مهارات التفاوض على الراتب.. استراتيجيات فعّالة لتعزيز فرصك

يُعد التفاوض على الراتب من أكثر المهارات المهمة التي يجب أن تمتلكها، إذ تؤثر بشكلٍ كبير على مسارك المالي ودرجة رضاك الوظيفي، ومع ذلك، يرى العديد من الموظفين أنها مهمةٌ شاقة.
بحسب دراسة نشرت عام 2009 في "مجلة السلوك التنظيمي Journal of Organizational Behavior"، فإن الأشخاص الذين تفاوضوا على رواتبهم حصلوا على متوسط زيادة قدرها 5000 دولار تقريبًا مُقارنةً بالعرض الأصلي، ولئلا تفوتك فرصة كهذه، سنتحدث في السطور التالية حول استراتيجيات أو تقنيات التفاوض في تحسين الرواتب، والآلية المُثلى لذلك.
مهارات التفاوض على الراتب

تكشف لنا الدراسة السابقة، وغيرها الكثير من الدراسات والاستطلاعات الأخرى المشابهة أهمية مهارات التفاوض على الراتب، وسنبدأ رحلتنا هنا بالتطرق إلى سُبل اكتساب هذه المهارات، باستعراض استراتيجيات التفاوض على الراتب أولًا، ثم سنمر على كيفية تحديد القيمة السوقية للرواتب، وكيف نتفاوض على الراتب في خطوات عملية، وأخيرًا نشاركك بعض الأسئلة التي يجب توجيهها أثناء التفاوض على الراتب.
استراتيجيات التفاوض على الراتب
1. ابحث عن متوسط راتب الوظيفة:
لعلها الاستراتيجية الأهم والورقة الرابحة في جميع الوظائف تقريبًا، لماذا؟
لأنها الأكثر إقناعًا ببساطة، فمعرفتك لمتوسط راتب الوظيفة المُستهدفة يدعم موقفك التفاوضي، ويساعدك بنسبةٍ كبيرة جدًا على حسم الصفقة إن جاز التعبير، فعندما تُخبر مسؤول التوظيف أو مدير الموارد البشرية بأن متوسط الرواتب في هذه الوظيفة هو كذا، سيكون من شبه المستحيل أن يُجحفك حقك، إلا إذا كان غير احترافي، لذا، ادرس السوق جيدًا، وفي المرة القادمة التي تُسأل فيها عن الراتب المتوقع قُل الرقم الذي تراه مناسبًا حسب خبراتك، وحسب مكانة الوظيفة في السوق.
2. جهز مبرراتك:
سواء كنت تتقدم للوظيفة لأول مرة، أو تسعى لزيادة الراتب، حاول أن تكون مُتسلحًا ببعض الحجج والمبررات المُقنعة، ركز على شقين: السوق كما أشرنا في النقطة الأولى، ونفسك.
أما السوق، فمن المفترض ألا يقل راتبك عن المتوسط فيه، ونعتقد أنك لا تريد ذلك، وأما نفسك فيُفترض أن تعرف نقاط قوتها وضعفها حتى تحصل على الراتب الذي تستحقه، وعند التفاوض على الراتب، اذكر لمسؤول التوظيف شيئًا مثل: "أعتقد أن خبرتي في هذا المجال تضيف قيمة تستحق راتبًا أعلى"، أو شيئًا من هذا القبيل، المهم ألا تتفاوض على الراتب دون تحضير متعمق.
3. حدد الراتب بناءً على ظروف العمل:
لا يكفي دراسة السوق ومتوسط الرواتب لتحصل على مرادك؛ يجب عليك أن تأخذ طبيعة العمل وموقع الشركة وثقافتها في عين الاعتبار، فإذا كان موقع الشركة بعيدًا عنك أو كان جدول العمل نفسه شاقًا وصعبًا، مقارنةً بالشركات الأخرى، هنا عليك أن تكون واثقًا وأنت تطلب زيادةً بالراتب أو تتفاوض على راتبٍ مبدئي مُعتبر.
على الجانب الآخر، إذا كانت الشركة توفر وسيلةً للتنقل، وتقدم لك ساعات عمل مرنة، وتُعطيك الأمان الوظيفي الذي تحتاجه، إلخ، من المزايا الأخرى، فقد يكون قبول عرضٍ أقل قليلًا أمرًا معقولًا ومنطقيًا.
4. استعد لأنواع مختلفة من مسؤولي التوظيف:
من الطبيعي أن تجد مسؤول توظيف صارمًا، وآخر مرنًا وأكثر تعاونًا، وثالثًا يجمع بين الصفتين، فاستعد لمقابلةٍ كل الأصناف، وحاول أن تتعامل بمنطقيةٍ وثبات.
مع النوع الأول يجب أن تُحافظ على هدوئك وتستميله بالعقل والمنطق، مع النوع الثاني -المرن- يجب أن تُقنعه بالحجة بدلاً من محاولة كسب تعاطفه، أما النوع الثالث والأخير فيجب أن تُركز قدر المستطاع على أجوبتك وتختارها حسب السياق.
5. حدد راتبك أولاً:
على الرغم من بداهة هذه الاستراتيجية، فإن الكثيرين يتقدمون للوظائف دون معرفة الحد الأدنى، أو الراتب الذي يُعينهم على مجرد العيش، وقبل أن تتقدم إلى أي وظيفة، حاول دائمًا أن تعرف أدنى راتب تقبل به، لأن هذا الأمر سيختصر عليك وعلى الشركة الكثير من المجهود والوقت.
6. أجّل الحديث عن الراتب قدر الإمكان:
عندما تكون في المراحل الأولى من التقديم على وظيفة ما، حاول ألا تُفكر في الراتب أول شيء، وأجّل الحديث عنه قدر المستطاع، وعندما يُطلب منك تحديد راتبك المتوقع، وقتها حدد النطاق الذي يناسبك حسب العوامل التي تحدثنا عنها، وطبعًا يُفضل أن تعرف تفاصيل أو وصف الوظيفة Job Description جيدًا قبل أن تُناقش أمر الراتب.
7. دع مسؤول التوظيف يُبادر أولاً:
تترتب هذه الاستراتيجية على ما سبقها؛ دع مسؤول التوظيف يُحدد الراتب أولًا لتجنب تقديم رقم أعلى، وبالتالي قد يتم رفضك، أو أدنى فيتم إجحافك، وإذا سُئلت عن توقعاتك وقتها يمكنك أن تُجيب، وبالمناسبة، ليس عيبًا أن تستفسر عن نطاق الرواتب داخل الشركة أو الميزانية المُخصصة لهذه الوظيفية، فقط لا تتعجل.
8. اختر الوقت المناسب:
استراتيجية أخرى مُكملة للاستراتيجيتين السابقتين، فاختيار الوقت المناسب للتفاوض على الراتب من أكثر الأشياء الذكية والمؤثرة التي يمكنك فعلها، وقد تحدثنا عن الأمر بالنسبة للموظفين الجدد، أما إذا كنت موظفًا حاليًا، فحاول أن تختار وقتًا تكون قد أنجزت فيه شيئًا مهمًا، أو يكون فيه مسؤول التوظيف صافي الذهن والبال.
9. اعلم أن الراتب ليس كل شيء:
يغفل الكثيرون عن هذه الحقيقة أو يدركونها في وقتٍ متأخر، فكر في المزايا الأخرى القابلة للتفاوض؛ يُمكنك أن تناقش تخفيض الراتب مقابل الحصول على مزايا أو إجازات إضافية تُطور فيها نفسك، أو تعمل فيها بوظيفة أخرى تدر عليك دخلًا إضافيًا، وهذا على سبيل المثال لا الحصر.
10. كن واثقًا:
بعد أن تُراعي النقاط السابقة، لن يتعين عليك سوى التفاوض على الراتب بثقة، فقط اطلب الراتب الذي تراه مناسبًا لك، وإذا لم تستطع الشركة تلبيته، فأغلب الظن أنها لن تكون الفرصة التي تبحث عنها.
اقرأ أيضًا: هل يشكل التمويل اللامركزي مستقبل المعاملات المالية؟
كيفية تحديد القيمة السوقية للراتب؟

أوصينا في السطور السابقة بتحديد القيمة السوقية للوظيفة، فمن الأخطاء الشائعة خلال التفاوض حول الرواتب تجاهل هذه الخطوة، والتي يمكنك أن تُنفذها عن طريق:
1. استعن بمنصات التوظيف المختلفة: مثل Glassdoor، وSalary.com، وغيرها، حيث تُقدم هذه المنصات أدوات جيدة يمكن الاعتماد عليها لإخبارك بمتوسط الرواتب وتقديراتها الحقيقية حسب تعليمك، وموقعك، وخبرتك، إلخ.
2. ضع في الاعتبار العوامل الجغرافية والاقتصادية: تلعب هذه العوامل دورًا كبيرًا في تحديد الراتب، نظرًا لاختلاف تكلفة المعيشة من مكانٍ لآخر، فاستخدم أداةً مثل Payscale لتساعدك في هذا الأمر.
3. استخدم منصات التواصل الاجتماعي: وبخاصة LinkedIn وFacebook؛ ادخل إلى مجموعات التوظيف واسأل عن متوسط الراتب في هذه الوظيفة أو تلك، وستحصل غالبًا على المساعدة.
كيفية التفاوض على الراتب
نأتي الآن للجزء الأهم؛ والمتمثل في النصائح والخطوات العملية التي يمكن أن تساعدك في التفاوض على الراتب، ومنها:
1. اعرف قيمتك: يبدأ التفاوض على الراتب بمعرفة قيمتك ومهاراتك التي تمتلكها وتستعد أن تُقدمها للعمل.
2. ضع حدًا أدنى لنفسك، لكن كن طموحًا: سيساعدك التعرف على مهاراتك على وضع أدنى حدٍ يناسبك من الراتب، لكن هذا لا يعني أن تبخسها؛ حاول دائمًا ألا يتعارض هذا الحد الأدنى مع تطلعاتك.
3. تدرب ثم تدرب ثم تدرب: ضع أكثر من سيناريو للتفاوض، وحاول أن تتمرس عليه مع صديقك أو زميلك في العمل، فالسيناريو الحقيقي عادةً ما يكون مُربكًا، وقد يُفسد الأمر برمته.
4. خذ وقتك في الرد: إذا تلقيت عرضًا من مسؤول التوظيف، فلا تتسرع في قبوله، حتى لو كان مُناسبًا، ففي بعض الأحيان عندما يجلس الشخص مع نفسه ويُفكر مليًا يكتشف أنه كان على وشك أن يقبل بعرضٍ لا يناسبه، فإذا حدث معك هذا السيناريو، اطلب من مسؤول التوظيف أن يمهلك بعض الوقت للتفكير، ولكن انتبه؛ هذا الأمر ينطبق في حال كنت مُترددًا فقط.
5. استعد للإجابة على الأسئلة الصعبة: توقع واستعد لأسئلةٍ صعبة نوعًا ما، فمن الوارد أن يسألك مسؤول التوظيف عن العروض الأخرى المُقدمة لك، أو عن السبب الذي تطلب الزيادة في الراتب لأجله، فكن مُستعدًا.
6- فكر في الصورة الكاملة: تذكر أن الراتب ليس كل شيء كما أشرنا؛ فكر فيما وراءه من فوائد، مثل جدول الأعمال المرن، والمكافآت، وخيارات الأسهم، وفرص التطور المهني، إلخ.
أسئلة مهمة لتسألها في أثناء التفاوض على الراتب

- هل هذا الراتب قابل للتفاوض؟
- على أي أساسٍ تم تحديد هذا الراتب؟
- هل هناك أي فرصة أخرى لزيادة الراتب؟
- ما هي المعايير الواجب اتباعها لزيادة الراتب؟
- ما هي الفوائد الأخرى التي سأحصل عليها؟
- هل يمكننا التفاوض بشأن المكافآت أو المميزات الأخرى؟
- كيف يتم قياس تقدمي؟ أو ما معايير النجاح التي تستخدمونها؟
- هل يمكن تقديم هذا العرض كتابيًا؟ (لضمان توثيق جميع التفاصيل)
- هلا منحتني بعض الوقت للتفكير؟
- هل تتأخر الرواتب؟ وماذا عن المكافآت؟
ختامًا، يتضح أن التفاوض على الراتب ليس مجرد جزءٍ من عملية التوظيف، بل فنٌ، يتطلب فهمًا عميقًا للسوق، وقيمة المهارات التي تمتلكها وتستعد أن تُقدمها للشركة أو المؤسسة التي ستعمل معها، وتذكر أن التفاوض على الراتب يُعد فرصة لتعزيز مهاراتك ومسارك المهني، وفي الوقت نفسه بناء علاقات قوية مع أصحاب العمل يسودها الاحترام المتبادل، والفهم العميق للقيمة التي يقدمها كلٌ منكما للآخر.