أقدم يوميات في التاريخ تكشف سر بناء الهرم الأكبر
عُثر في موقع وادي الجرف على ساحل البحر الأحمر بمصر على مجموعة من البرديات القديمة التي تعد الأقدم في تاريخ علم الآثار، وتكشف عن طريقة بناء الهرم الأكبر في الجيزة.
تُعرف هذه الوثائق باسم برديات البحر الأحمر، وتضم يوميات كتبها ميرر، أحد كبار المشرفين في مشروع بناء الأهرامات في عهد الفرعون خوفو. وتُعد هذه اليوميات أقدم وثائق إدارية مكتوبة تم العثور عليها حتى اليوم.
وتشير الاكتشافات إلى أن موقع وادي الجرف لم يكن مجرد منطقة نائية كما يبدو اليوم، بل كان ميناءً حيويًا قبل أكثر من 4500 عام. فقد استخدمه المصريون القدماء كمركز لوجستي لنقل مواد البناء من سيناء ومحاجر طره إلى موقع الأهرامات في الجيزة عبر ممرات مائية.
هذا الموقع، الذي اكتشفه أول مرة الرحالة البريطاني جون جاردنر ويلكنسون عام 1823، أعيد تفسيره لاحقًا على يد علماء الآثار الفرنسيين في القرن العشرين، قبل أن يكتشف عالم المصريات بيير تاليه عام 2008 وظيفته الحقيقية كميناء مخصص لدعم بناء الهرم الأكبر.
تفاصيل يوميات ميرر في بناء الهرم الأكبر
البرديات التي كتبها ميرر تمثل شهادة فريدة على حياة عمال بناء الهرم وتنظيم عملهم اليومي. دون مرر تفاصيل دقيقة عن رحلاته المتكررة بين المحاجر وموقع البناء، وكيف كان يشرف على نقل كتل الحجر الجيري من محاجر طره إلى هضبة الجيزة باستخدام القوارب.
وجاء في أحد المقاطع المترجمة من يومياته: "اليوم الخامس والعشرون: أمضى المفتش ميرر اليوم مع فريقه في نقل الحجارة إلى طره الجنوبية، وقضى الليل هناك."
وفي اليوم التالي كتب: "اليوم السادس والعشرون: غادر ميرر طره الجنوبية متجهًا بالقارب المحمّل بكتل الحجر الجيري نحو أفق خوفو (الهرم الأكبر)، وقضى الليل في منطقة شي-خوفو."
تُظهر هذه السجلات أن عملية بناء الهرم كانت منظمة بطريقة عسكرية تقريبًا، إذ كان فريق ميرر المكوّن من نحو 200 عامل يعمل وفق جدول دقيق يشمل أوقات النقل والإقامة والمراقبة اليومية للمخزون.
نظام الأجور والإدارة في مشروع بناء الهرم الأكبر
تفنّد يوميات ميرر التصور القديم بأن الأهرامات بُنيت بواسطة العبيد، إذ تُظهر الأدلة أن العاملين كانوا عمّالًا مهرة يتلقون أجورهم على شكل حصص غذائية تشمل الخبز والتمر واللحوم والبقوليات.
كانت تلك الأجور تُعرف باسم "الراشن" (ration)، وكانت قيمتها تختلف حسب رتبة العامل في المشروع. كما تشير اليوميات إلى أن العملية كانت تحت إشراف مباشر من الشخصيات البارزة في الدولة مثل عنخ حف، الأخ غير الشقيق للملك خوفو، ويُلقَّب بـ"رئيس جميع أعمال الملك".
"في اليوم الرابع والعشرين، قضى المفتش ميرر اليوم في العمل مع عنخ حف، رئيس رو-شي خوفو، ومع فرق النبلاء والمشرفين العاملين في المشروع الملكي."
تُظهر برديات وادي الجرف أن المصريين القدماء اعتمدوا على نظام إداري دقيق وتنظيم هندسي هائل في بناء الأهرامات، بعكس الاعتقاد السائد عن العشوائية أو العمل القسري.
فمن خلال توزيع المهام وتوثيق كل مرحلة من مراحل النقل والبناء، استطاع المصريون بناء أعظم صروح العالم القديم التي لا تزال شامخة بعد أكثر من أربعة آلاف عام، مما يؤكد أن سر الأهرامات يكمن في براعة التنظيم والإدارة أكثر من الغموض أو المعجزات.
