كيف تهدد رسوم تأشيرة H-1B الجديدة مستقبل الابتكار في وادي السيليكون؟
لطالما كانت تأشيرة H-1B، التي تقدمها الولايات المتحدة الأمريكية منذ عام 1990، سبيلًا للمهنيين من ذوي المهارات العالية من جميع أنحاء العالم للمساهمة في قطاع التكنولوجيا الأمريكي لعقود، حتى وقع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مرسومه الأحدث، الذي استهدف هذه التأشيرة بفرض رسوم مضاعفة عليها.
وأصبحت الرسوم تصل إلى 100,000 دولار أمريكي سنويًا، مقارنةً بالرسوم التشجيعية السابقة التي تراوحت بين 2,000 و5,000 دولار حسب حجم الشركة، وتمثل هذه الزيادة ضربة قوية لشركات التكنولوجيا الكبرى، التي تعتمد بشكلٍ كبير على هذه التأشيرات لتوظيف مهندسين وعلماء ومبرمجين من الخارج، وخاصة من الهند.
وقد صرح البيت الأبيض بأن تأشيرات H-1B للعمال الأجانب ساء استخدامها لخفض الأجور الأمريكية، وإسناد وظائف تكنولوجيا المعلومات إلى جهاتٍ خارجية.
وهي التأشيرة التي كانت البوابة لعبور العديد من رواد التكنولوجيا اليوم، بمن فيهم إيلون ماسك، وسوندار بيتشاي، وساتيا ناديلا، إلى الولايات المتحدة، وسمحت لهم بالابتكار وقيادة الشركات وإحداث تأثير عالمي.
وقد لعبت هذه التأشيرة دورًا محوريًا في بناء وادي السيليكون في الولايات المتحدة، وتطوير الذكاء الاصطناعي والحوسبة السحابية وتكنولوجيا المستهلك بوجه خاص.
إلا أن فرض الرسوم الجديدة على المتقدمين للحصول على هذه التأشيرة، بالتأكيد سيقلل من عدد المنتسبين لقطاع التكنولوجيا الأمريكية خلال الأعوام المقبلة.
المستفيد من تأشيرة H-1B الأمريكية
صرح وزير التجارة الأمريكية هوارد لوتنيك، أن الهند تستحوذ على معظم تأشيرات H-1B، وهي أكبر مستفيد من هذه التأشيرات العام الماضي، حيث بلغت نسبة المستفيدين المعتمدين 71%، بينما جاءت الصين في المرتبة الثانية بفارق كبير بنسبة 11.7%، وفقًا لبيانات حكومية.
وفي النصف الأول من عام 2025، حصلت أمازون (AMZN.O) ووحدة الحوسبة السحابية التابعة لها، AWS، على موافقة لأكثر من 12,000 تأشيرة H-1B، بينما حصلت مايكروسوفت (MSFT.O) وميتا بلاتفورمز (META.O) على أكثر من 5,000 موافقة على تأشيرة H-1B لكل منهما.
وذهب لوتنيك إلى أن جميع الشركات الكبرى مستعدة لتخصيص 100,000 دولار أمريكي سنويا لتأشيرات H-1B.
وأكد على أنه تحدث مع ممثلي الشركات التكنولوجية الكبرى، وأن تلك الكيانات الكبيرة رفضت التعليق على القرار، أو لم تستجب فورًا لطلبات التعليق.
كما لم تستجب السفارة الهندية في واشنطن والقنصلية العامة الصينية في نيويورك فورًا لطلبات التعليق.
أهم حاملو تأشيرة H-1B الأمريكية
أصبح من الهام إدراك الدور المحوري الذي لعبه حاملو تأشيرة H-1B في تشكيل النظام البيئي التكنولوجي الأمريكي، والذين يقودون حاليًا كبرى الشركات الأمريكية العاملة في مجال التكنولوجيا.
- إيلون ماسك:
إيلون ماسك دخل الولايات المتحدة في البداية بتأشيرة تبادل J-1، ثم حصل لاحقًا على تأشيرة H-1B لمتابعة التدريب الأكاديمي ومشاريع الأعمال.
ماسك ذو الأصل الجنوب إفريقي/ الكندي، كان له دورًا محوريًا في نجاح شركات سبيس إكس، وتسلا، ونيورالينك، وشركة إكس، وهي الشركات التي يعمل بها آلاف المهندسين والمهنيين التكنولوجيين حول العالم.
وينسب ماسك الفضل إلى برنامج H-1B في تمكينه هو وغيره من الأفراد الموهوبين للغاية من ابتكار تقنيات رائدة، من الصواريخ القابلة لإعادة الاستخدام إلى المركبات الكهربائية المتاحة في السوق.
فيما يذهب إلى أن هجرة العقول التكنولوجية الماهرة والمواهب العالمية من خلال البرنامج، يساعد في دفع عجلة الابتكار والحفاظ على ريادة الولايات المتحدة في مجال التكنولوجيا.
For Charlie pic.twitter.com/8092jIt319
— Elon Musk (@elonmusk) September 21, 2025
- سوندار بيتشاي:
المدير التنفيذي لشركة جوجل ذو الأصول الهندية، جاء إلى الولايات المتحدة كطالب دولي، قبل أن يستقر بها من خلال برنامج تأشيرة H-1B، والذي سمح له بالانضمام إلى جوجل.
ترقى بيتشاي ليصبح الرئيس التنفيذي لشركة ألفابت، ومشرفًا على الابتكارات الرئيسية في الذكاء الاصطناعي، وجوجل كلاود، وعدد من الأجهزة التكنولوجيا مثل هواتف بيكسل وأجهزة نيست.
قادت مساهمات بيتشاي في شركة جوجل إلى التحولات التكنولوجية الكبرى، ووسعت أبحاث الذكاء الاصطناعي، والخدمات السحابية، وتطبيقات المستهلكين، مما رسخ مكانة جوجل في ريادة مجال التكنولوجيا عالميًا.
- ساتيا ناديلا:
الرئيس التنفيذي لشركة مايكروسوفت، من مواليد 1967 في مدينة حيدر أباد الهندية، انتقل إلى الولايات المتحدة الأمريكية في أوائل التسعينيات، وحصل على تأشيرة H-1B للعمل في مايكروسوفت.
تدرج في المناصب، حتى أصبح رئيسًا تنفيذيًا للشركة في عام 2014، وقاد مسيرة تحول مايكروسوفت من خلال الحوسبة السحابية والذكاء الاصطناعي وحلول المؤسسات.
ويشدد ناديلا بصورة متكررة على الدور المحوري للمهاجرين ذوي المهارات العالية في تعزيز الابتكار والنمو، مسلِطا الضوء على أن العديد من مشاريع مايكروسوفت الأكثر تأثيرًا في التحول، قادتها مواهب جلبت إلى الولايات المتحدة عبر تأشيرة H-1B.
We’re committed to creating new opportunity for people and businesses on both sides of the Atlantic, and ensuring America remains a trusted and reliable tech partner for the United Kingdom.
That’s why today we announced a $30 billion investment in the UK over four years,… pic.twitter.com/pCTFQWZ6JH— Satya Nadella (@satyanadella) September 16, 2025
- أرافيند سرينيفاس:
وصل أرافيند سرينيفاس إلى الولايات المتحدة طالبًا، واستغل تأشيرة H-1B الخاصة به للعمل في مجال أبحاث الذكاء الاصطناعي.
سرينيفاس البالغ من العمر 31 عامًا، أسس لاحقًا شركة Perplexity AI، وهي شركة تقدر قيمتها بتسعة مليارات دولار، وتقدم حلولًا متطورة للذكاء الاصطناعي عالميًا، وتسلط رحلته الضوء على الصلة بين هجرة الكفاءات والريادة في تقنيات الجيل القادم.
- إريك يوان:
يوان، مهاجر صيني، واجه رفضًا متكررًا لتأشيرته قبل حصوله على تأشيرة H-1B لدخول الولايات المتحدة.
أسس يوان تطبيق Zoom، الذي أصبح أداة أساسية للتواصل العالمي خلال جائحة كوفيد-19، التطبيق الذي دعم ملايين العاملين عن بعد والمدارس والشركات.
سمع يوان بيل غيتس يتحدث عن الإنترنت خلال فترة التسعينيات، حيث كان يوان وقتها في العشرينيات من عمره، وهنا ولد حلم يوان بالذهاب إلى وادي السيليكون في الولايات المتحدة، المكان الذي تحقق فيه العديد من الشركات الناشئة نجاحًا باهرًا.
تقدم بطلب للحصول على تأشيرة ليبدأ رحلة أحلامه في وادي السيليكون، لكنه واجه عقبة عندما رفضت الحكومة الأمريكية طلبه.
Zoom Virtual Background App is extremely easy!https://t.co/VXQuwqGKV9 pic.twitter.com/JOWmjGaq2Z
— Eric S. Yuan (@ericsyuan) August 2, 2021
وتقدم مرة أخرى، ورفض طلبه مرة أخرى أيضًا، ولكنه لم ييأس وتقدم بطلبات عدة ورفض ثماني مرات.
بعد عامين من المحاولات، تقدم يوان للمرة التاسعة وأخيرًا حصل على القبول، ووصل إلى الولايات المتحدة عام 1997، ووقتها لم يكن يجيد اللغة الإنجليزية تمامًا، لكنه كان يجيد كتابة أكواد الكمبيوتر، مما أهله للعمل في مجال الهندسة لدى شركة WebEx، وهي شركة برمجيات لمؤتمرات الفيديو.
وفي عام 2007، استحوذت شركة سيسكو على شركة ويب أكس، وترقى يوان في المناصب ليصبح نائب رئيس قسم الهندسة في شركة سيسكو.
ورغم أن راتبه كان يتجاوز المئات، إلا أنه لم يكن سعيدًا، لأنه تحدث مع العديد من عملاء ويب أكس الذين أبدوا عدم رضاهم عن خدمات مؤتمرات الفيديو التي تقدمها.
ثم خطرت له فكرة تطوير منصة تسعد العملاء، وفي عام 2011، أطلق مشروعه الجديد في شركة ناشئة، Zoom وتبعه أكثر من 40 مهندسًا من سيسكو لمساعدته في شركته الناشئة، وتم إطلاق زووم رسميا في عام 2012.
وبعد بضع سنوات فقط، أصبح لدى الشركة 1700 موظف، وأكثر من 40 مليون مشارك، وتضاعفت إيراداتها لتصل إلى 330 مليون دولار.
فيما شهدت أسهم زووم ارتفاعًا حادًا، وارتفع سعر السهم بأكثر من ضعف ما كان عليه قبل بضعة أشهر فقط، وارتفع صافي ثروة يوان الشخصية من 3 مليارات دولار إلى 7 مليارات دولار.
اقرأ أيضًا: الجوازات تحدد ضوابط مغادرة حاملي تأشيرة الزيارة العائلية
- جوتي بانسال:
البنغالي جوتي بانسال جاء إلى الولايات المتحدة بتأشيرة H-1B عام 2000، وأسس شركة AppDynamics، وهي شركة متخصصة في مراقبة البرامج.
ونمت آب دينمكس بسرعة، وتم الاستحواذ عليها مقابل 3.7 مليار دولار، مما أدى إلى خلق فرص عمل كبيرة وتعزيز بيئة التكنولوجيا.
قاد جوتي الشركة كمؤسس ورئيس تنفيذي للسنوات الثماني الأولى، ثم كمؤسس ورئيس مجلس إدارة للسنة الأخيرة، حتى استحوذت عليها شركة Cisco مقابل 3.7 مليار دولار في يناير 2017.
في عام 2017، أطلق BIG Labs، وهو استوديو للشركات الناشئة، كوسيلة لريادة الأعمال الموازية، حيث يمكنه المشاركة في إنشاء شركات تساهم في رسم مستقبل البرمجيات والتكنولوجيا.
ويشغل جوتي حاليًا منصب الرئيس التنفيذي والمؤسس المشارك لشركة Harness، وهي شركة ناشئة سريعة النمو في مجال تكنولوجيا المؤسسات، تهدف إلى إحداث ثورة في عمليات تسليم البرمجيات، وهارنيس هي أول شركة تطلقها بيج لابس.
اقرأ أيضًا: الخارجية السعودية: إصدار 208 ألف تأشيرة عمرة في الربع الثاني من 2025
تأثير زيادة رسوم تأشيرة H-1B على الاقتصاد الأمريكي
كان لحاملي تأشيرة H-1B دورٌ محوريٌ في تأسيس شركات التكنولوجيا وإدارتها وتوسيع نطاقها، وشغل مناصب تتطلب مهارات عالية، ودفع عجلة الابتكار، وتحقيق تريليونات الدولارات من القيمة السوقية.
وتعتمد شركات مثل مايكروسوفت وأمازون وجوجل وآبل، وشركات هندية الأصل مثل TCS، على هذه التأشيرات للوصول إلى المواهب العالمية، التي تعزز النمو والقدرة التنافسية في قطاع التكنولوجيا.
وغالبا ما تشكل هذه العقول الماهرة ركيزة أساسية لمراكز الابتكار، ويساهمون في الحفاظ على الريادة العالمية للولايات المتحدة في مجال التكنولوجيا، إذ تتجاوز مساهماتهم التكنولوجيا كل الحدو،د حتى أنها تؤثر على البحث والتعليم والنمو الاقتصادي على مستوى البلاد.
وقد أثارت الرسوم الجديدة على تأشيرة H-1B، البالغة 100,000 دولار أمريكي، قلقًا عالميًا، فيما حيث حذر قادة التكنولوجيا من أن مثل هذه الإجراءات قد تحد من الوصول إلى المواهب الماهرة، وتؤدي إلى تباطؤ وتيرة الابتكار.
وعلى الرغم من هذه العقبات، يواصل حاملو تأشيرة H-1B إثبات دورهم الحيوي في تشكيل المشهد التكنولوجي الأمريكي، مثبتين أن المهاجرين المهرة لا يزالون أساسيين في ابتكار البلاد وقوتها الاقتصادية.
