لماذا كان المسلمون الأندلسيون يصومون رمضان سرا؟
عانى المسلمون الأندلسيون تحت الحكم الإسباني خلال شهر رمضان، لدرجة أنهم كانوا يؤدون شعائر الصلاة وكذلك الصيام سرا، خوفا من محاكم التفتيش.
مخابئ سرية
فبعد عهد من الفتوحات الإسلامية الكبرى التي نشر بها المسلمون الدين الإسلامي في أوروبا، سقطت دولة الأندلس الإسلامية في يدي فرديناند وإيزابيلا ملكي أراغون وقشتالة في العام 1492 ميلاديا عانى المسلمون كثيرا ومنعوا من ممارسة شعائر دينهم.
واستمرارا لمعاناة المسلمين أجبر ملكا أراغون وقشتالة سكان الأندلس على ترك دينهم والتحول القسري إلى المسيحية، كما أجبروهم على التخلي عن الأزياء والأسماء الإسلامية، فأصبح المسلمون يمارسون شعائر دينهم سرا فيؤدون الصلاة في مخابئ سرية ويجتمعون لتلاوة القرآن، ويصومون رمضان سرا.
محاكم التفتيش
لكن فرديناند وإيزابيلا عندما علما بأمر الحياة المزدوجة والسرية التي يعيشها المسلمون الأندلسيون أمرا بإنشاء محاكم التفتيش الإسبانية وهي محاكم تابعة للديوان المقدس، مهمتها الحفاظ على العقيدة الكاثوليكية لإسبانيا، وخلافا للممارسات الوحشية التي كانت تنتهجها مع الضحايا، روجت تلك المحاكم الرعب في أنحاء إسبانيا في تلك الفترة، واضطر آلاف من المسلمين واليهود إلى اعتناق المسيحية خوفا من البطش وبلغ عدد من تمت محاكمتهم من قبل محاكم التفتيش أكثر من 150 ألف شخص، وتم إعدام 3250 مسلما.
جواسيس ووشاة
وللتعرف على أي مسلم متخف يمارس الشعائر الإسلامية، نشرت السلطات التابعة لمحاكم التفتيش جواسيس ووشاة في أرجاء البلاد، وحددت لائحة طويلة من الأفعال التي تدل على أن فاعلها مسلم، وكان أهم مظهر في تلك اللائحة هو مراقبة صوم رمضان عبر تحديد الممتنعين عن الأكل والشرب خلال النهار، أو الذين يستيقظون لتناول الطعام قبيل الفجر.
ملامح الحياة عند المسلمين
وعلى رغم أن المسلمين الأندلسيين كانوا يساقون إلى محاكم التفتيش في شهر رمضان أكثر من غيره من الشهور، إلا أنهم ظلوا يصومون رمضان وقد أورد المؤرخون الإسبان ملامح الحياة عند المسلمين خلال تلك الفترة، فذكر المؤرخ الإسباني بورونات إيباراتشين في كتابه عن تلك الحقبة: “كان المسلمون يصومون مدة 30 يوما، لا يأكلون في تلك الأيام إلا خلال الليل، وفي كل ليلة يتسحرون فيأكلون ما فاض منهم من طعام الإفطار، وقبل الفجر يغسلون أفواههم ويتحضرون للصلاة".
ويضيف إيباراتشين أن المسلمين كانوا يعرفون قدوم شهر رمضان عبر رؤية الهلال وينتهي برؤية الهلال، ثم يحتفلون بالعيد، وفي يوم العيد، يتسامح المسلمون فيما بينهم، فيقبّل الولد يد أبيه ويطلب غفرانه، ويبارك الأب ولده ويدعو له بالبركة والصلاح”.
بدورها كشفت المؤرخة الإسبانية غارسيا مارثيدس أن صوم رمضان كان أكثر العبادات التي حرص المسلمون على أدائها في ظل محاكم التفتيش، فقد جاء ذكر الصوم في أغلب محاضر محاكم التفتيش التي حفظت في مخطوطات وصل إليها المؤرخون فيما بعد، يليه الوضوء والصلاة.