في عصر الكهرباء هل يبقى حصان فيراري جامحًا؟
"الانسيابية هي لمن لا يحسن هندسة المحركات"، "في فيراري نبيع المحركات أما أجسام السيارات ومكوّنتها الأخرى فهي ليست سوى أدوات توضيب لهذه المحركات".
تلك هي الكلمات التي كان يستخدمها أنزو فيراري في معرض الرد، عندما يُسأل عن تفاصيل سيارته، فهو كان يعتبر نفسه صانع محركات ذات فعالية عالية لا مجرد هياكل معدنية، كما أنه كان يستخدم هذه العبارات للغمز من قناة المنافسين على ساحة السباقات الذين غالبًا ما كانوا بنظره صنّاع هياكل يسابقون بمحركات الآخرين لا محركاتهم.
فيراري في عصر البطاريات
وإذا كان كلام فيراري الرجل هذا، غير بعيد من الواقع كون فيراري الشركة هي التي انتجت في الماضي ولا تزال تنتج اليوم أفضل المحركات وأكثرها إثارة وفعالية، إلا أن هذا النوع من المحركات بات في حالة خطر من جراء القوانين المتسرّعة التي تسنّها بعض الدول والتي تضيّق يومًا بعد يوم الخناق على محركات الاحتراق الداخلي وتدعم الخيارات (الصديقة للبيئة) الأخرى وعلى رأسها المحركات العاملة بالكهرباء التي لا تتناسب بعملها مع شخصية سيارات الحصان الجامح، سواء غضينا النظر عما تقدمه من مميزات أو أخذناه بعين الإعتبار، ولكن كيف ستعالج فيراري هذا الأمر؟
في الحقيقة، فيراري بدأت منذ أكثر من عقدين بمعالجة هذا الأمر – من حيث تدري أو لا تدري- ولكن كيف؟ إليكم التفاصيل.
فيراري والسيارات الكهربائية
قبل الإجابة على السؤال المطروح، من المهم أن نشير إلى أن فيراري تدرك أن السيارات الكهربائية لا تحظى بشعبية كبيرة، خصوصًا إذا كانت رياضية وفاخرة مثل سياراتها. لكنها ترى في هذه الخطوة ضرورة أكثر منها خيارًا. فالفريق الإيطالي لم يكتشف فجأة أن محركات الاحتراق الداخلي الهادرة والمفعمة بالشعور الميكانيكي المحبب أمر سيئ يجب التخلص منه، بل اتخذ قرارًا بتطوير السيارات الكهربائية باعتبارها الوسيلة الوحيدة للبقاء في السوق في حال قررت حكومات العالم حظر بيع محركات الاحتراق الداخلي.
وبطبيعة الحال، لا ترغب فيراري أن تواجه مصيرًا مشابهًا لمصير نوكيا أو كوداك (صانعة أفلام التصوير العالقة في الأذهان)، أو أن تجد نفسها تنتج أفضل المحركات التي لا يستطيع أحد امتلاكها. وهنا، بالتأكيد، تفضل الشركة أن تنتج ما يمكن تسميته «الشرّ الذي لا بد منه»، بدلا من إغلاق أبوابها وإرسال موظفيها في عطلة غير مدفوعة الأجر.
وبما أن فيراري أعلنت مؤخرًا خفض خططها للتحوّل الكهربائي من 40٪ بحلول عام 2030 إلى 20٪ فقط، فإن هذا يعني أنها تمضي في إنتاج السيارات الكهربائية لأسباب استراتيجية بحتة، وأيضًا ربما لتلبية رغبة العملاء في اقتناء سيارة تحمل الهالة الأسطورية لاسم فيراري، حتى وإن لم يكونوا مدركين تمامًا لما تمثّله العلامة. أي إنها تستهدف العملاء الذين يريدون سيارة رياضية ذات خطوط جذابة واسم أكثر بريقًا، من دون اكتراث كامل بما إذا كانت السيارة قادرة على توليد النغمات الميكانيكية الطربية أو الشعور الميكانيكي المثير.
اقرأ أيضا: فيراري تكشف عن طراز F76.. أول سيارة خارقة "رقمية" في تاريخها
سيارة فيراري الكهربائية
وللعودة إلى الإجابة على السؤال الذي طرحناه في البداية، فإن فيراري تعد واحدة من الشركات القليلة الرائدة في مجال ديناميكيات السيارات، وما تقوم به غالبًا يحدد مسار عالم عشاق السيارات بأكمله.
لذا، عندما تكشف فيراري عن أول سياراتها الكهربائية مجهّزة بجميع التقنيات الحديثة، ستكون هي المثل الأعلى في هذا المجال. تمامًا كما نجحت في معالجة النقص في الأداء المثير لمحركات الست أسطوانات مع طرازي 296 وF80 الناريين، من المتوقع أن تعوّض غياب محرك الاحتراق الداخلي من خلال ضبط التركيبة الديناميكية للسيارة الكهربائية، ما يمنح المهندسين الأدوات اللازمة لتحقيق تجربة قيادة متميزة.
وما تقدم ليس مجرد كلام معسول يهدف إلى تعزيز قيمة السيارة الكهربائية أو ربطها بإرث فيراري، بل إن الأداء الديناميكي له أهمية قد لا تقل عن أهمية المحرك الهادر في توفير تجربة قيادة ممتعة. فمنذ سيارة F430 عام 2004، اتبعت فيراري نهجًا جديدًا في ديناميكيات السيارات، معتمدة على أجهزة وبرامج متطورة تعمل بتناغم تام، مثل الترس التفاضلي الإلكتروني محدود الانزلاق ونظام التحكم في الجر والثبات لتحسين التماسك على المحور الخلفي. وهذه الميزات كانت من أبرز ما جعل تلك السيارة استثنائية وألهمت عشاقها للوقوع في غرامها.
وبعدها وعلى مدار العشرين عامًا التالية، أضافت فيراري المزيد من الأنظمة الإلكترونية إلى مجموعة أدواتها الديناميكية، بما في ذلك نظام التوجيه الكهربائي، وممتصات الصدمات التكيفية، والتوجيه بالعجلات الخلفية، والدفع الرباعي، وأنظمة التحكم المتطورة في المجموعة المحركة، التي كانت تعمل جميعها معًا لتحديد سلوك قيادة السيارة.
وكانت النتائج مذهلة، بحيث ساعدت المبتدئين بين السائقين على إدارة القوة الهائلة للسيارة، وجعلت المحترفين قادرين على الوصول إلى سرعات أعلى.
وهذا المسار الذي بدأته فيراري مع F430 هو مسارٌ تتبعه الآن العديد من شركات صناعة السيارات الأخرى. هناك اتجاهٌ أكبر في ديناميكيات السيارات يتمثّل في الاستفادة من أنظمة أكثر تطورًا لتحديد مستوى التحكم، وفيراري رائدة في هذا المجال وتلعب فيه دور المرجعية.
اقرأ أيضا: فيراري تطرح عملة رقمية جديدة لجذب سوق الذكاء الاصطناعي في مزاد
هذه التقنيات وغيرها ستعرف طريقها إلى إليكتريكا Electrica (التسمية المبدئية لأول سيارة كهربائية من فيراري)، فالأخيرة ستستفيد من هيكل مصمم لاستقبال منظومة كهربائية بجهد 800 فولت مع بطارية بقدرة 122.0 كيلوواط/ساعة، ومحرك كهربائي لكل عجلة، ونظام تعليق نشط بجهد 48 فولت، وتوجيه خلفي مستقل، وهنا تقول فيراري إنها ستكون أول سيارة فيراري مزودة بمحركات تتيح التحكم في القوى الرأسية والطولية والجانبية في جميع الظروف الديناميكية، مما يسمح لها بتوفير تجربة قيادة مثيرة تُضاهي تلك التي تُقدمها سيارات الحصان الجامح التقليدية.
نظام فيراري للسيارات الكهربائية
ولكن ما يميّز إليكتريكا أيضًا هو الجمع بين نظام توجيه عزم الدوران فائق السرعة والقوة للعجلات الأربع مع نظام التعليق النشط ونظام التوجيه الخلفي المستقل. بالطبع، كل هذه الأجهزة والبرمجيات لا تُعدّ ذات جودة عالية إلا بقدر ما تُنجزه على أرض الواقع، ولكن بالنظر إلى سجل فيراري الحافل، يُمكننا أن نتوقع منها إنجازات رائعة.
وتختبر فيراري أيضًا عناصر مثيرة للاهتمام حقًا، كاستخدام مقياس تسارع لتضخيم صوت المحرك الكهربائي، وتقديم خمسة برامج قيادة مُحددة مسبقًا للقوة والعزم، والتي تزداد شدّتها عند سحب دواسة التروس الإفتراضية إلى الأعلى.
ببساطة، تُسخّر فيراري كامل إمكاناتها في سبيل جعل السيارات الكهربائية مرغوبة، وتحاول إيجاد طريقة لجعل شيء غير جذاب عادةً يُخاطب عشاق السيارات، فهي ربما تُصنّع السيارة كهربائية لأنها مُضطرة لذلك، لكنها تُحاول أيضًا أن تجعلها تستحق حمل شعارها الاسطوري.
مما لا شك فيه أن التحوّل نحو السيارات الكهربائية يسير بوتيرة أبطأ مما توقعه الكثيرون، ولكنها ستظل تحتل جزءًا كبيرًا من عالم السيارات، وأي شركة تُصنّع سيارات عالية الأداء ستضطر في نهاية المطاف إلى بيع سيارات كهربائية عالية الأداء، ورغم أن لامبورغيني تُؤجل اليوم توفير سيارة كهربائية، إلا أنها أيضًا ستضطر لإنتاجها في المستقبل القريب وعندها ستكون سيارة الثور الهائج متأثرة تمام التأثر بما حققته سيارة الحصان الجامح الرائدة، تمامًا كما حصل في ستينيات القرن الماضي، ففي النهاية يبدو أن التاريخ يعيد نفسه.
