أوتار الخليج: نجوم العزف وإرث الموسيقى العربيّة
الموسيقى الخليجية أكثر من مجرد أصوات وألحان، هي نبض الحياة وروح التراث الذي يتدفق في عروق المنطقة. كل نغمة تحمل قصة، وكل عزف يروي هوية تمتد عبر البحر والصحراء، عبر العصور والحضارات.
على امتداد السنوات برز عدد من العازفين الذين لم يقتصر دورهم على العزف، بل أصبحوا سفراء لهذا التراث، ناشرين سحره محليًا وعربيًا، ليؤكدوا أن الموسيقى ليست مجرد مرافقة غنائية، بل لغة تعكس عمق التاريخ وهويّة الشعوب.
الموسيقى الخليجية
تشير الدراسات إلى ارتباط الموسيقى بالحياة البحرية مثل الغوص بحثًا عن اللؤلؤ، وبالمراسم البدوية، إلى جانب تأثيرات التبادل الثقافي مع شرق أفريقيا، الهند، الفرس، والمناطق الداخلية للجزيرة العربية.
يختلف الأداء الموسيقي بين المجتمعات البدوية والحضرية، وبين سكان البر وسكان البحر، إذ يحتفظ الغناء البحري والفنون التقليدية مثل الرباعي والرديفة والدهة بمكانتها، بينما تستوعب الفنون الحضرية مقامات عربية وآلات موسيقية من مناطق أخرى.
كما لعبت المدن مثل مكة والمدينة والطائف دورًا في نقل الأنماط الحجازية، وتأثرت بعض الأغاني الحديثة بالفن الشعبي لتصبح امتدادًا للفن الأصيل.
ويؤكد الباحثون أن الحفاظ على التراث يتطلب توثيقًا ودعمًا من المجتمع والفنانين، وليس فقط من الحكومات، لضمان استمرار هذا الفن وربطه بالحاضر.
اقرأ أيضًا: المملكة تستضيف النسخة الثانية من مسابقة إنترفيجن العالمية للموسيقى
أبرز العازفين على العود في الخليج
سالم الحويل
وُلِد العازف والمطرب السعودي عام 1928 في مدينة حائل، قبل أن ينتقل مع والدته إلى الرياض وهو رضيع، حيث نشأ في كنف عائلة الأمير عبدالله بن عبد الرحمن. تلقى تعليمه الأول على يد المربي عثمان الصالح، لكنه غادر الدراسة ليعود إلى مسقط رأسه بحثًا عن والده.
أظهر الحويل شغفًا مبكرًا بالموسيقى، فأتقن العزف على آلة السمسمية في سن الخامسة عشرة وقرر دخول عالم الفن. لاحقًا انتقل إلى مدينة الظهران حيث التقى الفنان الكويتي أبو كافي، وبدأ تعلم العزف على آلة العود، مشاركًا في حفلات الأعراس والأندية الرياضية.
ذاع صيته سريعًا كعازف موهوب، وتجاوزت شهرته حدود المملكة، ليصبح أحد أبرز الأسماء في الموسيقى الخليجية، حاملاً تراثه إلى مختلف الأقطار العربية.
فتى نجران
مانع بن محمد بن هامل آلمبطي، المغني الشعبي السعودي، يُنسب إليه الفضل الأكبر في إحياء الفلكلور الشعبي النجراني. انطلقت مسيرته الغنائية أواخر عام 1989 من خلال سلسلة جلسات غنائية شعبية شكلت له قاعدة جماهيرية واسعة.
ورغم شعبيته الكبيرة، حرص آلمبطي أن يظل صوته وموهبته في المقدمة، متجنبًا التركيز على ظهوره الشخصي أو التسويق الذاتي، مما جعل معظم جمهور المتابعين لا يعرفون شكله.
اشتهر ببراعته في العزف على آلة العود وآلة المرواس، وترك بصمة خاصة في الموسيقى الخليجية من خلال أغنية "خيوط المستحيل" للشاعر محمد الشنافي، والتي قدّمها ضمن إحدى جلساته الفنية المميزة.
فهد بن سعيد
يُعدّ وحيد الجزيرة أحد أبرز الأصوات الكلاسيكية في تاريخ الأغنية السعودية. نشأ يتيمًا بعد وفاة والدته المبكرة وغياب والده في القصيم، ليواجه طفولة قاسية مليئة بالوحدة والعمل اليدوي لإعالة نفسه، ما ترك أثره في عمق الحزن الذي تميّزت به أعماله الغنائية.
بدأت رحلته الموسيقية بعزف "السمسمية"، قبل أن يقع في غرام آلة العود في سن الثالثة عشرة، وجمع المال ليسافر إلى الطائف لشراء أول عود امتلكه. شكل لقاءه بالشاعر سليمان بن حاذور والملحن عبد الله السلوم نقطة تحول في مسيرته، إذ وفّرا له الدعم الفني ثم أتاحا له فرصة الانطلاق، وحمل لقب "وحيد الجزيرة".
امتدت مسيرته الفنية من الستينيات حتى منتصف الثمانينيات، محتكرًا الغناء الشعبي وموازنًا بين الأصالة والتجديد، مؤكدًا أن الفن الشعبي هو الأصل الذي يجب الحفاظ عليه. اعتزل الغناء عام 1991 لأسباب دينية، ورحل عام 2003 تاركًا إرثًا خالدًا لا يُنسى.
عادتك لي يا مشغل البال نوماس
خليتني عقب النكد في سعاده
.#فهد_بن_سعيد pic.twitter.com/bRxPh6afhU— الفنان فهد بن سعيد (@bythwfn_alwadi) November 11, 2022
أهم عازفي الكمان والآلات الشرقية الخليجية
الدكتور أحمد الصالحي
إنه موسيقيّ وباحث كويتي متخصص في الموسيقى الشرقية الكلاسيكية، يجيد العزف على الكمان والعود، ويمتلك مجموعة نادرة من أقدم الآلات العربية والتركية.
هو المؤسس المشارك لموقع www.zeryab.com الذي يضم أندر التسجيلات الموسيقية العربية والتركية، كما يحاضر بدوام كامل في معهد الموسيقى الشرق أوسطية في الكويت، ناقلاً خبراته لجيل جديد من العازفين والباحثين.
عبادي الجوهر
فنان سعودي من مواليد 1953، يُعرف بلقب "أخطبوط العود" لبراعته الفائقة على هذه الآلة، وشهادات كبار الموسيقيين العرب مثل محمد عبدالوهاب وعمار الشريعي ومنير بشير أكدت موهبته.
نشأ الجوهر في بيئة صعبة بعد وفاة والده، لكنه برز في العزف والغناء منذ الثانية عشرة، وقضى ساعات طويلة في التدريب ليصبح أحد أبرز العازفين في جيله.
بدأ مسيرته الفنية بتشجيع طلال مداح، وقدم عشرات الألحان لنجوم كبار مثل طلال مداح ونجاة الصغيرة، وارتبط اسمه بأغانٍ شهيرة مثل "تدرين وأدري بنفترق"، و"المزهرية"، و"سكة طويلة"، كما شارك في أوبريت الجنادرية وقدم أناشيد وطنية بارزة مثل "هذا السعودي" و"أغلى بلد".
اقرأ أيضًا: عروض عسكرية وموسيقية في "عز الوطن" احتفاءً باليوم الوطني 95
صالح وداوود الكويتيان
الأخوان من أصول كويتية يُعدان من الشخصيات المحورية في تطور الموسيقى العربية والعراقية منتصف القرن العشرين، انتقلا إلى العراق لتأسيس هوية موسيقية حديثة تجمع المقامات العربية بالألحان المعاصرة. ولحنا لمطربين كبار مثل سليمة مراد ومنيرة الهوزوز وزكية جورج، وأنتجا نحو 500 لحن، بما في ذلك أول موسيقى تصويرية لفيلم عراقي عام 1947.
رغم المصاعب، يظل إرثهما حيا من خلال ألحانهما التي أثرت في الأجيال، ومن بينهم حفيدهما "دودو تاسا" الذي أعاد إحياء بعض أعمالهما بلمسات جديدة.
إلياس ياسين
ياسين، من مواليد ينبع الساحلية على البحر الأحمر، يعد من أبرز الوجوه في المشهد الموسيقي السعودي، ويتقن العزف على الكمان والعود والقانون. بدأ شغفه بالموسيقى منذ سن الثامنة متأثرًا بوالده وأشقائه، بحيث تعلّم أساسيات العزف على السمسمية والقانون في المنزل قبل أن يطور مهاراته ذاتيُا لسنوات طويلة.
قادته رغبة الاحتراف إلى القاهرة، حيث درس على يد الموسيقار عبده داغر في دار الأوبرا المصرية، وأكمل تعليمه في كلية التربية الموسيقية بجامعة حلوان. منذ عودته إلى السعودية، شارك في فعاليات موسيقية في جدة والرياض، ونال تقدير الفنان عبادي الجوهر عام 2019، كما كرّمته وزارة التجارة والصناعة عام 2020.
حاز ياسين على جائزة مهرجان وتريات 2019 وجائزة التميز الإعلامي 2020، ويطمح لتأسيس أكاديمية موسيقية في ينبع لدعم الشباب، معبرًا عن أمنيته بأن يكون أول عازف كمان سعودي يمثل بلاده على المسارح العالمية، مستلهمًا روح الإصلاح الثقافي لمشروع رؤية السعودية 2030.
تشرفت بالمشاركه في احتفالات #اليوم_الوطني_السعودي_94 في #ينبع
وقدمت مجموعه من الاغاني الوطنيه على الة الكمان في امسيه وطنيه خاصه وحضور راقي 🇸🇦❤️#عازف_الكمان_السعودي #الياس_ياسين
شكرا #اصول_القهوه #اليوم_الوطني #تركي_آل_الشيخ #صباح_الخير pic.twitter.com/ubFNx9DAPu— الياس ياسين (@Elyasyaseen71) September 24, 2024
الجيل الجديد من العازفين الخليجيين
أحمد علي المنصوري
المنصوري، عازف العود الإماراتي الشاب، برز مؤخرًا بعد انضمامه لبيت العود وإتمامه البرنامج الخاص لمدة عامين في 2017. نشأ على حب الموسيقى وبدأ العزف على البيانو في سن الثالثة عشرة، لكنه وقع في عشق العود، وتعلّم على يد خبراء بارزين مثل نصير شمة، والموسيقي المصري أحمد عبد الستار، وخالد محمد علي صاحب المدرسة التركية في العزف. منذ ذلك الحين، بدأ في إحياء العديد من الحفلات الموسيقية التي أكسبته شهرة متنامية على الساحة الفنية.
ياسر أشرف
ياسر، موسيقي وعازف عود سعودي شاب، نشأ بداخله حب الموسيقى والعزف منذ الجلسات الطربية التي كان يستمع إليها، وتأثر بجمال آلة العود وسحر ألحانها.
في تصريحات تليفزيونية، كشف أنه فاجأ عائلته بعزفه المبكر على العود، وأكد عزمه دراسة العود أكاديميًا، بحثًا عن المعاهد المتخصصة لتعميق مهاراته، كما عبّر عن رغبته في صقل موهبته وتطويرها خلال الفترة المقبلة.
إبراهيم الدبعي
الدبعي، موسيقيّ وعازف عود إماراتي، بدأ رحلته مع العود بالصدفة عام 2011، عندما لاحظ آلة العود لدى أحد أقاربه وقرر تجربتها. في لقاء تلفزيوني، روى أنه نسي ابن خاله العود في المنزل فبدأ العزف عليه، واستمر في التعلم تحت إشرافه حتى أتقن الأساسيات.
وأضاف أنه يعمل على تطوير نفسه من خلال الاستماع للعزف على أغانٍ متنوعة، ويستمتع بعزف ألحان أم كلثوم ومحمد عبدالوهاب، بالإضافة إلى مهارته في أداء المقامات العراقية المختلفة.
