طفرة جينية نادرة تفتح آفاقًا جديدة في أبحاث تطوير مسكنات الألم
في الوقت الذي يعد فيه الألم إشارة بيولوجية مزعجة، إلا أنه يظل واحدًا من أهم أنظمة الدفاع في الجسم البشري، لكن ماذا لو غاب هذا الإحساس تمامًا؟
هذا ما يحدث فعليًا لدى عدد نادر من الأطفال حول العالم، يعانون من اضطراب وراثي يُعرف باسم "فقدان الإحساس الخلقي بالألم".
ويعني هذا الاضطراب أن الطفل المصاب لا يشعر بأي ألم جسدي، حتى في حالات الكسور، الحروق، أو الإصابات العميقة، مما يجعل التشخيص والعلاج المبكر تحديًا حقيقيًا لأطباء وأسر هؤلاء الأطفال.
السبب في جين SCN9A
وفقًا لدراسة نُشرت في مجلة Nature Reviews Neurology، تعود أسباب هذه الحالة إلى طفرة في الجين المعروف باسم SCN9A، المسؤول عن إنتاج قناة صوديوم تُستخدم في نقل إشارات الألم من الأعصاب إلى الدماغ.
وعندما تتعطل وظيفة هذا الجين، تنقطع إشارات الألم تمامًا، رغم أن الإحساس باللمس أو الضغط أو الحرارة يبقى موجودًا بدرجات متفاوتة، وتُعد هذه الطفرة الأكثر شيوعًا في حالات فقدان الإحساس الخلقي بالألم، خاصة في المجتمعات التي ترتفع فيها معدلات الزواج بين الأقارب.
اقرأ أيضاً تقرير: الأطفال البريطانيون الأتعس بين أطفال الدول الغربية
غياب الألم ليس نعمة
رغم أن البعض قد يرى في هذه الحالة نوعًا من القوة الخارقة، فإن الواقع يُظهر عكس ذلك تمامًا، فالأطفال المصابون غالبًا ما يعانون من إصابات متكررة وخطيرة: عضّ اللسان حتى النزف، المشي على عظام مكسورة دون تذمر، أو حتى حروق شديدة دون شكوى.
وقد وثّقت دورية Brain حالة طفلة فقدت معظم أسنانها اللبنية نتيجة مضغ الطعام دون أن تشعر بجروح في فمها، فيما تروي والدة طفل بريطاني في لقاء مع BBC أن ابنها "لا يبكي أبدًا"، لكنها اكتشفت لاحقًا أن السبب ليس الشجاعة، بل خلل خطير في قدرته على الإحساس.
حتى الآن، لا يوجد علاج نهائي لهذه الحالة، لكن فهم العلماء لآلية هذا الاضطراب تفتح آفاقًا جديدة في أبحاث تطوير مسكنات ألم أكثر فاعلية.
فبعض الشركات الصيدلانية تسعى حاليًا لتصميم أدوية تستهدف قنوات الصوديوم العصبية التي يتحكم بها جين SCN9A، ما قد يُحدث ثورة في علاج الألم المزمن المرتبط بأمراض مثل السرطان والاعتلالات العصبية.
وحتى التوصل إلى علاج فعال، يبقى الحل الوحيد هو المراقبة الأسرية الدقيقة، وتوفير وسائل الحماية للأطفال المصابين، إلى جانب برامج توعوية للأهل والمربين، لتجنّب ما يُعرف بـ"الإصابات الصامتة" التي قد تكون مميتة في غياب الألم.
