بعد رحيله.. من هو محمد حمينة أول عربي يتوّج بالسعفة الذهبية في كان؟ (فيديو)
أعلنت وزارة الثقافة والفنون الجزائرية، يوم الجمعة، وفاة المخرج والمنتج السينمائي الكبير محمد لخضر حمينة، عن عمر ناهز التسعين عامًا، في لحظة رمزية تزامنت مع مرور خمسين عامًا على نيله جائزة السعفة الذهبية في مهرجان كان السينمائي لعام 1975 عن فيلمه التاريخي "وقائع سنين الجمر".
وقالت الوزارة في بيانها الرسمي: "برحيله، تفقد الجزائر قامة فنية شامخة ومخرجًا رائدًا كرّس حياته للفن الملتزم، وأثرى الذاكرة الوطنية بأعمال خالدة، جسّدت نضال شعب، وهموم أمة، وجمال الصورة السينمائية الأصيلة".
من جانبه، نعى الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون الراحل بكلمات مؤثرة، قائلاً: "الفقيد، وقبل أن يكون مخرجًا عالميًا مبدعًا ترك بصمة خالدة في تاريخ السينما العالمية، كان مجاهدًا أبيًّا، ساهم في تحرير بلاده بما نقل من صورة ومشاهد عرفت البشرية ببطولات الثورة التحريرية المظفرة".
مسيرة حافلة بين النضال والفن
وُلد المخرج الجزائري محمد لخضر حمينة سنة 1934 في مدينة المسيلة الواقعة شرق الجزائر، وبدأ مشواره الأكاديمي بدراسة القانون في فرنسا.
خلال تلك الفترة، تم تجنيده في صفوف الجيش الفرنسي، إلا أنه سرعان ما تمرّد على ذلك الواقع، ليهرب عام 1959 ويلتحق بصفوف النضال الوطني من بوابة الإعلام، منضمًا إلى وحدة الإعلام في الحكومة الجزائرية المؤقتة التي كانت تتخذ من تونس مقرًا لها آنذاك.
سعى حمينة إلى تطوير أدواته السينمائية لخدمة قضايا وطنه، فسافر إلى العاصمة التشيكية براغ حيث تلقى تكوينه الأكاديمي في مجال الإخراج السينمائي، وهناك بدأ في رسم ملامح مشروعه الفني الذي مزج بين التوثيق البصري والالتزام النضالي.
اقرأ أيضًا: بعد رحيلة المفاجئ.. سطور من حياة الإعلامي صبحي عطري
عند عودته إلى الجزائر، ركّز جهوده على إنتاج سلسلة من الأفلام الوثائقية التي رصدت يوميات الثورة الجزائرية وكفاح الشعب ضد الاستعمار الفرنسي، وكان من أبرزها فيلم "صوت الشعب" و"بنادق الحرية"، اللذان أصبحا من الوثائق البصرية النادرة عن تلك المرحلة.
في أعقاب الاستقلال الوطني عام 1962، عُيّن حمينة مديرًا عامًا للديوان الجزائري للأخبار، وهو الجهاز الرسمي للإنتاج السينمائي والإخباري في البلاد، والذي تأسس بهدف توثيق التحولات السياسية والاجتماعية في الجزائر المستقلة.
ورغم انشغاله بالمهام الإدارية، لم يتخلَّ عن عشقه للكاميرا والإخراج، إذ أطلق عام 1966 أولى تجاربه في السينما الروائية الطويلة بفيلم "ريح الأوراس"، وهو عمل جسّد بحس إنساني عالٍ معاناة الشعب الجزائري، وعُرض ضمن فعاليات مهرجان كان السينمائي الدولي، ليضع اسمه مبكرًا على خارطة السينما العالمية.
وبلغت مسيرته ذروتها عام 1975 عندما فاز بجائزة السعفة الذهبية لمهرجان كان عن فيلمه الخالد "وقائع سنين الجمر"، الذي وثّق ببراعة الأوضاع السياسية والاجتماعية في الجزائر بين عامي 1939 و1954، في عمل سينمائي يعتبر أحد أبرز علامات السينما العربية والعالمية.
برحيله، تطوي الجزائر صفحة من أنقى صفحاتها السينمائية، وتودّع رجلًا لم يكن مجرد فنان، بل شاهدًا على تاريخها، وناطقًا باسم شعبها، عبر عدسة حملت وجع الأرض وأحلامها.
