وقد يتمثّل بالنسبة لبعض الأشخاص في الخوف من إنفاق الأموال، أو الخوف من المال عمومًا، بينما قد يخاف آخرون من العملات المعدنية أو النقود الورقية، فأشكال هذا الرهاب متباينة، لكنّها قد تؤدي إلى مشكلات مالية خطيرة في الحياة اليومية.
علامات الخوف المرضي من المال
قد يعانِي المُصاب بـ"الخوف المرضي من المال" قلقًا بالغًا في المواقف التي يضطر فيها إلى إنفاق المال، كما قد يتجنّب حضور التجمّعات العائلية حين يتعلّق الأمر بالمال، أو لا يخرج مع أصدقائه إذا كانوا سيشاركون في نشاطٍ يتطلّب المال، ليس البخل بل "الخوف المرضي" أو "رهاب المال".
كما تشمل علامات الخوف المرضي من المال أيضًا:
- القلق أو نوبات الهلع عند التفكير في إنفاق الأموال، أو عند القيام بذلك فعليًا.
- الميل إلى تجنُّب إنفاق الأموال قدر الإمكان.
- عد الأموال مرارًا وتكرارًا للاطمئنان، فقد يشعر المصاب بالراحة عند التأكّد من أن أمواله موجودة وبكمياتٍ كافية.
- الخوف الشديد من لمس الأموال أو التحدّث عنها أو حتى التفكير فيها!
- رفض فتح أي بريد متعلّق بالمال، مثل الكشوف المصرفية، أو رفض التحقّق من حسابه المصرفي.
- تجنُّب لمس بطاقات الائتمان.
- حرمان النفس من الضروريات والكماليات، حتى لو كان قادرًا على تحمُّل تكاليفها.
- تراكُم الديون بسبب عدم الرغبة في دفع الفواتير.
وعمومًا تختلف علامات الخوف المرضي من المال من شخصٍ لآخر، لكنّ عديدًا من المُصابِين بهذا الخوف، يميلون إلى تجنّب إنفاق المال أو تجنّب لمس الأموال أو البطاقات الائتمانية أصلًا.
لماذا يعاني البعض رهاب النقود؟
كثيرةٌ هي العوامل التي قد تُسهِم في الخوف المرضي من المال، ومع ذلك يُعتقَد أنّ السبب هو مزيج من العوامل النفسية والبيئية معًا، وعمومًا تضمّ الأسباب المحتملة للخوف المرضي من المال:
1. التعرّض لصدمةٍ مالية:
قد يؤدي التعرّض لصدمة مالية إلى الخوف المرضي من المال؛ خاصةً مع صعوبة التأقلم مع خسارة مفاجئة للمال أو ضغوطٍ مالية مزمنة؛ إذ يتعامل المرء مع تحدّيات مختلفة في مثل هذه الأوقات.
كما قد يصير المرء أشدّ حذرًا بشأن أمواله، أو يتجنّبها تمامًا عندما يتعرّض لحدثٍ كبيرٍ يؤثر في شؤونه المالية، مثل فقدان الوظيفة أو الانفصال الزوجي أو غير ذلك.
اقرأ أيضًا:رهاب الإخفاق: عندما يكون الخوف من ارتكاب الأخطاء محور حياتك
2. عوامل وراثية:
الخوف المرضي من المال نوع من أنواع الرهاب، وقد يكون للعوامل الوراثية دور في المعاناة من هذا النوع من الرهاب، وإن كانت وحدها سببًا غير كافٍ، خاصةً لمن سبقت إصابة أحد أفراد أسرهم بالرهاب عمومًا.
3. عوامل نفسية:

قد يكون الخوف المرضي من المال نابعًا عن عوامل نفسية أعمق، وليس خوفًا من المال بحدّ ذاته، مثل خوف الإنسان من فقدان السيطرة على حياته، إذ يمثّل فقدان المال بالنسبة له فقدان السيطرة على الأمور المهمة في حياته، كالاستقرار المالي.
كذلك قد يكون الخوف من المجهول في المستقبل، كالخوف من احتمال المعاناة من الفقر أو عدم تلبية الاحتياجات الأساسية سببًا وراء الخوف المرضي من المال، وربّما يكون الخوف من التغيير عمومًا، الذي لا تخلو منه الحياة، كالخوف من تغيّر الوظيفة أو تغيّر مكان السكن أو غير ذلك.
4. عوامل اجتماعية:
قد يكون للعوامل الاجتماعية دورًا في الخوف المرضي من المال، خاصةً إذا نشأ الشخص في عائلةٍ تُعانِي قلقًا ماليًا دائمًا، فقد يتطوّر لديه هذا السلوك أيضًا.
كلك قد يكون القلق من حدوث أزمة اقتصادية كُبرى، كالركود الاقتصادي، أو الأزمات الاقتصادية المحلية سببًا كافيًا لزيادة القلق المالي، وربّما المعاناة من الخوف المرضي من المال، خاصةً إذا عاش المرء خلال فترة من عدم الاستقرار الاقتصادي.
5. ضعف الثقافة المالية:
ربّما يكون رهاب المال ناجمًا عن عدم امتلاك الشخص معلومات كافية أو فهمًا صحيحًا لكيفية إدارة أمواله، بما يشمل معرفة كيفية التخطيط المالي أو الادخار أو الاستثمار، أو حتى كيفية التعامل مع الديون، ومِنْ ثمّ فقد يتخذ قرارات مالية سيئة تؤثر سلبًا في وضعه المالي، ما يؤدي إلى الشعور بالقلق أو عدم الارتياح بشأن إنفاق الأموال.
كيف يؤثر رهاب النقود في الحياة المهنية؟
قد يؤثر رهاب المال أو الخوف المرضي من المال سلبًا في حياة المرء المهنية، فقد يتجنّب طلب زيادة في الراتب، بسبب خوفه من المال، حتى إذا كان يستحق تلك الزيادة، ومِنْ ثَمّ فقد لا يستفيد من الفرص المتاحة لتحسين وضعه المالي، بالإضافة إلى عدم تقدير قيمته الذاتية.
هل يحتاج الخوف المرضي من المال إلى علاج؟
نظرًا لتأثير الخوف المرضي من المال على الأمور المالية والحياة اليومية للمرء، فقد تكون هناك حاجة إلى علاجٍ بالفعل، خاصةً مع عدم قدرة المصاب السيطرة على ذلك القلق أو الخوف بشأن المال، وفيما يلي أهم طرق العلاج:
1. العلاج المعرفي السلوكي:
وسيلة رئيسة لعلاج أغلب أنواع الرهاب، ويعتمد هذا العلاج على مساعدة الشخص في التعرّف على الأفكار والسلوكيات التي يسبّبها الخوف المرضي من المال، وتعلّم طرق جديدة للتفكير والسلوك، لمواجهة ذلك الخوف والتعامل مع المال بطريقةٍ صحيحة.
2. العلاج بالتعرُّض:
أحد أنواع العلاج المعرفي السلوكي، ويهدف إلى مساعدة الشخص على مواجهة مخاوفه، لكن في بيئة آمنة، وذلك بتعريضه تدريجيًا للمواقف التي يخاف منها، ومساعدته على تطوير مهارات التأقلم التي يحتاج إليها للتعامل مع تلك المخاوف.
3. العلاج بالتنويم المغناطيسي السريري:

يتضمّن مزيجًا من تقنيات الاسترخاء الموجّهة والانتباه المُركّز، إذ يهدف هذا النوع من العلاج إلى تقليل استجابات التوتر والقلق، حيث يكون المرء في حالة استرخاء عميق خلال الجلسات، وفي أثناء مناقشة الرهاب والأمور التي تحفّز ذلك الخوف.
ويناقش المعالِج السبب الجذري لخوف المصاب من إنفاق الأموال، وأيّ أنماطٍ فكرية وذكريات ومشاعر وسلوكيات سلبية تُسهِم في هذا الرهاب؛ إذ يهدف العلاج بالتنويم المغناطيسي إلى إعادة صياغة الأفكار السلبية والذكريات والمشاعر، وتغيير تصوّرك لإنفاق الأموال، كما سيتعلّم أيضًا استراتيجيات للاسترخاء، مثل تقنيات التنفّس العميق، لمساعدته على تقليل الأعراض في المستقبل.
اقرأ أيضًا:"تشوه إدراك المال": كيف تُشعل المقارنات شعورك بعدم الكفاية؟
4. العلاج الدوائي:
قد لا تكون الأدوية من الخيارات الشائعة لعلاج الرهاب، ومع ذلك فقد تكون جزءًا من خطة العلاج، إلى جانب الطرق العلاجية الأخرى، أو للتغلب على مشكلات نفسية أخرى إلى جانب رهاب المال، مثل الوسواس القهري أو القلق أو الاكتئاب.
كيف أتخلص من التفكير في المال؟
إذا كُنت تُعانِي خوفًا مرضيًا من المال، وتحاوِل أن تتجنّب المعاملات المالية باستمرار، فهذا يعني أنّك تواجِه مشكلات لا حصر لها في حياتك اليومية غالبًا، وقد تساعدك النصائح التالية في التغلّب على هذا الخوف، والتعامل مع المال بطريقةٍ صحية:
1. اشغل نفسك بأمور أخرى:
قد يكون من الصعب التركيز على أي أمرٍ آخر سوى المال، لذا فقد يكون مفيدًا إلهاء نفسك عن التفكير في هذا الأمر، والتغلّب على القلق والمشاعر السلبية المرتبطة بالمال، ومن ثم يمكنك القيام بأنشطة أخرى لإبعاد تفكيرك عن المال، كالمشي في الطبيعة أو القراءة أو التحدّث إلى صديق أو غير ذلك.
2. ضع ميزانية:

ما دام أنّ التفكير في المال يُسبِّب لك قلقًا بالغًا، فينبغي أن تُفسِح بعض الوقت لتتمكن من وضع ميزانية لنفسك، تستطيع من خلالها معرفة أين تذهب أموالك بالضبط كل شهر، فهذا سيساعدك على الشعور بمزيدٍ من التحكّم في إنفاقك، وتقليل الخوف من الأمور المالية.
3. تقنيات الاسترخاء:
قد تساعدك تقنيات الاسترخاء على التركيز على أمورٍ أخرى غير المال الذي يُقلِقك، فعندما يجتاحك القلق أو تشعر بتوترٍ، يمكنك تجربة عديد من تقنيات الاسترخاء، مثل التنفّس العميق، الذي سيساعدك على الهدوء والاسترخاء، دون قلقٍ بشأن المال.