استراتيجية "أفشل أولًا": كيف يساعدك التفكير العكسي على تجنب العثرات
من البديهي أننا عندما نريد الوصول إلى هدفٍ ما، فإننا نضع هذا الهدف صوب أعيننا، ثم نحاول إيجاد خطوات واضحة ومباشرة لتحقيقه، على سبيل المثال، شخص يريد أن يحقق أول مليون ريال في حياته، من المفترض أن يسأل نفسه: ما هي الخطوات التي يجب أن أتخذها لأجني هذا الرقم؟ بعد ذلك يبدأ باتباع الخطوات.
ومن الوارد جدًا أن يصل هذا الشخص لهدفه خلال فترة زمنية معينة، طالما كان مجتهدًا وخطواته واضحة، لكن، أليس من الممكن أن تقابله عثرات لم يفكر بها؟ لهذا السبب يوجد ما يُسمى بأسلوب "التفكير العكسي Reverse Thinking"، فما هو؟ وما أهميته؟
ما هو أسلوب التفكير العكسي؟
هو أسلوب أو طريقة تفكير تقوم على فكرة النظر للأمور من الزوايا المعاكسة، فبدلًا من سؤال: "كيف أصل إلى المليون ريال؟"، يُطرح سؤال: "كيف لا أصل إلى المليون ريال؟".
اقرأ أيضًا: هل يفقدك الذكاء الاصطناعي قدرتك على التفكير؟ دراسة حديثة تجيب
الفكرة أنك عندما تطرح السؤال بطريقة عكسية، تظهر لك المشكلات التي قد تحدث، ومن ثم تُصبح قادرًا على اتخاذ خطوات استباقية لتجنّب هذه المشكلات قبل أن تتحول إلى مخاطر حقيقية.
وأهمية هذا الأسلوب تتمثل في أنه يكشف لك جوانب لم تكن لتظهر إذا فكرت بالطريقة التقليدية، مما يزيد من فرص نجاحك ووصولك إلى الهدف الذي حددته بنفسك.
متى ظهر مفهوم التفكير العكسي؟
على الرغم من أن مفهوم "التفكير العكسي" قد يبدو حديثًا، فإن جذوره تعود إلى حوالي 2000 سنة أو أكثر، وتحديدًا إلى زمن الفلسفة الرواقية، التي تدعو إلى العيش وفقًا للعقل والطبيعة، وتقبل ما لا يستطيع الإنسان تغييره.
فقد شجّعت هذه المدرسة على التفكير في أسوأ السيناريوهات، بدلًا من الطريقة التقليدية في التفكير، وذلك حتى يستعد لها الإنسان نفسيًا ويكون قادرًا على تقدير المعطيات بشكل واقعي.
كما استُخدم التفكير العكسي في علم الرياضيات أيضًا، حيث كان ينفي الباحث الفرضية لإثبات صحتها (فيما يُعرف بالبرهان بالتناقض proof by contradiction)، عملًا بمقولة "الشيء يُعرَف بنقيضه".
وفي العصر الحديث، يُعتبر المستثمر الراحل تشارلي منجر، نائب رئيس مجلس إدارة بركشير هاثاواي والذراع اليمنى لوارن بافيت، أشهر من روج لهذا المصطلح، عندما اقترح سؤال: "كيف أفشل؟" بدلًا من "كيف أنجح؟"، وهو الأساس الذي يقوم عليه أسلوب التفكير العكسي.
اقرأ أيضًا: كيف تستخدم التفكير الاستراتيجي لبناء حياة شخصية متوازنة ومليئة بالإنجازات؟
كيف تستخدم أسلوب التفكير العكسي؟
في حال لم تصلك الفكرة، فإن طريقة استخدام أسلوب التفكير العكسي تقوم ببساطة على العصف الذهني، هذا أهم شيء؛ أن تعصر ذهنك وتُغربل كل أفكارك، مُمررًا منها الأفكار والافتراضات السيئة فقط.
اطرح أسئلة من قبيل: "كيف يمكن أن نجعل المشكلة أسوأ؟" بدلًا من "كيف نحل المشكلة؟"، وبهذه الحركة البسيطة ستفتح المجال أمام طرح أفكارٍ غير مألوفة، على الأرجح أنها لم تكن ستظهر في جلسات التفكير أو العصف الذهني العادية.
بعد استحضار كل الأفكار السلبية وتجهيزها أمامك، قم بتحويلها إلى حلولٍ إيجابية، وفكر فيها مليًا، بحيث تختار الأفكار الإبداعية منها، والتي قد تحل المشكلة الأساسية فعلًا.
تحديات استخدام أسلوب التفكير العكسي
صحيحٌ أن استخدام هذا الأسلوب قد يبدو سهلًا للوهلة الأولى، لكنك قد تواجه عدة عقبات إن لم تُطبقه بالشكل الصحيح، أحد أبرز التحديات هنا هو صعوبة التأقلم مع هذا الأسلوب، خاصةً إذا كان الشخص حساسًا والتفكير في السلبيات قد يجعله يتشاءم.
إذا كنت من هذا النوع، فلا بأس، لكن جرب أن تنضم إلى بيئة تُشجعك على تقبل الأفكار المختلفة أو الغريبة أو حتى السيئة، باعتبارها جزءًا من العملية.
تحدٍ آخر، وهذا يظهر عند استخدام أسلوب التفكير العكسي وسط مجموعة، هو احتمالية الخضوع لـ"تفكير القطيع" أو سيطرة بعض الأصوات على النقاش.
وحل هذه المشكلة أن يحدث العصف الذهني بالتناوب، أي أن يقوم كل شخص بطرح أفكاره على حدة، وبعد ذلك لا بأس من المشاركة والحديث بشكل عشوائي.
أيضًا يجب كتابة كل الأفكار المطروحة وعدم الاعتماد على ذاكرتنا، لأن الفكرة مهما بدت واضحة، فإنها قد تُنسى بسهولة، وهذا واحدٌ من أشهر الفخاخ التي تحدث في لحظات العصف الذهني.
وأخيرًا وليس آخرًا، لا تُركز على المشكلات أكثر مما تستحق، أي لا تعطها جُل الوقت وتذكر أن الهدف هو قلب هذه المشكلات إلى حلول والعمل على تنفيذها، فوفّر وقتك وطاقتك إلى حين التطبيق العملي.
