على خريطة الشغف: السعوديّة تعيد تعريف المغامرة في 2025
لم يعد المرور عام 2025 بالمناطق الجبلية في السعودية يقتصر على مشاهدتها من خلف زجاج السيارة، بل أصبح الكثيرون يقصدونها سيرًا على الأقدام بحثًا عن تجربة أكثر قربًا من تضاريسها وتفاصيلها الدقيقة.
في هذه المسارات، يلتقي شغف الهايكنغ برغبة التصوير في الهواء الطلق، لتتحول الرحلات إلى مغامرات مفتوحة تعيد تقديم الجبال والوديان والسهول بوصفها مسرحًا طبيعيَا لعشاق الحركة والاستكشاف، مع فرص لالتقاط لحظات فريدة لا تتكرّر.
أفضل وجهات الهايكنغ في السعوديّة
لم تعد مغامرات الهايكنغ داخل المملكة مجرد نشاط جانبي لعشاق المسير، بل تحوّلت إلى طريقة مختلفة لاكتشاف البلاد من زواياها الأكثر إثارة وهدوءًا في آن.
من هذا المنطلق، تتشكل خريطة من الوجهات الجبلية والمسارات الطبيعية تمنح عشاق المشي تجربة متكاملة، تجمع بين المغامرة المتقنة والانسجام العميق مع الطبيعة.
الطائف
تفتح الطائف أمام عشّاق المشي مسرحًا واسعًا للطبيعة، تتقدمه فوهة الوعبة، تلك الحفرة البركانية الهائلة التي تُصنَّف بين الأبرز في المنطقة بحجمها اللافت وطبقاتها الجيولوجية المتعاقبة.
يمتد حول حافتها مسار مشي يستغرق قرابة ساعتين، يتدرج فيه المشهد من حواف قاسية إلى قاع تتبدل ألوان تربته وتشكيلاته مع كل خطوة، في تجربة تجمع بين التحدي البسيط ومتعة مراقبة تفاصيل الأرض عن قرب.
وعلى الضفة الأخرى من هذه التجربة، تبرز العُلا بوصفها وجهة راسخة لعشاق الهايكنغ في المسارات الجبلية، بحيث تتداخل الجبال والسهول وتكوينات الصخور الملساء مع نقوش قديمة محفورة في الجدران الصخرية، فتتحول الرحلة سيرًا على الأقدام إلى قراءة مفتوحة في تاريخ المكان، لا يقتصر أثرها على المشهد الطبيعي بل يمتد إلى الذاكرة الثقافية للزائر.
الرياض
تحيط بالعاصمة الرياض دائرة واسعة من التضاريس الصخرية التي تحوّل محيطها إلى مساحة مفتوحة لعشاق المشي واكتشاف الطبيعة، إذ تتوزع مسارات متعددة تمنح الجميع نصيبهم الخاص من التحدي والمتعة.
في هذا المشهد يبرز مسار مصيقرة، الممتد لنحو 10 كيلومترات وصولا إلى منطقة تهدأ فيها الوتيرة ليبدأ فصل آخر من الرحلة بين منحوتات صخرية ودوائر حجرية تحمل ملامح تاريخية واضحة في تفاصيلها.
وعلى مقربة من ذلك، تقدم جبال بلعوم تجربة مختلفة تميل أكثر إلى التسلق، يتدرج خلالها الارتفاع حتى يصل المتنزه إلى قمة تطل على الوادي بانفتاح كامل على الأفق.
أما درب القوافل الممتد بمحاذاة جبال طويق فيحافظ على حضوره كأحد المسارات المفضلة في محيط الرياض، بفضل مساره الطويل الذي يكشف تباعًا عن مناظر طبيعية متفرّدة تجذب هواة الاستكشاف ممن يبحثون عن بعد آخر للطبيعة حول العاصمة.
اقرأ أيضًا: رحلات "حلم الصحراء": رحلات تعيد كتابة مفهوم الرفاهية في المملكة
عسير
تضع عسير نفسها في مقدمة وجهات الهايكنغ في السعودية، بفضل مزيج يجمع بين السفوح الهادئة والقمم الشاهقة، وما تمنحه من مسارات تصل بالمتنزه إلى نقاط عالية تكشف مشاهد واسعة للجبال والأودية المحيطة.
ويأتي جبل أبو خيال كأحد أبرز معالم هذه التجربة، بإطلالته المباشرة على مدينة أبها ومتنزه عسير الوطني، وحضوره وسط مدرجات مزروعة ومساحات خضراء تحيط به من جهات عدة، إلى جانب ممشى الضباب والبحيرات والسدود، حيث تتوزع ممرات مجهزة ومنصات مشاهدة تسمح للزائر بالتوقف والتقاط تفاصيل المشهد بتأنٍ لافت.
وعند الانتقال إلى جبل السودة، تتخذ تجربة الهايكنغ في عسير بعدًا آخر، إذ يحتضن واحدًا من أعلى المسارات ارتفاعًا في السعودية، مع طرق سير تمر عبر غابات ووديان، تلامس الشلالات في بعض المناطق.
يسهم مناخ عسير المعتدل نسبيًا في إطالة موسم الزيارة في هذه المنطقة، ليجعلها خيارًا مريحًا ومحوريًا لعشاق المغامرة والأنشطة الخارجية الباحثين عن أجواء ألطف وتجربة جبليّة متكاملة.
تأمل جمال الطبيعة والتقاط اللحظات
إلى جانب مسارات الهايكنغ التي تمنح المتنزهين تجربة حركية ثرية، تحتضن المملكة واحدًا من أغنى المشاهد الطبيعية الملهمة لعشاق التصوير. التضاريس المتنوعة، من الجبال الخضراء إلى الصحارى الذهبية والسواحل النابضة بالحياة، توفر خلفيات طبيعية آسرة لكل مصوّر يسعى لالتقاط جمال السعودية في أبهى صورة.
وتتنوع هذه التجارب البصرية حسب الموقع، بحيث يقدم كل مكان لمسة فريدة من الجمال الطبيعي تنتظر أن يلتقطها المصور.
في أبها، المستقرة وسط جبال عسير في جنوب غرب السعودية، يجتمع المناخ اللطيف مع تنوّع المساحات الخضراء والإطلالات الجبلية المتدرجة ليمنح المصورين مادة بصرية غنية، تمتد من مشاهد الطبيعة المفتوحة إلى تفاصيل الأنشطة الجبلية اليومية.
وعلى النقيض من هذا الطابع الجبلي، يضفي كورنيش جدة بعدًا ساحليًا للتجربة، بإطلالته المباشرة على البحر الأحمر وما يتيحه من فضاءات مفتوحة للتصوير، من نافورة الملك فهد التي تُعد الأعلى من نوعها عالميًا، إلى الحدائق والمنحوتات والشواطئ التي تشكّل خلفيات متجددة لصور تحمل طابعًا حضريًا متصلاً بالبحر.
وإن كنت تبحث عن صورة مختلفة تمامًا للمشهد الطبيعي، يقدّم الربع الخالي أكبر صحراء رملية متصلة في العالم تكشف عن كثبان ذهبية مترامية وصمت واسع، يتغير إيقاعه مع حركة الضوء والظلال عند الشروق والغروب، ليصبح مكانًا مثاليًا لمن يبحث عن تكوينات صحراوية نقية.
دليل السلامة للجولات الجباليّة
تبدأ أي جولة جبلية ناجحة في السعودية من الاستعداد الجيد، سواء كانت الرحلة للهايكنغ، التصوير، أو أي مغامرة أخرى في سفوح الجبال، لأن طبيعة التضاريس والحركة المستمرة تفرض معايير واضحة للسلامة والتجهيز.
من هنا يصبح تجهيز العدة خطوة محورية قبل أي صعود، تبدأ باعتماد حذاء مخصّص للمشي أو التسلق يمنح القدم ثباتًا أفضل ويحمي الكاحل في المقاطع الوعرة، مرورًا باختيار حقيبة ظهر خفيفة ومريحة تتسع للاحتياجات الأساسية من دون أن تثقل الحركة أو تستنزف طاقة صاحبها.
ومع تمدد ساعات النهار فوق الجبال، تتحول الحماية من الشمس إلى خط دفاع أول يحافظ على تركيز المتنزه وصفاء تجربته. قبعة ذات حافة عريضة، ونظارات شمسية عالية الجودة، وواقي شمس بمعامل حماية مناسب لفترات التعرّض الطويلة، جميعها عناصر تُبقي الانشغال منصبًّا على الطريق وتفاصيل المشهد، بدل الاضطرار لاحقًا إلى التعامل مع آثار الإهمال.
وحين يكون اليوم مخصصًا بالكامل للجبل، تصبح الحقيبة المنظمة بعناية انعكاسًا لوعي صاحبها، تضم خريطة ورقية أو نسخة محمّلة مسبقًا للمسار، وشاحنًا متنقلا يحافظ على عمل الأجهزة طوال الرحلة، فضلاً عن وجبات خفيفة تمنح طاقة مستقرة، إلى جانب كمية مدروسة من المياه تتناسب مع طول المسار ودرجة الحرارة المتوقعة، بحيث تبقى الخطوات ثابتة حتى اللحظة الأخيرة.
في الطبقات الأعلى من الجبل، يتجلى الفارق بين من صعد مستعدًا ومن تعامل مع الرحلة كقرار عفوي. حقيبة الإسعافات الأولية هنا ليست خيارًا إضافيًا، بل قطعة أساسية في أي مغامرة مسؤولة، ترافقها ملابس خفيفة يمكن ترتيبها في طبقات تُضاف أو تُنزع وفق تبدّل الطقس والارتفاع.
ومن زاوية السلامة، لا يُعد الذهاب في مسارات الهايكنغ الجبلية منفردًا خيارًا مثاليًا، خصوصًا في المناطق البعيدة، بل يُستحسن مرافقة مجموعة أو الانضمام إلى مرشد محلي مُلم بتفاصيل الدروب ودرجات صعوبتها، نظرًا لاحتمال وعورة بعض المسارات أو إرهاقها البدني، فضلا عن تذبذب تغطية شبكة الاتصال في عدد من المقاطع. هذا الوجود البشري المساند لا يمنح شعورًا أعلى بالأمان فحسب، بل يضفي بعدًا اجتماعيًا للتجربة نفسها.
