الفنانة غدير حافظ: أتمرد على نفسي لأشحَذها .. وأبحث عن الإنسان في كل صورة ولون

غدير حافظ فنانة تشكيلية تمتلك حسًا إبداعيًا عاليًا في أعماق نفسها، وشغفًا ينبع من روحها، حين تغمس فرشاتها في عمق اللون تبحث عن الإنسان، وتعده محور اهتمامها بما يحمله من آلام وآمال. كانت أول فنانة سعودية تمثل المملكة في كوسوفو، وتركت بصمتها في العديد من المحافل الدولية.
التشكيلية حافظ الحاصلة على بكالوريوس تربية فنية من كلية التربية الفنية التقتها منصة "الرجل" في معهدها "إبداع الغدير" لتطالع أعمالها التي تخرج من بين همس مدارسها الفنية، وأهمها التعبيرية والرمزية والفنتازيا التي تجد فيها ذاتها.
بداية الرحلة الفنية
من هي غدير حافظ؟
إنسانة بسيطة، تشغلها القضايا الإنسانية، فتعبّر عنها بالخط واللون في معهدها "إبداع الغدير" محاولة أن يكون لها دور مهم في حل عقد الإنسان وقضاياه من خلال أعمالها الفنية.
من أين بدأت غدير رحلة الفن؟
منذ الطفولة اعتليت فرشاتي، وتابعت مسيرتي الفنية من خلال دراستي الجامعية في كلية التربية الفنية، ومن ثم معيدة في الكلية إلى أن أسست معهدي "إبداع الغدير" للسيدات والأطفال في 2007م بعد أن أخذت الاعتماد من جمعية الثقافة والفنون في "جدة" وحصلت على سجل تجاري خاص بالأعمال الفنية.
الانطلاقة الفنية الأولى
متى كانت الانطلاقة الفنية الأولى؟
في عام 2009م سمحت لي الظروف بالإبحار إلى المعارض الدولية قبل المحلية وبدأت انطلاقتي الأولى بمشاركة دولية بمعرض رباعي في "فيينا" بصالة "ريالتي غاليري" وتتالت المشاركات المحلية إلى 2011م، حيث أقمت معرضي الشخصي تحت عنوان "مجموعة إنسان" في "جدة".
"مجموعة إنسان" أربعة أجزاء وكل جزء يحمل قضية، ماذا تخبئ تلك القضايا؟
العنوان في "مجموعة إنسان" يدل على المضمون وما يعانيه الإنسان من قضايا معقدة وكثيرة، ومن هموم حياتية تعجُّبا لأحداث مختلفة، فدخلت إلى أعماق النفس البشرية لسبر العوالم الإنسانية الخفية التي تحمل الآلام والآمال.
أعمالك للتعبير عن الذات الإنسانية بشكل عام، أم عن معاناة غدير؟
أعمالي الفنية بما تشمل من فكر وخط ولون تحمل مكنونات الإنسان بنظرتي الذاتية، ومن خلال الذات أبحرت في القضايا الإنسانية المعقدة التي تشدني من خلال دمعة طفل وآهة أم، وصرخة ضياع.

الانطلاقة الفنية الثانية
متى كانت الانطلاقة الفنية الثانية؟
في 2017 عملتُ نقلة نوعية في حياتي الفنية حين مثلت المملكة العربية السعودية في "كوسوفو" كأول فنانة تشكيلية سعودية، تلك النقلة عززت لدي الحس الفني والألق النابض بالحياة، حين رأيت ردود الأفعال الأجنبية على أعمالي وإعجابهم بأفكاري الفنية والقضايا التي أحملها في مكنوناتي.
ما سبب هذا الإعجاب الكبير؟
اهتمامي بالقضايا الإنسانية المقهورة، والغوص في أعماق الذات الإنسانية لمطالعة الألم الذي حفر أخاديد من الوجع في عالمنا المادي هذا، والسعي الحثيث للحديث عنها في أعمالي.
اقرأ أيضًا: مصممة الأزياء رانيه خوقير: لكل ثوب حكاية.. حفرنا في الصخر وأصبح لدينا مظلة تحمينا
المرأة والتحولات
ألم تشغلك قضايا المرأة؟
شغلتني كثيرًا في البداية وما زالت متربعة في أعمالي، لكن القضايا الإنسانية تأخذ شكل الشمولية بشكل أدق.
ما تفسيرك للتحولات والمحطات الكبيرة التي رافقت مسيرتك وأعمالك؟
جاءت نتيجة حتمية لتحولات المجتمع بين زمن وزمن، وبين محطة وأخرى، ومعاناة إنسانية في نشر الوعي الثقافي بكل أشكاله، ومدى تقبل الناس لقيمه وأهدافه ليس على المستوى المجتمعي فحسب، بل على المستوى الشخصي للإنسان، رافضة أن أكون نسخة مكررة لأي فنان، محاولة خلق أسلوبي الفني المميز.
صعوبات وتحديات
ما الصعوبات التي اعترضت طريقك؟
وجود المرأة السعودية قليل على الساحة الفنية آنذاك، وغير مرغوب فيه، وعدم تقبلها المجتمعي بالمشاركة في المعارض إلى جانب أعمالها. وكنت أواجه المجتمع بمفردي لأمثل طالباتي في معارضهن التي أقمتها، وأستعرض ما نقشته أناملهن من فن رفيع.
لكنك أقمت ورشًا بالهواء الطلق!
نتيجة للتحدي الكبير بداخلي أقمت ورش رسم في الأسواق الكبيرة تحت عنوان "فلسطين كلها وطني" وأيضًا ورشة في مول "جدة" لأزرع الوعي الفني عند المتلقي.
ما هي التحديات التي واجهتك؟
الاستمرارية، والعمل على توسيع معهدي الفني، وإقامة معرضي الشخصي في دار الأوبرا بمصر، وقد أقمته.

مناهج فنية وإنسانية
ما هي المناهج التي تقدمينها بالمعهد؟
مناهج أكاديمية سواء للسيدات أو للأطفال على أسس صحيحة، بدءًا من تحديد المستوى، إلى التقييم، مع التطوير الذاتي، وأدخل إلى الجانب الإنساني، لأن الفن رسالة مهمة تضم الثقافة والإبداع ولغة الجسد.
هل تعتمدين على مدرسة فنية معينة بالتدريس؟
مطلقًا، لديَّ مستويات كل حسب مقدرته، تبدأ من دورة أساسيات الرسم ثم "المدارس الفنية الحديثة" إلى دورة "تطوير الذات" لتختار المتدربة المدرسة المناسبة لها.
رحلتي بين المدارس الفنية
ما الذي دفعك لاختيار المدرسة التعبيرية؟
المدرسة التعبيرية تتيح التعبير عن الذات الإنسانية بوضوح أكثر، ومجالها أوسع في التعبير عن المشاعر أو العواطف والحالات الذهنية التي تثيرها الأشياء أو الأحداث في نفس الفنان. وذلك من خلال تكثيف الألوان، واصطناع الخطوط القوية لإيجاد مفتاح الأسرار وكشف الغموض الساحر فيها.
أيهما أقرب لروح الفنانة غدير: التعبيرية أم الرمزية؟
أنا مزيج من مدرستين تشكيليتين كوني أعمل على تطوير وسائل جديدة بالعمل الفني من أجل التعبير عن الحقيقة النفسية، فالخطوط تتغير مع تغير ضربة الفرشاة، ومع الفكرة التي تتحدث عن العالم المادي الموجود في الحقيقة الروحية، فتأخذ الرموز أشياء لا توصف كالأحلام، مما يؤدي إلى إعطائها أشكالًا جديدة.
المتتبع لأعمالك يرى أنك انتقلت للفنتازيا اليوم؟
ساعدتني على مزج الخيال بالواقع ومنحتني جرأة كبيرة في أعمالي، وفسحت لي المجال بالتعبير عن الذات وأعطتني فائدة كبيرة في معرضي "شتات بين الحقيقة والخيال" الذي أقمته في دار الأوبرا المصرية 2018م و2019م في المدينة المنورة و2021م في مدينة جدة.
هذا التأثر بالفنان "فان غوخ" في معرضك الأخير ماذا عنه؟
أنا من محبي الفنان "فان غوخ" ومعرضي "شتات بين الحقيقة والخيال" يتكلم عن خيالات الإنسان وكيف يستطيع أن يبحث عن خيالاته في حياته الواقعية ويترجمها عملًا فنيًا جميلًا، مع تساؤلات كبيرة، هل خيال الإنسان معاكس للواقع؟ أم يماثل الواقع؟
اقرأ أيضًا: رنا العتيبي لـ"الرجل": فوزي بجوائز دوفات يؤكد أن المرأة السعودية أصبحت في مقدمة الصفوف
الفنون عشق سرمدي
وماذا عن شغفك بالفنون البصرية؟
بيني وبين اللوحة عشق سرمدي يعزف موسيقاه على أنغام ألوان مميزة يثور فيها اللون الأحمر ليترجم أحاسيسي الصادقة كي تصل للمتلقي على إيقاع إنساني جميل.
لماذا تلك الثورة في داخلك؟
ثورتي اللونية على المألوف، لأتمرد على النفس، وأشحذها لتتألق وتعطي إبداعًا أجمل.
مقتنيات ومشاركات دولية
لديك مقتنيات فنية في عدة دول، ماذا أضاف هذا لك؟
مسؤولية فنية كبيرة أن أبقى على قيد العطاء الفني الدائم وبصورة مميزة. ولديّ 3 مقتنيات في إيطاليا بمتحف "كيم" وفي مقدونيا وقبرص.
لك مشاركات عديدة ما الذي يهمك؟
كفنانة عربية تهمني رؤية العالم الغربي تجاهنا، والتعرف على مكنوناته وتفكيره ومدى قربه من الإنسانية. فمثلًا الإنسان الفلسطيني كان حاضرًا في "سمبوزيوم" قبرص ومقدونيا وفي ألبانيا "فلاندوفو وسيريندا".
كيف انعكست تلك المشاركات على مسيرتك؟
تزودت بخبرة فنية متنوعة بالاطلاع على مختلف الفنون العالمية، وتعرفت على ثقافات الشعوب، ورفعت اسم بلدي، وتركت بصمة مميزة في كل دولة زرتها، وحصدت صداقات اجتماعية وإنسانية رائعة.
رؤية 2030 والفنانة
كيف تنظرين لوجود الفنانة السعودية على الساحة الفنية؟
رؤية 2030 عملت قفزة سريعة لتمكين المرأة في كل المجالات وخاصة على المستوى التشكيلي داخل المملكة وخارجها، وأصبح للفنانة السعودية فسحة كبيرة من المشاركات الدولية والملتقيات المفتوحة، وإقامة المعارض التشكيلية للفنون البصرية والأعمال اليدوية.
حصدت الكثير من الجوائز، أهمها؟
حصدت الميدالية الذهبية من الهيئة الملكية بمدينة ينبع في مهرجان الخيل وحصلت على درع تقدير من كوسوفو لأني مثلت المملكة العربية السعودية كأول سعودية.
والدي أعطاني الحب
من وراء نجاحك، وهل حققت أحلامك؟
والدي طيب الله ثراه، قلبه يعجُّ بالإنسانية، أعطاني جرعة حب كبيرة، ومهد لي الطريق لاجتياز دروب الحياة، ودفعني حتى أضع بصمتي المميزة في عالم واسع.
أما أحلامي فهي لا تنتهي مطلقًا، وسأظل أحلم لتحقيق المزيد من النجاحات.
ما هي النصيحة التي تقدمها غدير للمرأة السعودية؟
الدراسة الأكاديمية، وعدم الاستعجال، والحفاظ على الهوية الفنية، واجعلي رسالتك للإنسانية جمعاء بمصداقية عالية.
البطاقة التعريفية
الاسم: غدير منذر جمال حافظ
الحالة الاجتماعية: أم لشابين
الشهادة: بكالوريوس تربية فنية/ تخصص خزف ومعدن/ كلية التربية والاقتصاد المنزلي
المهنة: صاحبة ومديرة معهد "إبداع الغدير"
مكان الولادة: المدينة المنورة