هل تحاول دائمًا إصلاح من حولك؟ انتبه.. قد تكون ضحية "عقدة المنقذ"
قد يقع أحد أحبابك في مشكلة، فتهرع إلى مساعدته وإصلاح مشكلته، وربّما تنجح في حلها، ولكنك ربما تكون بذلك قد فتحت على نفسك بابًا لا يُغلَق؛ إذ صار كلّ قريب وصديق لك، يرى رغبتك في المساعدة، ويستغلّها لصالحه.
نعم، ربّما لا ترى أي استغلالٍ فيما تفعل، وتساعِد الآخرين طواعية برغبة من نفسك، ولكن هل هذا صحيح دائمًا، أم أنّك مُصاب بـ"عُقدة المنقِذ"؟ وإذا كانت لديك، فكيف تساعد الآخرين مع وضع حدودٍ صحية؟
ما معنى "عقدة المنقذ" من الناحية النفسية؟
من الطبيعي أن ترغب في مساعدة الآخرين، خاصةً إذا كانوا أقاربك أو أحباءك، لكن عقدة المُنقِذ أو "متلازمة الفارس الأبيض" تصف الحاجة إلى إنقاذ الناس من خلال إصلاحك لمشكلاتهم، وهذا قد يكون له آثار سلبية على صحتك وعلاقتك بالآخرين أيضًا.
فإذا كانت لديك "عُقدة المنقِذ" تلك، فقد:
- لا تشعر بالرضا عن نفسك إلّا عندما تساعد شخصًا ما.
- تعتقد أنّ مساعدة الآخرين هي هدفك.
- تنفق الكثير من الطاقة في محاولة إصلاح الآخرين، حتى ينتهي بك الأمر إلى الاحتراق النفسي.
السمات البارزة للأشخاص المصابين بـ"عُقدة المنقِذ"
حسب الخبراء، فإنّ ميول المنقِذ قد تنطوي على تخيّلات حول القدرة المطلقة؛ إذ يعتقد أنّ هناك شخصًا قادرًا بمفرده على جعل كل شيءٍ أفضل، وهذا الشخص هو المنقِذ نفسه، وفيما يلي بعض العلامات التي تدلّ على ميول شخصية لوجود "عُقدة المنقِذ" لدى الإنسان:
1. الانجذاب للضعف:
يحاوِل المنقِذ في العلاقات إنقاذ الشريك من الضيق، بل قد يشعر بانجذاب خاصٍ إلى الأشخاص الذين واجهوا مشكلات كثيرة في الحياة، ربّما أكثر من غيرهم في المُعتاد.
وهذا قد يحدث لأنّ المُصاب بـ"عُقدة المنقِذ"، قد عانى ألمًا وضيقًا من قبل، ولديه تعاطف كثير مع الآخرين، فيرغب في إزالة هذا الألم منهم.
2. محاولة تغيير الناس:
كثيرٌ ممن لديهم "عُقدة المنقذ"، يعتقدون أنّهم يمتلكون قدرة كاملة في التأثير في الآخرين؛ أي أنّهم يعتقدون أنّهم يعرفون تمامًا ما هو الأفضل لمن يرغبون في مساعدتهم، ومِنْ ثمّ فقد يحاولون تحسين حياة الآخرين من خلال تغيير سلوك معين، أو تغيير حياتهم المهنية، أو تشجيعهم على هواية جديدة أو غير ذلك.
وعمومًا فإنّ تغيّر أي شخصٍ، يجب أن يصدر من نفسه؛ إذ لا يمكِن إجبار أحد على التغيير، ومِنْ ثمّ فغالبًا ما تكون جهود المنقِذ ذات نتائج كبيرة.
اقرأ أيضًا:عندما يتعاطف الجاني مع الضحية: متلازمة ليما!
3. محاولة البحث الدائم عن حلّ:
لا يوجد حل فوري لكل مشكلة، خاصةً المشكلات الكبيرة، لكن يعتقد المنقِذون أنّه يتعيّن عليهم إصلاح كل شيء، فهم كثيرًا ما يهتمون بإصلاح المشكلة أكثر من الشخص الذي يتعامل مع المشكلة فعليًا.
ومن المؤكّد أنّ تقديم النصيحة أمر جيد، لكن من المهم أيضًا السماح للآخرين بالتعبير عن الأمور الصعبة التي يمرّون بها.
4. تقديم الكثير من التضحيات الشخصية:
بالتأكيد لن ينجح المنقِذ في مساعدة الآخرين وحلّ مشكلاتهم، إلّا بكثير من التضحيات، فقد يضحِّي باحتياجاته الشخصية، ويبالِغ في بذل الجهد لرعاية أشخاص، قد لا يحتاجون إلى المساعدة فعليًا، وهذه التضحية قد تتضمن وقتًا أو أمولًا أو حتى المشاعر والعواطف.
وتتضمّن عُقدة المنقِذ شعورًا بما يُسمّى المازوخية الأخلاقية، أو التخريب الذاتي بدافع الإحساس بالواجب الأخلاقي؛ أي قد يؤذي الشخص نفسه أو يضحّي بمصالحه عمدًا لأسبابٍ يراها أخلاقية.
5. الاعتقاد بأنّك الوحيد القادر على المساعدة:
في كثير من الأحيان، يرغب المنقذون في إنقاذ الآخرين، لاعتقادهم أن لا أحد آخر يستطيع فعل ذلك غيرهم.
6. المساعدة لأسبابٍ خاطئة:
يحاول المنقِذ إنقاذ الآخرين، لأنّه يشعر أنّه يجب عليه فعل ذلك، بغض النظر عن احتياجاته الخاصة، بل قد يعتقد أنّ احتياجاته أقل أهمية، فأنت لا تساعد فقط عندما يكون لديك الوقت والموارد، بل تتكلّف فوق طاقتك، لأنّك ترى أنّ هذا هو الشيء الصحيح الذي يجب فعله.
اقرأ أيضًا:متلازمة الميزوفونيا.. لماذا قد تزعجك أصوات مضغ الطعام؟
الأسباب التي تدفع البعض لتبني دور المنقذ دائمًا
لا يُوجَد سبب معروف لرغبة بعض الناس الشديدة في إنقاذ أو إصلاح مشكلات غيرهم، لكن هناك عِدّة عوامل، يمكن أن تؤدي إليها، مثل:
1. التعامل مع صدمة أو حُزن:
يمكن أن يكون التعامل مع صدمة أو حُزن، سببًا للوقوع في عُقدة المنقِذ، خاصةً عندما يشعر الشخص بالذنب لعدم قدرته على مساعدة شخص مهم في حياته؛ إذ يحاوِل تعويض ذلك من خلال مساعدة الآخرين.
وهذا العامل "التعامل مع صدمة أو حزن"، يمكِن أن يؤثِّر في أي شخصٍ في أي عُمر، لكن قد يكون أثره أكبر، خاصةً في مرحلة الطفولة.
2. الإجبار على تحمل مسؤوليات الكبار:
قد يكون الإجبار على تحميل مسؤوليات الوالدين في أثناء الطفولة سببًا من أسباب "عُقدة المنقِذ"، مثل الطفل الذي يكبر مع مسؤولية رعاية أحد الوالدَين مثلًا لسبب أو لآخر.
3. تدنِّي احترام الذات:
يمكن أن يؤدي تدنِّي احترام المرء لذاته إلى وجود عُقدة المنقِذ، وبغض النظر عن سبب انخفاض احترام الذات، فإنّه قد يكون من أسباب الرغبة الشديدة في إصلاح مشكلات الآخرين، وإنقاذهم من منظور المُصاب بتلك العُقدة.
4. وجود مشكلات في العلاقات:
قد يواجِه المصابون بـ "عُقدة المنقذ"، مشكلات في علاقاتهم مع العائلة أو الأصدقاء، وغالبًا ما يجدون أنفسهم عُرضةً للاستغلال من قِبل الآخرين، إذ يعتقد الأشخاص المقرّبون ممن لديه "عُقدة المنقِذ" أنّه سوف يعتني بهم دون أي اعتبارٍ لاحتياجاته هو، وهذا يؤدي إلى علاقة سامة من جانب واحد؛ إذ تُخترَق حدود ومشاعر هذا الشخص، ومِنْ ثمّ فقد لا يدرِك احتياجاته وحدوده، ويحاول دائمًا إصلاح مشكلات الآخرين، دون أن يعتني بنفسه أو أن يضع حدودًا واضحة لا يتجاوزها الآخرين.
اقرأ أيضًا:"متلازمة الشخصية الرئيسة".. عندما تكون بطل روايتك ومحورها!
التأثيرات السلبية لعقدة المنقذ على العلاقات والصحة النفسية
قد لا تؤدي رغبة الشخص في إنقاذ الآخرين إلى النتائج التي يرجوها، في كثير من الأوقات، بل حتى لو تغيّر الشخص بسبب جهودك، فهذا التأثير قد لا يدوم طويلًا، إلّا إذا أراد حقًا تغيير نفسه، لذا يمكِن لـ"عُقدة المنقِذ" أن تحمل تأثيرات سلبية عليك، والتي تضمّ حسب "Healthline":
1. اضطراب العلاقات:
ما دُمت تعتقد أنّ زوجتك أو صديقك أو أي شخصٍ آخر، هو مشروع إصلاح صعب، لكن يحمل إمكانات كبيرة، فإنّ العلاقة قد لا تنجح؛ إذ إنّ معاملة الأحباء كأشياء مكسورة بحاجةٍ إلى إصلاح، يمكِن أن يتركهم محبطين ومستائين، فالناس لا يحبون أن يشعروا كما لو أنّهم غير محبوبِين كما هُم.
2. الشعور بالفشل:
مع عقلية المنقذ، يعتقد الشخص أنّه قادر على إصلاح مشكلات الآخرين، لكن واقعيًا الأمر ليس كذلك، لذا ينتهي به المطاف إلى مواجهة الفشل مرة تلو الأخرى، بما قد يؤدي إلى مشاعر مُزمنة من النقد الذاتي، وعدم الكفاءة والإحباط والشعور بالذنب.
3. التقلّبات المزاجية:
قد ينتهِي المطاف بالمُنقِذ إلى مشاعر غير سارّة، مثل الاكتئاب أو الغضب تجاه الأشخاص الذين لا يريدون مساعدتك، أو الإحباط من نفسك ومن الآخرين.
4. الاحتراق النفسي
لا شكّ أنّ المحاولة الشديدة في إصلاح مشكلات الآخرين، تستنزف الإنسان تمامًا، بما قد لا يُبقِي أي طاقة لديه لنفسه، ومِنْ ثمّ فقد يعانِي احتراقًا نفسيًا، وشعورًا بالتعب والاستنزاف.
كيف تتخلص من عقدة المنقذ وتضع حدودًا صحية؟
ختامًا؛ مساعدة الآخرين أمر جيد بالطبع، لكن مع وضع حدود صحية، فلا تستنزف نفسك تمامًا، ولا تقع فريسة للاستغلال في علاقتك بالآخرين لرغبتك الجيدة في مساعدتهم، لذا فيما يلي بعض النصائح للتخلص من عُقدة المنقِذ، ومساعدة الآخرين بشكلٍ طبيعي وبحدودٍ صحية:
1. رصد سلوكيات المُنقِذ:
أولًا يجب أن ترصد سلوكيات عُقدة المنقِذ لديك، كي تتعامل معها، وابدأ بسؤال نفسك، لماذا تشعر أنّه من الضروري مساعدة الآخرين على حساب نفسك طوال الوقت؟ ما هو دافعك؟ قد يساعدك ذلك على اكتشاف سبب رغبتك تلك، والتعامل مع هذا السبب.
2. الاعتناء بالنفس:
هذا يعني تعزيز إحساس بقيمة الذات واحترامك لذاتك؛ إذ ينبغي أن تقرِّر أنّ رضا الآخرين أو اعترافهم بقِيمتك، لن يكون محور تركيزك الوحيد، بل حدِّد أهدافك الخاصة وخصِّص وقتًا للعمل على تحقيقها، كي تستمد قيمتك الذاتية من أمور أخرى، وليس مساعدة الآخرين حصرًا.
3. ضع حدودًا وتعلّم قول "لا":
يجب أن تضع حدودًا واضحة، وأن تتعلّم قول "لا"، واعلم أنّ بعض الأشخاص الذين استفادوا من عُقدة المنقذ لديك، لن يرغبوا في سماع تلك الكلمة، ولا تكن مُنزعِجًا من ذلك.
بالطبع، قد تكون هناك أوقات يجب فيها ترك كل شيء لمساعدة شخصٍ ما، لكن إدراك الأسباب الكامنة وراء الفعل، وعدم المبالغة في رغبتك في المساعدة، يُحدِث فرقًا كبيرًا في حياتك وصحتك النفسية وأيضًا علاقتك بالآخرين.
