بين إرث مارانيلو وتحديات المستقبل.. فيراري تخوض معركة التحوّل الكهربائي
منذ أكثر من سبعة عقود، رسّخت فيراري مكانتها كرمزٍ للسرعة والفخامة الإيطالية الخالصة، إذ يقترن اسمها دائمًا بوهج السباقات وروح الأداء الرفيع.
واليوم، تجد العلامة العريقة نفسها أمام مفترق طرق حاسم، عالم السيارات يتجه بسرعة نحو الكهرباء، بينما جوهر هوية فيراري يرتكز على الإحساس، الصوت، والانفعال خلف عجلة القيادة.
فهل يمكن للفخامة الإيطالية أن تتصالح مع الصمت الكهربائي من دون أن تفقد روحها؟
سيارات فيراري الكهربائية خطوة نحو المستقبل
لم يعد التحوّل نحو السيارات الكهربائية خيارًا مؤجلاً، بل أصبح واقعًا حتميًا تفرضه التشريعات البيئية وتوجهات السوق العالمية.
في ضوء ذلك، تدرك فيراري أن زبائنها لا يبحثون عن الأداء فحسب، بل عن تجربة قيادة تحمل روحًا فريدة لا يمكن لأي محرك كهربائي أن يكررها بمفرده.
ومن هنا تنبع استراتيجية الشركة الطموحة: مزيج من التراث والابتكار يضمن الحفاظ على جوهر العلامة.
لذا، كشفت فيراري عن خطة لإطلاق نحو أربع سيارات جديدة سنويًا حتى عام 2030، تشمل الطرازات التقليدية والهجينة والكهربائية بالكامل، يتصدرها مشروع إيلتريكا Elettrica، أول سيارة كهربائية خالصة من إنتاجها، والتي يُتوقع أن تصبح علامة فارقة في مسيرة الشركة التقنية.
ورغم التحديات التي تواجه تبنّي السيارات الكهربائية في السوق الفاخر، ترفع فيراري سقف توقعاتها المالية بثقة، متوقعة تحقيق إيرادات سنوية تصل إلى نحو 10.4 مليار دولار أمريكي بحلول عام 2030، مقارنة بتوقعات تبلغ 8.2 مليار دولار لهذا العام.
يعكس هذا النمو المرتقب إيمان الشركة بقدرتها على تقديم سيارات كهربائية تحافظ على روح العلامة وتعيد تعريفها بما يتماشى مع متطلبات العصر، موازنة بين الأداء الفائق والتراث العريق والابتكار المستقبلي.
فيراري تُراجع خططها الكهربائية
في ظل التحوّل العالمي نحو السيارات الكهربائية، تواجه العلامات الفاخرة تحديات متزايدة في الحفاظ على هويتها المميّزة، وفيما تتسابق الشركات الكبرى لتبنّي التقنيات النظيفة، اختارت فيراري نهجًا أكثر تحفظًا، ما أثار موجة من الجدل في أوساط المستثمرين.
ففي الأشهر الماضية، أعلنت الشركة الإيطالية عن تعديل خطتها المستقبلية، لتخفض هدفها من السيارات الكهربائية بالكامل إلى 20% فقط بحلول عام 2030، بعدما كان الهدف السابق يبلغ 40%.
هذا القرار لم يمر مرور الكرام، إذ تسبّب في تراجع سهم الشركة بأكثر من 15%، ليصل إلى 354 يورو في بورصة ميلانو و407.38 دولار في بورصة نيويورك، في أسوأ يوم تداول لها على الإطلاق في السوقين.
لكن تراجع فيراري في قرارها لم يكن نتيجة ضعف مالي أو خلل في الأداء، بل جاء انعكاسًا مباشرًا لواقع السوق الفاخر، الذي لا يزال زبائنه يشعرون بالتردّد في التخلي عن المحركات التقليدية. فبالنسبة لهؤلاء، لا تُقاس قيمة السيارة بالكفاءة فحسب، بل بما تحمله من روح وأصالة، وهو ما يجعل الكهرباء خيارًا غير جذاب حتى الآن.
في هذا السياق، اضطرت فيراري إلى إعادة النظر في استراتيجيتها، محاولةً تحقيق توازن دقيق بين الابتكار والتقاليد، وبين متطلبات السوق والولاء العاطفي لعلامتها.
هذا التوجّه لا يقتصر على فيراري وحدها، إذ بدأت علامات أخرى مثل أستون مارتن ومرسيدس-بنز مراجعة خططها الكهربائية، فيما تتريّث لامبورجيني في إطلاق سيارتها الكهربائية الأولى لانزادور Lanzador، في محاولة لقراءة اتجاهات السوق بحذر.
اقرأ أيضًا: بيع فيراري دايتونا SP3 في مزاد مقابل 5.8 مليون دولار
الابتكار من دون تنازل
في مارانيلو، مقر فيراري الشهير، يدرك المهندسون أن التحدي الحقيقي ليس تقنيًا فحسب، بل عاطفيًا أيضًا. يقول داريو إسبوزيتو، مدير الاتصالات المؤسسية: "حتى مع المحركات الكهربائية والتقنيات الحديثة، يجب أن تظل تجربة فيراري محورها الإحساس بالقيادة والانفعال وراء المقود".
هذا الإحساس هو ما يجعل سيارات فيراري أكثر من مجرد وسيلة نقل، بل أيقونة تجمع ما بين الصوت، الاهتزاز، ورائحة الوقود، وهي عناصر شكّلت هوية العلامة منذ أول طراز خرج من المصنع عام 1947.
لكن السؤال الذي يواجه فيراري اليوم: كيف يمكن نقل هذه العاطفة إلى سيارة لا تُصدر صوتًا تقليديًا للمحرك؟
والإجابة لا تزال قيد التطوير، إذ يعمل مهندسو فيراري على إعادة تعريف التجربة السمعية للسيارة الكهربائية، عبر تقنيات مبتكرة تنقل الإحساس بالقوة والأدرينالين، حتى في غياب المحرك التقليدي.
وفي الوقت نفسه، تستمر الشركة في تطوير مواد خفيفة الوزن وتصميم ديناميكي متفرد لضمان أن تبقى القيادة تجربة استثنائية وممتعة.
هذه الاستراتيجية تعكس فهمًا عميقًا لطبيعة عملائها، فمشتري فيراري لا يبحث عن وسيلة نقل عملية، بل عن قطعة فنية تجسّد الأداء، الندرة، والترف.
اقرأ أيضًا: زلاتان يحتفل بعيد ميلاده بسيارة فيراري F80 بقوة 1200 حصان
الخيار النهائي لعميل فيراري
على مدى عقود، شكّلت فيراري رمزًا للأداء الخارق الذي لا يُضاهى، محافظة على مكانتها بوصفها أيقونة في عالم السيارات الرياضية.
ومع تغير المعايير وتحول السوق نحو السيارات الكهربائية، أصبح من الضروري فهم تفضيلات عملائها المختلفة.
كما يشير إسبوزيتو إلى تقسيم قاعدة العملاء، قائلاً: "بعض العملاء سيتبنون التكنولوجيا الكهربائية والبعض الآخر لن يفعل ذلك. هناك من يقول إنهم لن يشتروا فيراري حتى تقدم نموذجًا كهربائيًا".
لذا تقف فيراري اليوم أمام اختبار مزدوج: تلبية متطلبات السوق الحديثة التي تدفع نحو الكهرباء، والحفاظ في الوقت ذاته على جوهرها المتفرّد الذي صنع أسطورتها.
