السعودية تطلق «هيوماين تشات» المدعوم بـ«علّام 34B».. أول ذكاء اصطناعي عربي متكامل
في مشهد يختصر طموح المملكة العربية السعودية المتسارع نحو ريادة التقنية عالميًا، أعلنت شركة "هيوماين HUMAIN" التابعة لصندوق الاستثمارات العامة السعودي عن إطلاق تطبيق المحادثة الذكي "هيوماين تشات"، المدعوم بأول نموذج لغوي عربي متقدم في العالم "علّام 34B".
هذا النموذج الفريد لا يكتفي بالحديث باللغة العربية ببلاغة، بل يفهم تفاصيلها العميقة ولهجاتها المتنوعة، ويعكس في الوقت ذاته الثقافة الإسلامية والقيم المحلية والتراث العربي، ليقدم تجربة غير مسبوقة لملايين المستخدمين الناطقين بالعربية.
إطلاق "هيوماين تشات" لا يُمثّل مجرد تدشين تطبيق جديد في سوق مزدحم بالروبوتات الذكية، بل هو- كما وصفه طارق أمين الرئيس التنفيذي للشركة- "إعلان واضح أن العالم العربي يمتلك القدرة على ابتكار وتدريب وتشغيل ذكاء اصطناعي بمستوى عالمي، وبمعاييره الخاصة".
ذكاء اصطناعي بآفاق لا حدود لها…
هيوماين تشات صُنع بفخر في السعودية، يفهم كلماتك، ويستوعب عالمك، ويحاكي تفكيرك، ويتحدّث لهجتك! مستوحى من ثقافتنا العربية ومبني على نموذج علّام 34B.
حمّل التطبيق الآن واكتشف الذكاء الاصطناعي الذي يعكس هويتنا وينطق لغتنا: https://t.co/i0QTZHssZB… pic.twitter.com/vdVtWFhJFC— HUMAIN (@HUMAINAI) August 25, 2025
ذكاء اصطناعي بملامح عربية وإسلامية
ويكمن الاختلاف الجوهري في "هيوماين تشات" في أنه لا يعامل اللغة العربية كإضافة ثانوية، كما تفعل النماذج العالمية، بل يضعها في قلب التجربة، حيث إن النموذج قادر على التحدث والتفاعل بالعربية الفصحى واللهجات المحلية مثل المصرية واللبنانية والشامية والسعودية، إلى جانب الإنجليزية، بل ويمكنه التبديل بسلاسة بين اللغتين في الحوار نفسه.
ولكن ما يجعله أكثر تفرّدًا هو بنيته الأخلاقية والثقافية. فالنموذج مصمم ليتماشى مع القيم الإسلامية والموروث الثقافي، ليخاطب المستخدمين بلغتهم ومفرداتهم، وبما ينسجم مع واقعهم الاجتماعي. وهذا يعالج أحد أبرز التحديات التي عانت منها المنطقة لسنوات: شعور المستخدم بأن أدوات الذكاء الاصطناعي صُممت في وادي السيليكون لأشخاص آخرين، وليس له.
«علّام 34B».. أكثر من مجرد نموذج لغوي
ويحمل النموذج الذي يقف خلف "هيوماين تشات" اسم "علّام ALLAM"، وهو ثمرة عمل فريق بحثي يضم أكثر من أربعين باحثًا وخبيرًا، بينهم حملة شهادات دكتوراه في مجالات متخصصة.
وتم تدريب "علّام" على أكثر من 500 مليار كلمة، استُقيت من مصادر متنوعة تشمل كتبًا وصحفًا ورسائل دكتوراه ومواد طبية وعلمية، إلى جانب إشراف بشري مباشر لضمان دقة وجودة الإجابات. وهذه المنهجية جعلت من "علّام" ليس مجرد قاعدة بيانات ضخمة، بل عقلاً اصطناعيًا قادرًا على التعلم، التحليل، والتفاعل بسياق ثقافي ولغوي عربي أصيل.
صُنع هيوماين تشات في السعودية، وهو مبني على نموذج علّام، ليكون المساعد الذكي لكل ناطق بالعربية حول العالم.
يجمع التطبيق بين الأوامر الصوتية ثنائية اللغة، والوصول المباشر للمعلومات في تجربة استخدام سلسة، لبداية عصر جديد للذكاء الاصطناعي.
فخر سعودي يجسّد الأصالة.
حمّل التطبيق… pic.twitter.com/ErGq8UGJTf— HUMAIN (@HUMAINAI) August 26, 2025
سيادة رقمية.. من الرياض إلى العام
ومن أبرز ما يميز "هيوماين تشات" أن تطويره وتدريبه واستضافته تم بالكامل داخل المملكة العربية السعودية. ففي عالم تهيمن فيه النماذج المدربة على بيانات إنجليزية والمستضافة على خوادم غربية، يمثّل هذا المشروع إعلانًا قويًا عن السيادة الرقمية السعودية.
كما يتماشى هذا التوجه مع رؤية السعودية 2030، التي تضع الابتكار الرقمي ركيزة أساسية للتحول الاقتصادي، حيث إن المملكة العربية السعودية لا تريد أن تكون مجرد مستهلك للتكنولوجيا، بل صانعًا لها، وفق معاييرها وهويتها الخاصة.
تصريحات تكشف الطموح
وكشف ياسر العنيزان، نائب الرئيس التنفيذي في "هيوماين HUMAIN"، لـ"الشرق" أن الشركة تعمل أيضًا على تطوير حاسوب بذكاء اصطناعي مدمج سيتم إطلاقه خلال الأشهر المقبلة. وقال: "لدينا نسخ داخلية يستخدمها موظفو الشركة يوميًا لتحسينها، وسيكون الجهاز جاهزًا للإطلاق قريبًا. إنه ليس كمبيوترًا عاديًا، بل حاسوب ذكاء اصطناعي بالكامل.
وأكد العنيزان، أن إطلاق "هيوماين تشات" جاء بعد استثمارات كبيرة، وأن الخطوة التالية تتمثل في جمع آراء وتعليقات المستخدمين لمواصلة تطوير النموذج.
أما الرئيس التنفيذي طارق أمين، فقد شدد في مقابلة مع "الشرق الأوسط"، على أن المشروع ليس مجرد منتج تقني، بل تأسيس لمنظومة ابتكار وبحث عربية، قائلاً: "لماذا لا ننشئ اتحادًا لتطوير نموذج ذكاء اصطناعي يعكس ثقافتنا وقيمنا؟".
#HUMAINChat is LIVE!
Today marks a moment of pride - not only for @HUMAINAI but for all of Saudi Arabia with the launch of HUMAIN Chat, powered by ALLAM34B, the most advanced Arabic-first LLM built in the Arab world fluent in our culture, our values, and our heritage.
It was… pic.twitter.com/6kQoBvypPg— Tareq Amin (@TareqAmin_) August 25, 2025
استراتيجية استثمارية عابرة للحدود
ولا تتوقف طموحات "هيوماين HUMAIN" عند تطوير النماذج والتطبيقات، بل تشمل استثمارات واستحواذات استراتيجية في مجال الذكاء الاصطناعي عالميًا.
حيث أوضح العنيزان، أن الشركة تتبنى استراتيجية تقوم على التعاون مع شركات رائدة، إلى جانب الاستحواذ على كيانات متخصصة غير متوفرة محليًا، في خطوة تهدف إلى توسيع قدراتها وتسريع تطورها.
كما كشفت الشركة عن خطة لإطلاق صندوق استثماري بقيمة 10 مليارات دولار لدعم شركات التكنولوجيا الناشئة، بما يعزز مكانة المملكة العربية السعودية كلاعب محوري في الاقتصاد الرقمي العالمي.
شراكات تقنية عالمية
وخلال زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب إلى عاصمة المملكة العربية السعودية، الرياض، وقّعت "هيوماين HUMAIN" اتفاقيات مع شركتي "إنفيديا، وAMD" لتأمين شرائح متطورة لمراكز بيانات عملاقة تخطط السعودية لبنائها بطاقة تصل إلى 1.9 غيغاواط بحلول 2030.
وتمثّل هذه المراكز البنية التحتية السيادية للذكاء الاصطناعي، وتوفر قوة حوسبية هائلة لتدريب وتشغيل نماذج ضخمة مثل "علّام"، بما يضمن تفوقًا تقنيًا مستدامًا.
من المحلية إلى العالمية.. دلالات أوسع
وبالرغم من أن "هيوماين تشات" صُمم بالأساس للعالم العربي، إلا أن دلالاته عالمية، فهو يثبت أن بناء نماذج ذكاء اصطناعي محلية متخصصة أمر ممكن وفعّال، كما قد يفتح الباب أمام موجة جديدة من الذكاء الاصطناعي السيادي في مناطق أخرى مثل إفريقيا وجنوب آسيا وأمريكا اللاتينية، حيث تُصمم النماذج بما يعكس لغاتها وقيمها الخاصة.
وبهذا المعنى، لا تطوّر المملكة العربية السعودية مجرد أداة محلية، بل تضع ملامح نموذج عالمي جديد: ذكاء اصطناعي يُبنى محليًا ليخدم مجتمعه أولاً.
ذكاء اصطناعي منّا ولنا.. صُمم بأيدينا ليعكس هويتنا.#هيوماين_تشات #آفاق_لا_حدود_لها pic.twitter.com/8vc1JBotwP
— HUMAIN (@HUMAINAI) August 25, 2025
قيمة ملموسة للمستخدمين
ولا يُعد "هيوماين تشات" من منظور المستخدم مجرد تطبيق محادثة، حيث إنه مساعد افتراضي يفهمه بحق، يتحدث بلهجته، يبدل بين العربية والإنجليزية بسلاسة، ويخاطبه ضمن سياق ثقافي وأخلاقي مألوف.
كما أن استضافة البيانات محليًا داخل المملكة العربية السعودية تعزز الثقة والأمان، وتفتح الباب لاستخدام التطبيق في مجالات حساسة مثل التعليم، الصحة، الخدمات الحكومية، والإعلام.
وكل ذلك يجعل التطبيق أكثر من مجرد أداة محادثة، بل منصة يمكنها التأثير في الحياة اليومية لملايين المستخدمين.
منظومة متكاملة للذكاء الاصطناعي
وتقف وراء "هيوماين تشات" رؤية أوسع لشركة "هيوماين HUMAIN"، التي تصف نفسها بأنها تبني منظومة متكاملة للذكاء الاصطناعي، تشمل: مراكز بيانات متطورة قادرة على التعامل مع احتياجات الحوسبة العملاقة، وحوسبة سحابية سيادية مصممة للأمان والتوسّع، ونماذج لغوية ضخمة مثل "علّام" ونماذج صوتية تفاعلية، ومنصة بيانات ذكية لإدارة دورة حياة البيانات من الجمع إلى التحليل، بالإضافة إلى تطبيقات وحلول ذكية تمتد من المدن الذكية إلى الطاقة والأسواق المالية.
وتجعل هذه الركائز من "هيوماين HUMAIN" شريكًا رئيسيًا في رسم ملامح مستقبل الذكاء الاصطناعي محليًا وعالميًا.
تفخر هيوماين بتمثيل الابتكار السعودي على الساحة العالمية.
في مؤتمر #Interspeech2025، قدّم فريقنا البحثي أعمالاً رائدة في تحويل النص العربي إلى صوت (TTS)، وتقييم النطق وجودته، وبناء مجموعات بيانات للتناوب بين اللغات، لترسيخ معايير جديدة في أبحاث وتقنيات اللغة العربية.من تلاوة… pic.twitter.com/CH6hNHKzpI— HUMAIN (@HUMAINAI) August 24, 2025
أكثر من مجرد تطبيق.. إعلان هوية ومستقبل
قد يبدو "هيوماين تشات" للوهلة الأولى مجرد تطبيق محادثة جديد، لكنه في جوهره إعلان عن السيادة، الهوية، والمنافسة العالمية، حيث إنه بمثابة رسالة واضحة أن الثورة التكنولوجية القادمة لن تُكتب فقط في وادي السيليكون، بل أيضًا في عاصمة المملكة العربية السعودية، الرياض، وعواصم المنطقة.
ومع بدء انتشار التطبيق بين المستخدمين، لا تكمن أهميته فقط في عدد من سيستخدمه، بل في تغيير النقاش العالمي حول الذكاء الاصطناعي: لمن يُصمَّم؟ ومن يحدد هويته؟
بداية فصل جديد
بإطلاق "هيوماين تشات" المدعوم بـ"علّام 34B"، لا تُعلن المملكة العربية السعودية فقط عن إنجاز تقني ضخم، بل عن رؤية جديدة للعالم الرقمي، حيث يكون الذكاء الاصطناعي محلي الهوية، عالمي الطموح، وإنسانيًا في قيمه.
هذه ليست نهاية الطريق، بل بدايته. فكما تقول شركة "هيوماين HUMAIN" في شعارها: "نبتكر من أجل المستقبل.. عالم لا مستحيل فيه". وبينما تواصل المملكة العربية السعودية رسم ملامح ذكاء المستقبل، يبدو أن هذا المستقبل سيُكتب- لأول مرة- بالعربية.
