محمية جبل شدا الأعلى.. التفرد في الطبيعة والتاريخ يتجسد في قلب تهامة

في قلب أرض تهامة الساحرة، يتألق جبل شدا الأعلى كإحدى أبرز المحميات الطبيعية في المملكة العربية السعودية. وتندمج في هذه المحمية الطبيعية أنواع عديدة من الحياة النباتية والحيوانية، ما يجعلها وجهة فريدة تجمع بين جمال الطبيعة وأثرها التاريخي.

ومع تزايد الاهتمام من جانب المملكة بتلك المحمية خلال السنوات الماضية، صارت أكثر توافقًا مع خطط الحداثة والاستدامة، وتحولت مع مرور الوقت إلى مزار يستهوي كثيرين من محبي استكشاف جمال الطبيعة والتاريخ.

التنوع البيولوجي في جبل شدا

يعكس جبل شدا الأعلى تنوعًا بيولوجيًا استثنائيًا، إذ يضم أكثر من 500 نوع من الأشجار، والحشائش، والنباتات الحولية والمعمرة. وتتألق أشجار العرعر، العتم، الأبراه، اللثب، العدن، الصومل، الظهيان والتمر الهندي في هذا المكان الفريد. وبالإضافة إلى ذلك، تضفي النباتات الطبية والعطرية مثل شجر الشث، والبرك، والريحان، والعثرب لمسة من الجمال للمكان، بخلاف فوائدها البيئية.

الموقع والطبيعة الجغرافية

تقع محمية جبل شدا الأعلى في الجزء الشمالي الغربي من محافظة المخواة، ممتدة على امتداد جبال السروات. ويتميز جبل شدا بارتفاعاته الشاهقة، إذ يصل ارتفاعه إلى نحو 2200 متر فوق سطح البحر في أعلى نقطة، وينخفض تدريجيًا إلى نحو 500 متر فوق سطح البحر عند وادي مليل.

ويشكل هذا الارتفاع الجغرافي المتنوع خلفية ساحرة للمحمية، ويعزز من وجود تضاريس فريدة تمتاز بالجمال الطبيعي، ما يزيد من جمالية المكان ويعززها كوجهة سياحية متفردة بامتياز.

الحياة البرية

تعد المحمية الموطن الطبيعي لعديد من الكائنات الحية، حيث يمكن مشاهدة النمر العربي، الوعل الجبلي، الذئب العربي، الوشق، النمس والثعالب بأنواعها المتعددة.

وبخلاف ذلك، فإن هناك حضورًا بارزًا للطيور مثل النسر الأسمر، الصقر الحوام، صقر الجراد، الشبوط والحدأة. كما تتنوع الزواحف في المحمية وتشمل حرذون الصخور، وسلحفاة المياه العذبة، وبعض أنواع الأفاعي.

التاريخ والثقافة

ويحمل جبل شدا الأعلى آثارا تاريخية تعود إلى حقبة ما قبل الميلاد، حيث تحتوي المنطقة على نقوش أثرية ومواقع تاريخية. ويعد جبل مصلى إبراهيم، وشعيب الجوف مواقع تاريخية بارزة، تعود بعضها إلى فترة إبراهيم الأدهم. النقوش الصخرية تمثل جزءًا من التراث الثقافي الغني لهذا المكان الاستثنائي.

الحياة الاجتماعية

يعود تأثير الإنسان على هذه المنطقة إلى آلاف السنين، حيث يظهر وجود آثار ونقوش تعود للمدنيات القديمة. وصار يعيش سكان المحمية في العصور الحديثة بعدة قرى متناثرة، وقد نجحوا في الحفاظ على أسلوب حياة متنقل، إلى جانب ارتباطهم التاريخي بالمحمية وكل ما تحمله بين طياتها من إرث.

الحفاظ والتطوير

تتبنى محمية جبل شدا الأعلى رؤية طموحًا تهدف إلى الحفاظ على التنوع البيولوجي والتاريخي للمنطقة. وتنطوي الجهود المستمرة من جانب المملكة على مكافحة الصيد غير القانوني، التوعية البيئية وإعادة توطين بعض الأنواع المهددة بالانقراض، مثل النمر العربي والوعل الجبلي.

اقرأ أيضًا:جزيرة "سندالة" في "نيوم".. رحلة تلهم الحواس وتأسر العقول

برامج مستقبلية

تتضمن الخطط المستقبلية للمحمية تعزيز برنامج الحماية والمراقبة، ودعم البحث العلمي، وبرامج التوعية للمدارس والجامعات، ودعم مشاريع التنمية المحلية المستدامة. كما تتجه المحمية نحو تطوير قطاع السياحة البيئية، ليستمتع الزوار بجمال الطبيعة والثقافة الفريدة للمنطقة.

محمية جبل شدا الأعلى: متنفس طبيعي متكامل

مع استمرار التزام المملكة العربية السعودية بتحقيق رؤية 2030، تأتي محمية جبل شدا الأعلى كمثال حي على دمج الاستدامة البيئية والتنمية المحلية في إطار واحد يعكس التزام المملكة بالتنوع البيئي والحفاظ على التراث الثقافي.

التنمية المستدامة

وإذ تسعى محمية جبل شدا إلى تحقيق الاستدامة البيئية والاقتصادية عبر دمج برامج تطوير محلية تستند إلى مفهوم الزراعة البيولوجية، حيث تشجع على زراعة البن الشدوي، وأنواع أخرى من المحاصيل العضوية، وهو ما يُنتظر أن يعمل على تحفيز الاقتصاد المحلي، وتوفير فرص العمل للسكان المحليين.

البحث العلمي والتعليم

تشكل محمية جبل شدا مركزًا للبحث العلمي والتعليم البيئي، إذ تشارك الجامعات والمدارس في زيارات ميدانية توعوية لفهم أعماق التنوع الحيوي وأهمية الحفاظ عليه، كما تعزز البرامج التعليمية التفاعلية مفهوم الاستدامة بين الأجيال الشابة.

السياحة البيئية

تسعى المحمية لتطوير قطاع السياحة البيئية، ما يجذب الزوار للاستمتاع بجمال الطبيعة والتنوع الثقافي للمنطقة. ويتم هناك تنظيم جولات استكشافية موجهة وفعاليات تعليمية للزوار لنقل رسالة الحفاظ على البيئة والتراث.

الابتكار وتكنولوجيا الحياة الفطرية

تعتمد المحمية على التكنولوجيا لتحقيق أهدافها، إذ يتم استخدام الأنظمة الذكية لمراقبة الحياة الفطرية والحد من التجاوزات، مع التشجيع على تبني التقنيات المتقدمة في مجال الزراعة لتعزيز الإنتاجية بطرق صديقة للبيئة.

شراكات مستدامة

تعد محمية جبل شدا نموذجًا للشراكات المستدامة، إذ تعمل بتنسيق مستمر مع السلطات المحلية والهيئات الحكومية والقطاع الخاص، وهي الشراكات التي من شأنها تعزيز قدرة المحمية على تحقيق أهدافها وتعزيز التنمية المستدامة.

التفاعل مع المجتمع

تلعب المحمية دورًا فاعلاً في التفاعل المجتمعي، إذ يشمل ذلك إشراك السكان المحليين في إدارة المحمية وتعزيز الوعي بأهمية الاستدامة والحفاظ على الموارد الطبيعية، وهو ما يحظى ببالغ الأثر على الأجواء.

اقرأ أيضًا:المملكة في المقدمة.. أشهر وجهات السياحة العلاجية "استمتاع وشفاء" 

الاستدامة بمفهوم رؤية المملكة 2030

تجسد محمية جبل شدا الأعلى الرؤية التي تتبناها المملكة للعام 2030 من خلال جمعها بفعالية التنمية المحلية والحفاظ على البيئة في إطار واحد مستدام. ويُظهر هذا المزيج الفريد كيف يمكن تحقيق التوازن بين التنمية والحفاظ على الهوية البيئية والثقافية للمنطقة.

تضطلع محمية جبل شدا الأعلى بدور ريادي في تحقيق أهداف رؤية المملكة 2030، حيث يعكس تفاعلها الفعّال مع التحديات البيئية والاجتماعية روح التنمية المستدامة. ويقوم فريق "المركز الوطني لتنمية الحياة الفطرية" بتنفيذ برنامج شامل لحماية المحمية من تحديات متنوعة.

حماية البيئة ومراقبة الأنشطة

يتخذ فريق عمل المحمية إجراءات حازمة لحمايتها من تعديات الصيد غير القانوني والاحتطاب الجائر والتعدي على الأراضي العامة. ويشارك المفتشون الذين يعملون بشكل دائم، في دوريات راكبة وراجلة لمراقبة جميع مناطق المحمية، ويتعاونون بفعالية مع المجتمع المحلي والهيئات الحكومية.

التوعية والتعليم

تعد المحمية محطة للتوعية البيئية والتعليم، حيث تستقبل زيارات علمية وتوعوية من المدارس والجامعات. وتسعى البرامج التعليمية لنقل قيم الحفاظ على البيئة والتوازن مع التنمية المستدامة.

تعزيز البحث العلمي

يتبنى المركز رؤية طموح لتطوير البحث العلمي في مجالات النباتات والحيوانات. يتضمن البرنامج المستقبلي برنامجًا متخصصًا للبحث العلمي يستهدف دراسة وفهم مكونات المحمية.

دعم التنمية المحلية

تتضمن الرؤية الجديدة للمركز دعمًا فعّالاً لمبادرات التنمية المستدامة للسكان المحليين. يشمل ذلك دعم زراعة البن الشدوي، وتشجيع الأنشطة الاقتصادية المستدامة.

تنمية قطاع السياحة

تسعى المحمية لتطوير قطاع السياحة البيئية، وسياحة الطبيعة، والسياحة الثقافية. إذ يتم تنظيم جولات استكشافية موجهة وفعاليات لتسليط الضوء على الجمال الطبيعي والتراث الثقافي للمنطقة.

تكنولوجيا الحياة الفطرية

يستفيد الفريق من تكنولوجيا متقدمة لمراقبة الحياة الفطرية وتعزيز الإدارة البيئية، كما يتبنى المركز نهجًا مبتكرًا يساعد بشكل كبير على الحد من التجاوزات وتعزيز استدامة الأنشطة.

تتمثل المحمية في نموذج للشراكات المستدامة مع السلطات المحلية والقطاع الخاص والهيئات الحكومية. هذه الشراكات تعزز من فعالية الجهود المبذولة لتحقيق أهداف الحفاظ على الحياة الفطرية.

من خلال مبادراتها وبرامجها المتنوعة، تظل محمية جبل شدا الأعلى عنوانًا للحفاظ على التنوع البيئي وتحقيقًا للتنمية المستدامة بما تتناغم مع رؤية المملكة 2030، وهو ما يتم العمل عليه بشكل منظم ومميز.

وتظل محمية جبل شدا الأعلى وجهة استثنائية لمحبي الطبيعة والتاريخ، حيث يتناغم فيها جمال الطبيعة مع تراثها التاريخي، ويعكس ذلك التزام المملكة العربية السعودية بالحفاظ على تنوعها البيئي والثقافي كجزء لا يتجزأ من إرثها الغني.