تعرّف على نمط شخصيتك باستخدام "مؤشر مايرز بريجز"




هل سبق لك أن سمعت أو رأيت شخصًا يصف نفسه بأنه "INTP" أو "ENTJ"، وتساءلت عما تعنيه هذه الأحرف والكلمات الغامضة؟
إذا كنت لم تحصل على الجواب حتى الآن، فهذا التقرير لك.
أنماط الشخصية الأربعة
تُشير هذه الأحرف إلى واحدٍ من أشهر المقاييس في علم النفس الحديث، وهو اختبار "مايرز بريجز Myers-Briggs" لأنماط الشخصية، ولعل ما يُميز هذا الاختبار هو ملامسته العميقة لجانبنا الإنساني، إذ إن الهدف منه ليس الحكم على شخصيتنا، بقدر مساعدتنا على فهم ذواتنا وتقديرها.
تاريخ مؤشر مايرز بريجز لأنماط الشخصية

تتشابك قصة مؤشر "مايرز بريجز" بشكلٍ أو بآخر مع نظرية عالم النفس الشهير "كارل يونج"، حول الأنماط النفسية، التي كانت بمثابة الأرض الخصبة للمؤشر الذي نتحدث عنه.
كان "يونج" من الروّاد الذين سلطوا الضوء على طبيعتنا البشرية المعقدة، حيث لاحظ أن الناس يختلفون في طريقة تفاعلهم مع العالم، وطريقة جمعهم للمعلومات، واتخاذ القرارات، والتعبير عن أنفسهم، وكل شيء آخر تقريبًا.
أما نشأة اختبار "مايرز بريجز" نفسه، فقد بدأت بوادرها لدى "كاثرين كوك بريجز"، وهي سيّدة طموحة بدأت بدراسة الشخصيات ووضع تصوراتها الخاصة، قبل اكتشافها لأفكار "يونج"، وعندما قرأت كتابه "الأنماط النفسية Psychological Types" بعد ترجمته للإنجليزية عام 1923، وجدت "كاثرين" نفسها أمام رؤية متكاملة، تصف بدقة ما كان يراودها من تصوّرات حول اختلاف الناس، وتنوع طرق تفكيرهم.
وانخرطت ابنتها "إيزابيل بريجز مايرز" في هذا الشغف، لتكمل ما بدأته والدتها؛ فأخذت الأسس النظرية الثرية من "يونج"، وألبستها حُلة عمليةً عبر تطوير أداة كمية يمكنها قياس تلك الاختلافات في الشخصية.
ولقد واصلت "إيزابيل" عملها الدؤوب خلال الأربعينيات وما بعدها، فصممت أول نسخة ورقية من المؤشر، وجربته مع الأصدقاء والأقارب، إلى أن أصبح بصورته التي نعرفها اليوم.
وكان هدفها الأساسي أن تساعد الناس في اختيار مساراتٍ مهنية وأنماط حياة تتناسق مع قدراتهم الطبيعية وميولهم النفسية العميقة، إذ آمنت بأن كل إنسانٍ قادر على أن يعثر على مفتاح شخصيته، ويستخدمه لينسجم بشكل أفضل مع طموحاته وظروفه، ومن ثم خرج هذا المؤشر الذي استمد تسميته من اسم السيدة "كاثرين كوك بريجز" وابنتها "إيزابيل بريجز مايرز".
كيفية عمل مؤشر مايرز بريجز

يشتمل المؤشر 4 أزواج من الأحرف الإنجليزية، لكلٍ منها دلالته المميزة:
1. الانفتاح E (Extraversion) والانعزال I (Introversion):
يُعبر "الانفتاح Extraversion" عن التركيز على العالم الخارجي، والحيوية في التفاعل مع الآخرين، والشعور بالطاقة والانفتاح في المناسبات الاجتماعية.
على الجانب الآخر يُشير "الانعزال Introversion" إلى التوجه نحو التأمل الذاتي، والحاجة إلى استعادة الطاقة عبر فتراتٍ من العزلة والهدوء.
2. الحس S (Sensing) والحدس N (Intuition):
يدفع "الحس Sensing" الشخص للتركيز على الحقائق الملموسة والتفاصيل الحاضرة، فضلًا عن التعلم التجريبي.
أما "الحدس Intuition" فيتطلع صاحبه إلى رؤية الأنماط والاحتمالات المستقبليةوالأفكار المجردة، عند تحكيم عقله أو قلبه في مسألة ما.
3. التفكير T (Thinking) والشعور F (Feeling):
يميل أصحاب "التفضيل الفكري Thinking" إلى الموضوعية والمنطقية عند اتخاذ القرارات.
فيما يُراعي أصحاب "التفضيل الشعوري Feeling" تأثير القرارات على الآخرين ومشاعرهم، ويستعينون بالعاطفة في إصدار الأحكام.
4. الحُكم J (Judging) والإدراك P (Perceiving):
يُفضل أصحاب "الحُكم Judging" التفكير المُنظم والوصول إلى قرارات واضحة.
في حين يُفضل أصحاب "الإدراك Perceiving" المرونة والتكيف والانفتاح على خيارات متعددة.
عند اختيار صفة واحدة من كل زوج من الأزواج الأربعة، ستحصل على 16 نمطًا مختلفًا من أنماط الشخصية، ولهذا السبب يطلقون على هذا المؤشر "اختبار الـ16 شخصية"، وكل نمط من هذه الأنماط يشير إلى طريقة معينة للتفاعل مع الحياة، ومن المهم معرفة أنه لا يوجد صوابٌ أو خطأ في الأمر؛ فلكلٍ مميزاته.
اقرأ أيضًا: اضطراب الشخصية التجنبية.. أسبابه وأعراضه وطرق التعامل معه
الأنماط الستة عشر
يُشير البعض إلى "مؤشر مايرز بريجز" بـ"اختبار الأنماط الستة عشر"، وفيما يلي لمحة سريعة عما يعنيه كل نمط من هذه الأنماط، ولكن تذكر دائمًا أنه لا توجد قوالب جامدة أو قواعد ثابتة؛ كل ما في الأمر أن هذه الأنماط تمثل خطوطًا عريضة لميولٍ وتوجهات قد تتداخل أو تختلف في الحياة الواقعية:
ISTJ (اللوجستي): واقعي، منظم، يلتزم باللوائح ويقدّر التقاليد.
ISTP (المبدع أو الصانع): مستقل، يعشق خوض التجارب العملية والتعلم المباشر.
ISFJ (المدافع أو الوصي): ودود ومتفانٍ؛ يهتم كثيرًا بحماية من يحبهم ورعايتهم.
ISFP (المغامر أو الفنان): مرن ومتأقلم، يتسم بالرهافة الفنية والحسّية.
INFJ (المحامي): عميق الرؤية ومبدع، نادرٌ نسبيًّا بين الناس، صاحب رؤية ورسالة.
INFP (الوسيط): مثالي، يسعى لنشر الخير وتحسين حياة الآخرين.
INTJ (المهندس): منطقيٌ مبدع، يجمع بين التحليل والابتكار.
INTP (المنطقي أو المفكر): هادئ؛ ينهل من عالم ثري بالأفكار.
ESTP (رائد الأعمال أو المُقنع): منفتح، عاشقٌ للحياة اللحظية، يتمتع بروحٍ اجتماعية وحماسية.
ESTJ (المدير أو التنفيذي): حازم، يحترم النظام والعدالة، قيادي بطبيعته.
ESFP (المُسلي أو المؤدي): اجتماعي، عفوي، يحب أضواء المسرح والاستمتاع بالحاضر.
ESFJ (المساعد أو القُنصل): طيب القلب، يهتم بمشاعر الآخرين ويتواصل معهم بسهولة.
ENFP (المناضل): مبدع، مفعم بالطاقة، يعمل بحماسٍ لإحداث تأثيرٍ إيجابي في العالم.
ENFJ (البطل): مخلصٌ، حنون، يحب المشاركة والعطاء السخيّ للآخرين.
ENTP (المحاور أو المناظر): ابتكاري، محبٌ للنقاش، يبدأ مشروعاتٍ جديدة، وقد يواجه صعوبةً في إنهائها.
ENTJ (القائد): جريء وثابت، يجيد التخطيط ورسم الاستراتيجيات وتنظيم المهمّات.
ما الذي يجعل مؤشر مايرز بريجز مميزًا؟

المميز بشأن "اختبار مايرز بريجز"، والشيء الذي يجعله حاضرًا بقوة سواء على مستوى الأفراد أو الشركات، هو بساطته، وتوافره على شكل استبيانٍ سريع عبر الإنترنت.
وعلى الرغم من أن نتائجه لا تتخذ طابعًا تشخيصيًا، كما هو الحال مع الاختبارات السريرية، فإن الكثيرين يجدون فيه بوصلةً توجههم نحو مجالات مهنية تناسبهم، أو تُفسر لهم نزعاتهم في العمل الجماعي والتواصل اليومي.
من جهةٍ أخرى، يحظى "مؤشر مايرز بريجز" بدعمٍ وإرثٍ كبيرين، من خلال "مؤسسة مايرز وبريجز Myers & Briggs Foundation" العريقة، والتي تستند فلسفتها إلى نظريات "كارل" حول الأنماط النفسية.
والجميل في هذه المؤسسة أيضًا أنها تهتم بالبحث العلمي للغاية، وتواصل تطوير المؤشر وتعميق طبقاته، مما يرفع من مستوى الثقة به.
ما مدى دقة مؤشر مايرز بريجز؟
بالرغم من شهرته الواسعة، فإن مؤشر "مايرز بريجز لم يسلم من الانتقادات، فقد تطرق باحثون إلى أسئلةٍ حول مدى مصداقية المؤشر، ومدى إمكانية الاعتماد عليه، إذ تُشير بعض الدراسات إلى أن بعض الأفراد قد يحصلون على نتائج مختلفة عند إعادة الاختبار بعد فترة قصيرة، وهو ما لا يجب أن يحدث، كما يرى آخرون أنه لا يقدم تنبؤات دقيقة حول النجاح الوظيفي، أو الأداء الاجتماعي بالشكل الذي يتمناه البعض.
ومع ذلك، تؤكد "مؤسسة مايرز وبريجز" أنّ المؤشر يستوفي معظم المعايير المقبولة في الأوساط النفسية، وتستشهد باستمرار شعبيته لأكثر من خمسة عقود، مع ملايين الاستخدامات سنويًا، كدليلٍ على فاعليته.
وفي النهاية، يُنظر إلى "مؤشر مايرز بريجز" كأداةٍ، لمساعدتنا على فهم أنفسنا وعلاقاتنا بشكلٍ أعميق، لا كمقياسٍ صارمٍ ينبغي أن يُصادر حرية الفرد في التصرّف خارج إطار النمط السائد.
الجدير بالذكر والمثير للاهتمام، أن الكثير من الشركات الكبرى تلجأ إلى "مؤشر مايرز بريجز"، لتوزيع المهام بشكلٍ يلائم نقاط قوة الأفراد، فعلى سبيل المثال، إذا كان أحد أعضاء الفريق يتسم بشخصية تنظيمية مثل نمط ISTJ أو ESTJ، فقد يكون أنسب شخصٍ لتنسيق الأجندات ووضع الخطط.
فيما قد يبرع من يميل إلى الإبداع مثل نمط ENFP أو INFP، في ابتكار رؤى جديدة وفتح حوارات ثرية مع العملاء، وفي النهاية يمكن القول إن فهم هذه الفروقات لا يكون لمجرد التصنيف، وإنما للاعتراف بمدى أهمية التنوع في الحياة والعمل.