من صون التراث إلى الريادة.. كيف أسست السعودية نموذجًا ثقافيًا عالميًا؟
تتميز المملكة العربية السعودية بتنوعها الثقافي، إذ إن لكل منطقة من مناطقها ثقافتها الفريدة، وموسيقاها الخاصة وأسلوبها الخاص، وعاداتها وتقاليدها ومطبخها الذي يعبر عن بيئتها وطبيعتها، ويشكل هذا التنوع ثراءًا ثقافيًا يساهم في رسم هوية غنية للسكان، لذلك جاءت رؤية 2030 لدعم هذا التنوع وتعزيزه.
وأولت رؤية 2030 اهتمامًا كبيرًا بالجوانب الثقافية، سعيًا لتحسين جودة الحياة وبناء مجتمع حيوي، إذ أن هناك جوانب ثقافية تتفرد بها السعودية عن غيرها من البلدان والثقافات، الأمر الذي يميز الشعب السعودي، ومنها على سبيل المثال لا الحصر: السدو، بُن جازان، العرضة السعودية، البشت، ورد الطائف، مزارع زيتون الجوف، واحة النخيل بالأحساء، والهندسة المعمارية التاريخية في جدة.
رؤية 2030.. تكامل بين الثقافة والابتكار
منظومة ثقافية تعزز القيم الإسلامية والهوية الوطنية، تنمي الإبداع والابتكار، وتحقق النمو والتنوع الاقتصادي، بما يتوافق مع أهداف #رؤية_السعودية_2030. pic.twitter.com/BtPFq0iQ56
— رؤية السعودية 2030 (@SaudiVision2030) March 16, 2025
تسابق المملكة الزمن نحو تحقيق مستقبل أكثر إشراقًا، وفق رؤية طموحة وخارطة طريق لبناء مجتمع حيوي، واقتصاد مزدهر، ووطن طموح، بتوجيهات خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، وصاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود ولي العهد رئيس مجلس الوزراء.
وترسم رؤية 2030 مسارًا يعزز التكامل بين الثقافة والابتكار، بما يواكب التغيرات العالمية المتسارعة، ويفتح آفاقًا أوسع للمواطنين والمقيمين والزوار من مختلف أنحاء العالم.
وقد شهدت المملكة تحولات كبيرة في قطاعها الثقافي بعد إطلاق رؤية 2030، حيث تم تطوير العديد من المشاريع الثقافية الكبرى، مثل مشروعي: "العلا" و"الدرعية"، اللذين يجمعان بين التراث والثقافة والترفيه، كما تم إنشاء العديد من الهيئات للإشراف على مختلف القطاعات الثقافية مثل: المسرح، الموسيقى، الفنون البصرية، التراث، والمتاحف.
كما تتضمن الاستراتيجية الثقافية الوطنية أهدافًا طموحة، تهدف إلى تعزيز الثقافة كجزء لا يتجزأ من مجتمع المملكة العربية السعودية، فيما تمثل الفعاليات الثقافية والمهرجانات، مثل مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي، ومعرض الكتاب الدولي في الرياض، جزءًا من هذه الاستراتيجية، حيث تجذب مئات الآلاف من الزوار سنويًا.
إنجازات نوعية في القطاع الثقافي
في تقريرها السنوي لعام 2024، كشف وزارة الثقافة السعودية عن إنجازات نوعية في القطاع الثقافي، تعكس التزام المملكة العربية السعودية بتحقيق مستهدفات رؤية 2030، وترسيخ موقعها على خارطة الثقافة العالمية.
وأعلنت الوزارة عن تنظيمها والجهات التابعة لها خلال عام 2024، أكثر من 3327 فعالية، فيما أقيمت 4426 فعالية ضمن مبادرة "الشريك الأدبي" في 80 مقهى موزعة على 12 منطقة إدارية، إلى جانب تنظيم 12معتزلاً للكتابة بمشاركة 115 كاتبًا، في كل من أسكتلندا، والعلا، والرياض، والباحة، والطائف، وعسير، والأحساء.
كما شهدت معارض الكتاب الدولية والمحلية في الرياض، وجدة، والمدينة، والدمام، مشاركة 2600 دار نشر ووكالة، واستقطبت أكثر من 1.8 مليون زائر.
- توثيق التراث:
كشف التقرير السنوي لوزارة الثقافة، الصادر خلال منتصف عام 2025، عن أنه تم تطوير سجل الأفلام السعودي ليضم أكثر من 1000 فيلم سعودي ضمن مبادرة "إيداع الأفلام 2024"، بجانب إطلاق مبادرة لإيداع 55 فيلمًا جديدا.
كما تم توثيق التراث الثقافي والطبيعي لمختلف مناطق المملكة العربية السعودية، وإنتاج 25 لقاء ضمن مشروع "التاريخ الشفهي للشاشة العربية"، لتوثيق تجارب صناع السينما والتلفزيون في السعودية والخليج والعالم العربي.
وكذلك تم عرض مشروع "التوثيق والأطلس"، الذي يهدف إلى صون التراث الثقافي غير المادي المرتبطة بالأغذية.
في السياق ذاته، بيّن التقرير ارتفاع عدد العاملين في القطاع الثقافي إلى أكثر من 234 ألف موظف، كما تم افتتاح 63 منشأة ثقافية جديدة، وتدريب 4600 شاب وشابة في تخصصات فنية وإبداعية، وتخريج 28800 طالب وطالبة من برامج أكاديمية وفنية مرتبطة بالثقافة، في مؤشر واضح على تصاعد الاهتمام بالتخصصات الثقافية في التعليم العالي والتقني.
- الأدب والنشر:
بدورها، نفذت هيئة الأدب والنشر والترجمة، ترجمة 741 كتابًا ضمن مبادرة "ترجم"، منها 588 إلى العربية و153 من العربية إلى لغات أخرى، شملت 24 لغة، كما دعمت ترجمة 21 دورية ثقافية و778 مقالة علمية، وأكمل 9 مترجمين برنامج "ترجمة المؤتمرات" بالتعاون مع جامعة السوربون في باريس.
ورصدت المنصة الرقمية للمرصد العربي للترجمة، أكثر من 90 ألف عنوان مترجم من العربية وإليها، كذلك تم تخصيص 100 منحة بحثية ضمن مشروع "الرصد العربي للترجمة"، وحصل 100 مترجم على "وثيقة الترجمة المعتمد" في الترجمة العامة، والشفهية، والطبية، والقانونية باللغتين الإنجليزية والفرنسية، بدعم من صندوق "هدف".
- هيئة التراث:
كشف التقرير السنوي كذلك أن هيئة التراث سجلت أكثر من 25 ألف موقع أثري، كما أهّلت 9066 حرفيًا، وشغّلت 10 مراكز للزوار، ورممت 24 مسجدًا تاريخيًا، و14 بيتًا تراثيًا، واستعادة 5457 قطعة أثرية، وإضافة 23500 كتاب ووثيقة إلى مكتبتها.
وبلغت المواقع السعودية في قائمة التراث العالمي لمنظمة اليونسكو 8 مواقع هي:
- الحجر (مدائن صالح)
- حي الطريف في الدرعية
- جدة التاريخية
- الفنون الصخرية في منطقة حائل
- واحة الأحساء
- منطقة حمى الثقافية
- محمية عروق بني معارض
- منطقة الفاو الأثرية
بالإضافة إلى تنفيذ الهيئة 70 مشروعًا ميدانيًا، وتنظيم 50 فعالية في 42 موقعًا.
- تنافسية المدن:
واستمرارًا لنجاح المملكة العربية السعودية في تنافسية المدن على المستوى الدولي، أُدرجت المدينة المنورة ضمن أفضل 100 وجهة سياحية عالميًا لعام 2024، ونالت العُلا أول وجهة في الشرق الأوسط معتمدة في المنظمة الدولية للوجهات السياحية "ديستينيشنز إنترناشيونال".
كما توسعت المملكة بمنح تأشيرة زيارة المملكة إلكترونيًا لتصل إلى 66 دولة، وبلغت نسبة الإنجاز في مشاريع القدية 81% في متنزه "أكواربيا"، و87% في متنزه "SIX FLAGS".
وارتفعت الإيرادات السياحية الدولية مقارنة بعام 2019 إلى 148%، وبلغ عدد زوار الفعاليات الترفيهية 76.9 مليونًا، كذلك تصدرت السعودية دول مجموعة العشرين في نمو عدد السياح الدوليين.
كما سُجل 16 عنصرًا ثقافيًا في القائمة التمثيلية للتراث الثقافي العالمي غير المادي لليونسكو، ودُشنت أول كلية متخصصة للفنون بجامعة الملك سعود، وأُدرج نموذج "علّام" ضمن منصة "Watsonx" في شركة "IBM"، بوصفه أحد أفضل نماذج الذكاء الاصطناعي التوليدية باللغة العربية، دعمًا لحضور المحتوى العربي في المنظمات الدولية.
9 سنوات من التحول والإنجاز، وما زالت القمة وجهتنا..#رؤية_أنت_أساسها#رؤية_السعودية_2030
— رؤية السعودية 2030 (@SaudiVision2030) April 27, 2025
- الحضور الدولي:
أضاف التقرير أنه على الصعيد الدولي شاركت المملكة في 39 فعالية ثقافية دولية، من أبرزها معرض المكسيك للعلامات الوطنية عبر منصّة "Saudi Brand"، التي قدّمت الثقافة السعودية بأسلوب يجمع بين الأصالة والابتكار.
وشاركت كذلك كضيف شرف في معارض بكين، وسيؤول، ونيودلهي، واستضافة 63 أديبًا سعوديًا في 11 معرضًا دوليًا عبر 48 جلسة ثقافية.
كما نظمت وزارة الثقافة السعودية حفلاً مشتركًا للأوركسترا السعودية والفيالهارمونية الملكية في لندن، قدمت فيه مقطوعات سعودية تمثل التراث الموسيقي الوطني، وحفلاً في الصين، وآخر في طوكيو، كما شاركت الأوركسترا الأوبرالية السعودية في جولتين عالميتين للأوبرا السيمفونية السعودية، بالإضافة إلى تنظيم فعاليات لتبادل الثقافات الغذائية بين السعودية، وعدد من دول العالم، للإسهام في تنشيط السياحة وتعزيز مفهوم الدبلوماسية الناعمة.
وأكد التقرير أن السعودية عززت مكانتها الدولية بانضمامها إلى رابطة هيئات الأفلام الدولية AFCI، وشبكة هيئات الأفلام الآسيوية AFCNet، وحصدت في اليابان جائزة "Best Brand Awards"، وهي جائزة مخصّصة للعلامات التجارية المتميّزة على مستوى العالم.
- منصة كبرى للإبداع:
قادت رؤية 2030 المملكة العربية السعودية لأن تصبح منصة كبرى للإبداع، من خلال انتعاش محلي وحضور دولي بمختلف الفعاليات، وانطلاقًا من ركائز الاستراتيجية الوطنية للثقافة، تتبنى وزارة الثقافة العديد من المبادرات والمشروعات لمواكبة رؤية 2030 على مختلف المستويات، ومنها مبادرة الجوائز الثقافية الوطنية التي تقام كل عام، احتفاءً بإنجازات الأفراد، والمجموعات، والمؤسسات لتشجيع المحتوى، والإنتاج الثقافي المتميز.
وتستمر الوزارة في تنظيم باقات متنوعة من الفعاليات الثقافية، ومنها مشروعات الابتعاث الثقافي، والأسابيع الثقافية، لنشر الثقافة السعودية في كافة أنحاء العالم، وإقامة معارض الكتاب، والمشاركة في أكبر المهرجانات السينمائية العالمية، وإقامة مهرجانات محلية على مستوى عالمي.
ميدلي لأجمل أغانينا السعودية من حفل #روائع_الأوركسترا_السعودية في طوكيو 🤩🇸🇦#هيئة_الموسيقى pic.twitter.com/pXbxBkZ8BQ
— هيئة الموسيقى (@MOC_Music) November 23, 2024
الاستراتيجية الوطنية الثقافية
منذ تأسست وزارة الثقافة عام 2018، بموجب الأمر الملكي، وأوكلت مهمة قيادتها لسمو الأمير بدر بن عبدالله بن فرحان آل سعود، وهي معنية بالمشهد الثقافي في المملكة محليًا ودوليًا.
وتحرص الوزارة على الحفاظ على التراث التاريخي للمملكة، مع السعي لبناء مستقبل ثقافي غني تزدهر فيه مختلف أنواع الثقافة والفنون، ونشر وإيصال الثقافة لمختلف المناطق وشرائح المجتمع، كما تعمل على المساهمة في تحقيق مستهدفات رؤية 2030.
وفي 27 مارس 2019، أعلنت وزارة الثقافة عن استراتيجيتها التي تجسد رسالتها وطموحاتها، وتعكس أهدافها الاستراتيجية المتمثلة في الثقافة كنمط حياة، والثقافة من أجل النمو الاقتصادي، والثقافة من أجل تعزيز مكانة المملكة الدولية، واضعة التنوع والثراء الثقافي ركيزة في بناء الاستراتيجية الوطنية للثقافة.
الموسيقى السعودية
"طموحنا فوق النجوم
وأبعد من النجم البعيد"🇸🇦
من حفل #روائع_الأوركسترا_السعودية في سيدني.#هيئة_الموسيقى pic.twitter.com/U2M2oxPAwf— هيئة الموسيقى (@MOC_Music) May 25, 2025
تحظى الموسيقى السعودية وتراثها بنصيب كبير من الحضور المميز دوليًا، ممثلًا بفرقة الأوركسترا، والكورال الوطني السعودي، والتي باتت تصدح بروائع الموسيقى السعودية، وتراث المملكة في مختلف دول العالم، ومحليا قدمت الفرقة حفلًا في الرياض على مسرح مركز الملك فهد الثقافي.
وتشارك السعودية في أكبر المهرجانات السينمائية العالمية، ومنها: كان، تورنتو، والبندقية"، وغيرها، مع إقامة مهرجانات محلية بمستوى عالمي، ومنها مهرجان أفلام السعودية، والبحر الأحمر، فيما تسهم الصالات السينمائية في دعم ونشر الفيلم المحلي بشكل واسع.
وفي المجال المسرحي، تقدم وزارة الثقافة دعمها اللا محدود للحراك المسرحي المحلي، وتشجع المواهب الشابة، والفرق الناشئة، من خلال مهرجان الرياض للمسرح، ومهرجان المسرح الخليجي، والمسرح المدرسي، وغيرها.
تعزيز القطاع الثقافي
أطلقت وزارة الثقافة السعودية 15 مبادرة لتعزيز القطاع الثقافي خلال عام 2024، ارتبطت برؤية السعودية 2030، وتنمية مساهمة المملكة في الثقافة والفنون، والتي شملت تطوير المكتبات العامة، وإطلاق أكاديمية لصناعة الأفلام، وبرنامج خادم الحرمين الشريفين للعناية بالتراث الحضاري، وبناء القدرات في الثقافة والفنون، وتعزيز المسرح السعودي، وتمكين المشاريع الناشئة في القطاع الثقافي.
وتتفاوت المبادرات بين مكتملة تمامًا، وأخرى في طريقها للاكتمال، لتعزيز القطاعات الثقافية، وبناء قدرات السعوديين، وزيادة الإنتاج الإبداعي المنافس.
بناء المناخ الإبداعي
أكد سمو الأمير بدر بن عبدالله بن فرحان، وزير الثقافة السعودي، أن جهود وزارة الثقافة تتوالى وتؤتي ثمارها، عامًا بعد عام، مشيرًا إلى مواصلة الوزارة عملها الدؤوب على تنمية القطاع الثقافي وتطويره، وتعزيز قدرته على تحقيق مستهدفات رؤية السعودية 2030 في جوانبها الثقافية.
وأوضح الأمير بدر، في كلمته ضمن التقرير، أن وزارة الثقافة ركزت في استراتيجيتها للنهوض بالقطاع الثقافي السعودي على العمل وفق منظور شامل لبناء هيكل المنظومة الثقافية بأنظمتها وتشريعاتها ومبادراتها، إلى جانب بناء المناخ الإبداعي الداعم للإنتاج الثقافي وللمبدعين والمبدعات، الحاضن للفعاليات والأنشطة والبرامج الثقافية الموجهة لعموم أفراد المجتمع. قائلا: "تعد الثقافة جزءًا أساسيًا من التحول الوطني الطموح، الذي تسير عليه بلادنا".
وأضاف وزير الثقافة السعودي: "تقف الثقافة السعودية على أرض صلبة، فلدينا مبدعون في شتَّى المجالات، كما نقف على أرض غنية بالصناعة الإبداعية في الحقول الثقافية المتنوعة، وطاقات بشرية مبشرة تجاوز إبداعها حدود بلادنا ليصل إلى العالم".
وأكد على أن وزارة الثقافة ستعمل بنهج تشاركي مع المبدع السعودي، رأسمال الثقافة، وستذهب بعيدًا لخلق بيئة تدعم الإبداع، وتساهم في نموه، وستفتح نوافذ جديدة للطاقة الإبداعية عند السعوديين، مضيفًا: "ستظل الثقافة السعودية نخلة سامقة في عالمنا".
ومن المؤكد أن التطور في القطاع الثقافي يساهم في تنويع الاقتصاد السعودي، وتقليل الاعتماد على النفط من خلال عدة جوانب، أهمها جذب الاستثمارات، كما تمثل المشاريع الثقافية الكبرى فرصًا استثمارية جذابة للمستثمرين المحليين والدوليين، مما يعزز تدفق رؤوس الأموال إلى المملكة ويساهم في النمو الاقتصادي، كما يسهم تطور القطاع الثقافي في خلق آلاف من فرص العمل في مجالات متعددة مثل الفنون، السياحة، الترفيه، والإدارة الثقافية.
