مصممة الأزياء رانيه خوقير: لكل ثوب حكاية.. حفرنا في الصخر وأصبح لدينا مظلة تحمينا










ثابتة الخطى على دروب الجمال الممزوج من الابتكار والهوية، والأصالة والمعاصرة، حين يأتي الإلهام تضم أفكارها وتحتضن قلمها ليرسم أجمل التصاميم التراثية السعودية الأصيلة بلمسة عصرية مميزة، وألوان منتقاة من حديقة مشتعلة بالورود، مرصودة لأزياء مميزة من أيادٍ سعودية خبيرة بالتراث السعودي متخصصة في تصميم العباءات والجلابيات بعلامات عالمية.
منصة "الرجل" التقت رانيه فاروق جميل خوقير مصممة الأزياء التراثية والعالمية والخبيرة في التراث، وصاحبة كتاب "الأزياء التقليدية للنساء في المملكة العربية السعودية: قبيلة حرب"، للحديث عن تصميم الأزياء التراثية التي لها عبق التاريخ ورائحة الماضي المجيد لتتجلى بأرقى التصاميم شكلًا ومضمونًا.
المعلم الأول
من هي رانيه خوقير؟
رانيه خوقير ابنة مكة المكرمة، والإنسانة المحبة للعمل الدؤوب، طموحة ومعطاءة بلا حدود، من أسرة محبة للعلم والتعلم حباها الله عشقًا كبيرًا للوطن، ولتراثه الجميل والمميز، الذي أخذها لمشوار دراسي طويل في مجال صناعة الأزياء التراثية والتدريب، ووضعها على طريق رائدات الأعمال منذ خمسة وعشرين عامًا ونيف حتى حققت حلمها بـ"مؤسسة رانيه خوقير للتجارة".
العلم في الصغر
أولى الخطوات التي رسمت طريق رانيه؟
نشأت في أسرة تعشق الوطن وتحب العلم والتعلم وتشجّع عليه وتمتهن العمل الحرفي، ما دفعني لممارسة الرسم والفنون اليدوية منذ طفولتي إلى أن وصلت للجامعة (قسم الاقتصاد المنزلي) الذي كان متاحًا آنذاك.
دخلتِ الاقتصاد المنزلي برغبة جدك؟
كانت رغبته دخول كلية الطب، لأنه محب للعلم، ولا فرق لديه بين ذكر وأنثى في التعلم، شجعني ولم يقف عائقًا أمام رغباتي نظرًا لعشقي للحرفية التي نمت في داخلي منذ الصغر والحب لتجهيز ملابس العرايس واختيار الألوان بمساعدة جدتي التي علمتني أن الإجازات الصيفية لتنمية مواهب الرسم والتطريز والخياطة ودراسة اللغات. وهو من غرس في روحي عشق التجارة من خلال "طاولة صغيرة" لبيع الحلويات وألعاب الأطفال حتى نمت لدي فكرة التاجر الصغير.
التعلم والتعليم والمثابرة
من بكالوريوس الاقتصاد المنزلي إلى الماجستير في تاريخ الملابس والتطريز.. ما العلاقة التي تربط بينهما؟
حين التحقت بكلية الاقتصاد المنزلي العام لم يكن هناك تخصصات دقيقة، ما جعلني بعد التخرج ملمة بجميع فروعه. وقدمت ملفين: الأول أكاديمي لأعلّم في الجامعة، والثاني طالبة دراسة عليا، وفي تلك الدراسة اخترت الأقرب لطموحي قسم الملابس والنسيج. بعد ذلك فتحت الجامعة أربعة تخصصات فاخترت تاريخ الأزياء والتطريز، واليوم أصبحت اسمها كلية التصاميم والفنون في جامعة أم القرى بمكة المكرمة.
لماذا وقع اختيارك على تاريخ الأزياء؟
لأطلع على تاريخ أزياء الشعوب والحضارات، ومن ثمّ تاريخ أزياء المملكة بكل تفاصيلها لإيماني الشديد بأنها كنز يساعدني في مجال عملي.
اختيارك للتراث من خبرة بفن الخياطة والتطريز؟
التعلّم في الصغر كالنقش على الحجر، ما تعلمته من جدتي رحمها الله بقي معي، صقلته بالدراسة والخبرة والتدريب وطورته بالعمل الدؤوب لأنني متابعة لشغلي باستمرار مع العاملين في ورشة الخياطة والتطريز خطوة بخطوة حتى تنتهي القطعة بأبهى الحلل.

التراث كنز ثمين
ماذا عن تخصص الماجستير؟
درست كل شيء عن تراث الحضارات القديمة، وبخاصة الأزياء التقليدية للنساء في المملكة العربية السعودية "قبيلة حرب" لأنه في ذلك الحين لم تُدرس أكاديميًّا.
ما أهم ما يميز الأزياء التقليدية؟
تتميز الأزياء بالخطوط التصميمية والزخارف وأساليب تنفيذها، والخامات الأساسية والخامات المساعدة المستخدمة في الملابس والألوان.
أهم ما يميز أزياء قبيلة الحرب؟
تتميز بالزخارف الكثيفة، وأهم قطعة من أزيائها الثوب المرودن الذي يأخذ شكل الأكمام المثلثة، وبه تطريز جميل على الصدر، ويستخدم قماش "العنبرية" الذي يطلق عليه قماش الكاروهات، وفيه عدة أنواع من التطريز اليدوي منها غرزة اللقط بالخيط الأحمر وشرائط الخيوط المعدنية "التّلي" وبرقع الرأس والبيرم الموجود على الرأس.
اقرأ أيضًا: الشاعرة السعودية سكينة الشريف: الرجل في كل أدواره جذوة إلھام للمرأة
التأسيس والعمل
بعد تلك الدراسة بدأ مشروعك التجاري؟
بعد حصولي على الماجستير قدمت السجل التجاري تحت عنوان "مؤسسة رانيه خوقير للتجارة" وعملت أول مشروع شراكة مع الغرفة التجارية للأسر المنتجة، ودخلت المعارض والبازارات.
ما هي المعوقات التي اعترضت طريقك على مدى 25 عامًا؟
لم تكن النظرة المجتمعية للمرأة السعودية مقبولة في الأسواق التجارية والبازارات والمعارض، وصعوبة الوصول بفكرتي للمجتمع ككل على مدار 25 عامًا.
التغيير والمستقبل
لكن تغيرت الرؤى بالأمس القريب أليس كذلك؟
بفضل عراب الرؤية 2030 الأمير محمد بن سلمان تغير الوضع للأهم بفتح النوافذ التجارية أمام المرأة السعودية، وتقديم كل التسهيلات لها. فاهتمت الحكومة الرشيدة بالمشاريع الناشئة، وصاغت القوانين، ما أدى إلى ظهور إنتاج النساء المميز، الأمر الذي جعلني أشارك في المعارض والمحافل الدولية، وأعمل من خلال أونلاين الذي أصبح المجتمع التجاري في هذا العصر.
كيف تتطلع رانيه للمستقبل في ظل التغيرات؟
مستقبل يبشر بالخير الكثير من الحكومة الرشيدة، التي أعطتنا كنساء سعوديات الكثير، ووزارة الثقافة أسست لنا هيئة الأزياء والتراث ووضعت القوانين لتنظيم الفعاليات والمعارض والإعلام، فتحقق حلمنا بعدما حفرنا في الصخر لسنوات عديدة وأصبح لدينا مظلة تحمينا، ونقلتنا رؤية 2030 نقلة نوعية ووضعتنا على الطريق الصحيح وفي الإطار السليم.
التحديات والنجاح
ما هي التحديات اليوم؟
صراع بين المنتج الممتاز والمنتج المقلّد، بين الفكر الذي يعجُّ بالخبرة وبين من يخطف تلك الخبرة بأسلوب لا يرقى لمجتمع حضاري. وبالأخير لا يصح إلا الصحيح بفضل القوانين التي توضع باستمرار لفرز الغث من السمين.

المشاريع الدائمة
ما هي مشاريعك على مدار العام؟
اليوم الوطني ويوم التأسيس ويوم العلم وشهر رمضان الكريم وعيد الفطر السعيد.
ماذا تحضرين للعيد؟
مواسم الأعراس تكثر في الأعياد. أصمم حسب الطلب والميزانية، حيث لجأت هذا العام لتأجير الفساتين، للحفاظ على استمرارية الأزياء التراثية، وأهميتها في المجتمع السعودي وإرضاء كل الأذواق. وأجهز لجلاليب وعباءات العيد التي تتناسب مع أول يوم العيد وحفلاته وجمعة الأهل والأصدقاء.
بماذا تتصف مجموعة قطع العيد؟
تتماشى التصاميم والألوان مع اتجاهات الموضة، والحرص الشديد على العادات والتقاليد بالحشمة والقصات الملائمة لتلك المناسبة، مع ضرورة استخدام خامات تلائم أجواء المملكة العربية السعودية في الشهر الكريم والأعياد.
اقرأ أيضًا: المصورة أماني القحطاني: حصلت على 1297 جائزة عالمية.. وجدتُ نفسي في تصوير حياة الناس والشارع
التدريب والاستدامة
مشروعك المميز في الوطن لخدمة أجيال المستقبل؟
كوني مدربة معتمدة لدى المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني، فأنا أدرب الخريجات من الكلية التقنية والجامعات، ينفذن أعمالي بدقة عالية 100% كي يبقى العمل بأيادٍ سعودية.
لديك مشروع مستقبلي لفتح مصنع للتراث؟
خطتي قيد الدراسة وأنتظر الفرصة المناسبة لأكون على الطريق الصحيح، ولنجاح مثل هذا المشروع بقوة يجب أن يضم مجموعة من المستثمرين ويُدعم من قبل الحكومة الرشيدة، لأنه يهدف لتطوير صناعة الأزياء التراثية والهدايا وتعزيز الصناعة السعودية والسياحة.
ما هو دورك للحفاظ على التراث؟
للحفاظ على التراث السعودي من الأجيال السابقة إلى الأجيال القادمة العمل الدؤوب كونه مخزونًا ثقافيًّا كبيرًا يجب ترجمته للعالم بأسلوب مميز كي نتعلّم كيفية الاستفادة منه والاقتباس عنه بشكل صحيح.
أبحاث علمية
لك عدة أبحاث علمية منشورة داخل وخارج المملكة، ما الهدف منها؟
البحث العلمي يقوي الفكر ويجعلني في اطلاع دائم على كل ما هو جديد في عالم أزياء الشعوب، كون العلم والخبرة العملية، خطين متوازيين للنجاح الدائم.
أنت بصدد إصدار كتابين عن الأزياء التراثية والحرف اليدوية، ماذا عنهما؟
لم أصرّح بعد عنهما وفي طور الإعداد لهما، ويخدم محتواهما مصممي الأزياء التراثية والمهتمين بالتراث والحرف اليدوية. ولأنني أكاديمية فهذا واجب وطني عليّ أن أقوم بإعداد مثل تلك الكتب بسبب الاحتياج لها وقلة المراجع في هذا الصدد.
أهم المشاركات الإعلامية؟
بمناسبة يوم التأسيس 1446 هـ واحتفاء بيوم الحِرَف لربط الماضي بالحاضر قمت بعمل فيديو مع مجموعة من المؤثرين حمل رسالة جميلة "حرفة الأجداد فخر الأحفاد"، أي كل عمل جيد يقوم به الإنسان ويعتز بأهميته، يستطيع إيصاله للأحفاد بفخر وشموخ، فالعمل المتواصل على خلفية علمية ودراسة حقيقية وحرفية عالية يؤدي للنجاح، والاستمرارية، لأن صنعة باليد أمان من الفقر، وهي سلسلة تستمر من الأحفاد إلى الأجداد.
البطاقة التعريفية
الاسم: رانيه فاروق جميل خوقير
الحالة الاجتماعية: متزوجة، وعندي من الأبناء: المهندس عبدالله والدكتورة يارا
الشهادة: دكتوراه في تاريخ الأزياء والتطريز من جامعة أم القرى قسم تصميم أزياء
المهنة: مدير تنفيذي في مؤسسة رانيه خوقير للتجارة.
مكان وتاريخ الولادة: مكة المكرمة 1973