المطرب مروان فقي: أحلم أن يسمعني العالم.. "ترانيم المطر" رحلة شعورية وهوية فنية سعودية
في زحام المشهد الموسيقي، حيث تتشابه الأصوات وتتكرر الكلمات، يخرج صوت سعودي فريد، يحمل في نبرته شيئًا من البحر ودفء الحارة القديمة، ورؤية فنية متطلعة إلى العالمية دون أن تفقد أصالتها، إنه مروان فقي، الفنان الذي لا يغني فقط، بل يروي قصصًا وينسج مشاهد صوتية تأخذك من ضجيج المدينة إلى سكينة "ترانيم المطر".
في هذا الحوار الحصري مع "الرجل" يكشف مروان عن أسرار ألبومه الجديد، ويحكي لنا عن لحظة لقائه الأخيرة بالموسيقار الراحل غازي علي، وكيف أثرت فيه إنسانيًّا وفنيًّا.
كيف بدأت رحلتك مع الغناء؟ وما اللحظة التي شعرت فيها أن الموسيقى ستكون مسارك المهني؟
كان شغفًا لا أستطيع تفسيره تمامًا في ذلك الوقت، لكنني كنت أعلم أن الموسيقى هي ملاذي، ووسيلتي لفهم العالم والتعبير عنه، خصوصًا أنني كنت أنبهر بصوت الأذان عندما يصدح من منارات المساجد، وبالألوان الشعبية التي ترافق المناسبات والاحتفالات، ومن هنا وُلد فضولي الكبير لاستكشاف عالم الموسيقى، سواء السعودية أوالعربية. ورغم أنني كنت خجولًا ومتحفظًا إلى حد ما، ولم أكن أمتلك الجرأة للغناء أمام العائلة، لكنهم لاحظوا شغفي بالموسيقى والعزف، أما اللحظة التي أدركت فيها أن هذا هو مساري الحقيقي، فكانت عندما اعتليت خشبة المسرح لأول مرة ورغم التوتر والرهبة، غمرني شعور وكأنني أطير، فهذه اللحظة كانت نشوة حقيقية أكدت لي أن هذا هو مكاني.
الإلهام .. لحظات الفارقة
ما الدور الذي كان لأسرتك في دعم موهبتك؟
أحيانًا نولد في بيئات أو مجتمعات لا تفهم شغفنا تمامًا، لكن حين يكون الإيمان الداخلي حاضرًا، ويستمر الإصرار، يتحول الحلم مع الوقت إلى شيء واضح يراه الآخرون كما نراه نحن.. عائلتي بدأت تدعمني حين رأت جديتي وصدق طموحي، وكانت لحظة فارقة عندما اصطحبني والدي لاحقًا لأتتلمذ على الموسيقار السعودي الراحل غازي علي، الذي كان من حسن حظي أن أتعلم منه.
حدثنا عن دور الموسيقار الراحل غازي علي في مشوارك؟
كان أستاذًا وأبًا روحيًّا بمعنى الكلمة، شجعني وآمن بصوتي، وكان يقول إنني أمتلك طاقة يجب أن تُسمع، ولا شك أنه ترك أثرًا كبيرًا في تكويني الفني والشخصي.
من هم الفنانون الذين ألهموك في البداية؟
لم يكن هناك اسم معيّن ألهمني بشكل مباشر، بقدر ما كان الانبهار نفسه هو مصدر الإلهام حين أرى عملًا فنيًّا متكاملًا، سواء كان في اللحن، أو الأداء، أو التنفيذ الموسيقي، فمنذ صغري كانت لدي القدرة على التمييز بين العمل الغنائي الجيد والرديء، وكنت منفتحًا على الاستماع لأنماط موسيقية مختلفة، من الأغنية السعودية والخليجية، إلى الكلاسيكيات العربية، وصولًا إلى الجاز، والبوب، والموسيقى الكلاسيكية الغربية.
كيف ساعدك هذا التنوع الموسيقي في مشوارك الغنائي؟
هذا التنوّع ساعدني على تكوين ذائقة موسيقية واسعة، وفتح لي آفاقًا لفهم عناصر التكوين الموسيقي، حتى تمكّنت لاحقًا من بناء هويتي الفنية الخاصة.
كيف تصف اللون الموسيقي الذي يميزك عن غيرك من الفنانين؟
أحرص أن يكون ما أقدّمه صادقًا ويشبهني، وأسعى أيضًا إلى تقديم الأصالة السعودية بلغة فنية معاصرة، وربما هذا التوازن، إلى جانب حرصي على التعبير الحقيقي، هو ما يجعل لوني مميزًا لأنه نابع من قناعة داخلية، لا من محاولة لاتباع نمط أو موضة.
"ترانيم المطر"
أطلقت مؤخرًا ألبومك الجديد "ترانيم المطر" حدثنا عن كواليسه؟
"ترانيم المطر" ألبوم لم يُصنع على عجل، بل وُلد من رغبة صادقة في تقديم تجربة موسيقية تحمل هُويتي الخاصة، وتستحضر الأغنية السعودية بروح معاصرة، دون أن تفقد إحساسها الأول، حيث يحمل الألبوم في جوهره تأملًا شعوريًّا في البدايات والنهايات، وما بينهما من هشاشة وتحوّلات في العلاقات العاطفية، فأنا أوْمن بأن كل عمل فيه يشكّل مرحلة، أو لحظة، من تلك الرحلة الشعورية التي نمر بها حين نحب، ونتألم، أو أن نفهم أنفسنا من خلال الآخر.
كيف أسهم تنوع مواقع التسجيل وتعاونك مع هذا الفريق الكبير في تشكيل الهوية الموسيقية للعمل؟
يتكوّن الألبوم من 8 أعمال مختلفة، لكنها تلتقي في روح واحدة: تفاصيل وحكاية، وكنّه الغيمة، وترانيم المطر، وفيّك وضيّك، وآخر ربيع، وبعد الفراق، وأسامح ليه وأنا رايح، وكل الأغاني من تلحيني، وجرى تنفيذها بمستوى احترافي من حيث الموسيقى، والتسجيل، والإخراج الصوتي، وسُجّلت بين بودابست، والرياض، وبيروت، والقاهرة، بمشاركة فريق عمل تجاوز 150 شخصًا ما بين موسيقيين وفنيين.
اقرأ أيضًا: المصرفي السعودي مدحت الزاير: أبحث عن الأثر قبل الألقاب.. وعن الثقة قبل الأرباح
الأصالة والمعاصرة
هل تميل إلى التجديد في الأغنية السعودية الكلاسيكية أم تفضّل الحفاظ على أصالتها؟
أرى أن الأصالة والتجديد لا يتعارضان، بل يُكمل أحدهما الآخر إذا كان التجديد نابعًا من فهم عميق، لا من تقليد أو كسر عشوائي للقوالب، وأسعى لتقديم الأغنية السعودية الكلاسيكية بروح معاصرة، كما فعلت في أعمال مثل "صدّ وحسايف" و"من توادعنا"، حيث أضفت إعدادًا أوركستراليًّا وخطوطًا هارمونية لم يسبق أن خاضها أحد في هذا السياق، وهي محاولة لتوسيع حدود الأغنية مع الحفاظ على جوهرها.
كيف تختار أعمالك الغنائية؟ وهل تميل إلى الغناء من كلماتك وألحانك، أم تفضّل التعاون مع شعراء وملحنين آخرين؟
أحرص دائمًا على أن تحمل الأعمال التي أقدّمها مستوى عاليًا من الجودة الأدبية والموسيقية، سواء كانت من كتابتي وألحاني أو من خلال التعاون مع شعراء وملحنين آخرين، وما يهمني أولًا هو أن يعبّر العمل عن هويتي الفنية بصدق، ولا أبحث عن الأسماء بقدر ما أبحث عن الكلمة التي تلامسني، واللحن الذي يثير في داخلي إحساسًا حقيقيًّا.
الكلمات الصادقة لا تموت
ماذا عن أغنية "صد وحسايف" وما كواليسها؟
أشعر أن كلمات الأغنية هي من اختارتني، وصلتني في وقت كنت أعيش فيه شعورًا مشابهًا، فبدت كأنها كُتبت لي أو عني، لحنها لم يكن تقليديًّا، وكان مختلفًا، وفي أثناء التسجيل، كنا نشعر بأن الأغنية ستحقق أثرًا، لكن لم نتوقع أن تحتفظ بهذا البريق لسنوات، وأن يرددها الناس بكل هذا الحب، نجاحها منحني يقينًا بأن الأغنية الصادقة لا تموت.
ما أقرب الأغاني إلى قلبك؟
لكل عمل ذكرياته الخاصة، لكن الأقرب إلى قلبي عادةً هي الأغاني التي شكّلت نقطة تحوّل في مسيرتي، من بينها أغنية "يطول الكلام"، التي كانت بمثابة مغامرة موسيقية بكل ما تعنيه الكلمة، ونجحت في فرض لون فني مختلف، وقدّمتها بمرافقة أوركسترا فلهارمونية تضم أكثر من 80 عازفًا في بودابست.
ما التحدي الأكبر الذي واجهته كمطرب سعودي شاب في الساحة الفنية؟
التحدي هو أن تبني هوية فنية واضحة لا تُشبه أحدًا، وفي الوقت نفسه تكون قريبة من الناس، وأن تغني بلغتك وروحك، دون أن تضطر لتكرار ما سبقك إليه الآخرون، أو تسلك الطريق الأسهل من أجل الانتشار.
حلم طال انتظاره
كيف ترى تطوّر الساحة الموسيقية السعودية في ظل الانفتاح الثقافي الكبير؟
ما يحدث اليوم في الموسيقى السعودية يُشبه الحلم الذي طال انتظاره، فلم تعُد الموسيقى شيئًا هامشيًّا، بل أصبحت تُعبّر عنا، فنحن نعيش لحظة ولادة فنية جديدة، وكل هذا ما كان ليحدث لولا دعم القيادة الرشيدة، وعلى رأسها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، وسمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، اللذان فتحا الأفق أمامنا كفنانين سعوديين لنكون جزءًا من هذه النهضة الثقافية الكبرى.
هل تعتقد أن الجمهور السعودي اليوم أصبح أكثر تقبلًا لأنماط موسيقية متنوعة؟
في رأيي، الجمهور السعودي لم يكن يومًا منغلقًا، لطالما كان منفتحًا على مختلف الألوان الموسيقية، ويستمع إلى كل ما هو جميل، حتى من خارج ثقافته، مع تمسّكه الطبيعي بفنون أرضه وتراثه.
كيف تتعامل مع النقد سواء من الجمهور أو الوسط الفني؟
أتقبل النقد حين يكون صادقًا وهادفًا، خصوصًا إذا جاء من شخص يفهم طبيعة العمل الفني، فالنقد البنّاء يساعدني على التطوير، أما النقد القائم على التجريح، فلا أمنحه أكثر من حجمه، وفي النهاية، لا يمكن لأي عمل أن يُرضي الجميع.
الهدوء والإبداع
بعيدًا عن الفن، كيف يقضي مروان فقي وقته؟
أستمتع بقضاء وقتي في البيت ما بين القراءة، والرياضة، وأحرص على لقاء الأهل والأصدقاء، فهذه اللحظات تمنحني توازنًا خاصًّا، وتعيد لي هدوئي وسط زخم العمل.
ما الأشياء التي تمارسها وتعتبرها جزءًا من إلهامك الفني؟
أجد إلهامي غالبًا في المشي في الطبيعة، والهدوء، فهما يمنحاني مساحة ذهنية خالية من التشويش، فأزور الأماكن الهادئة بالمملكة، لأكون مع نفسي، وأحمل معي العود وبعض القصائد، وأترك كل شيء مفتوحًا لاحتمالات الإلهام.
"بين المقامين"
حدثني عن خططك القادمة؟
أعمل حاليًّا على دعم ألبوم "ترانيم المطر" بمحتوى بصري وتجربة مسرحية، إلى جانب تحضيرات المرحلة الأولى من مشروعي القادم "بين المقامين" الذي يقدّم الهوية السعودية بروح حديثة، كما ستُطرح قريبًا أعمال موسيقية منفردة، وما زال في جعبتي مشاريع موسيقية كبرى على مستوى الفكرة والتقنية والإنتاج، وتتطلب دعمًا مؤسسيًّا.
البطاقة التعريفة
الاسم: مروان فقي
مكان وتاريخ الميلاد: السعودية "جدة" – 5 / 5 / 1990
الحالة الاجتماعية: أعزب
الهوايات: القراءة، وزيارة الأماكن القديمة والتاريخية
المؤهل: بكالوريوس في الإعلام
المهنة: مطرب، ومؤلف موسيقي، ومنتج
