"الإرهاق من اتخاذ القرارات".. أسبابه وكيفية التعامل معه

كثيرة هي القرارات التي تتخذها كل يوم، سواء فيما يتعلّق بالأمور الصغيرة، مثل شراء البقالة، أو الكبيرة كالقرارات المتعلقة بإدارة شركتك أو وظيفتك، وقد تُعانِي الإرهاق من اتخاذ القرارات دون أن تعي ذلك!
ومن ثم فقد تجد نفسك تتجنّب اتخاذ القرارات، أو تندفع أحيانًا، أو ربّما تجد نفسك مشتتًا في أثناء الكلام مع الآخرين، دون أن تدري أسباب ذلك، بينما قد يمرّ عليك الأمر مرور الكرام، فماذا يعني الإرهاق من اتخاذ القرارات؟ ولماذا يحدث؟ وكيف تتجنّبه؟ السطور التالية تجيب.
الإرهاق من اتخاذ القرارات
الإرهاق من اتخاذ القرارات، هي حالة من الإرهاق العقلي والنفسي، عندما يصبح من الصعب على الشخص المصاب بها اتخاذ قرار صائب، أو اتخاذ أي قرار على الإطلاق في بعض الأحيان، فالدماغ البشري مثل العضلات، قد يسأم العمل تمامًا، كما قد تتعب الساقان من الجري، وعندما يبلغ عقلك هذه النقطة من الإرهاق، قد تجد صعوبة في اتخاذ القرارات أو التفكير بوضوح.
وتشرح الدكتورة "ليزا ماكلين"، وهي طبيبة نفسية وكبيرة مسؤولي الصحة في "هنري فورد هيلث سيستم"، هذه الحالة، قائلة: "كُلّما زاد عدد القرارات التي يتعيّن عليك اتخاذها، زاد الإرهاق الذي يصِيبك، وزادت صعوبة اتخاذ القرار".
أمثلة على الإرهاق من اتخاذ القرارات في حياتك اليومية
قد تواجِه الإرهاق من اتخاذ القرارات في كثيرٍ من الأمور في حياتك اليومية، ومن الأمثلة الجليّة على ذلك:
1. تخطيط الوجبات:
قد تكون بعض الأشياء العادية مرهقة، مثل التفكير المستمر فيما تأكله كل يوم، وذلك بسبب العدد الهائل من القرارات التي ستتخذها، فقد تمر بالعديد من الوصفات في انتظار أن تبرز واحدة مميّزة في اختيارها، لكن جميعها تبدو جيدة، مما قد يُفضِي إلى الإرهاق من اتخاذ قرار تحضير وجبة بعينها، أو ربّما تختار وصفة عشوائية دون التحقّق جيدًا من متطلّباتها، فإرهاق القرارات يؤثر في الحياة اليومية، وإن لم يكُن ذلك واضحًا بالنسبة لك.
2. العمل:
قد يؤثر الإرهاق من اتخاذ القرارات في العمل على الكثير من الأمور، مثل المماطلة في تحديد جدول زمني لمشروع كبير، أو إجراء العديد من المقابلات الشخصية مع المتقدِّمين للوظائف، وقد تجد نفسك تحاول تقليص قائمة المرشّحين إلى عدد يمكنك التحكّم به.
لكن بنهاية اليوم، قد لا تصبح قادرًا على التمييز بين المرشحين بوضوح، فتختار 3 من المتقدّمين الذين تتذكّر أسماءهم لإجراء مقابلة، وربّما يؤدي اختيارك بهذه الطريقة العشوائية إلى تجاهل أفضل المرشحين، ومِنْ ثمّ خسارة فرصة توظيف الشخص المناسب.
اقرأ أيضًا:كيفية التغلب على الإرهاق والتعب الدائم
3. إدارة المنزل:
تتطلّب إدارة المنزل اتخاذ العديد من القرارات التي لا تنتهي، مثل اختيار منظّف الغسيل لشرائه، ومكان تخزين الملابس، والبقالة المطلوب شراؤها وغيرها من الأمور المنزلية، ويمكن أن يؤدي هذا الكمّ الهائل من القرارات إلى زيادة احتمالية الإرهاق من اتخاذ القرارات.
كيف تعرف أنّك مرهق من اتخاذ القرارات؟

للإرهاق من اتخاذ القرارات سمات مميّزة؛ أهمها:
1. المماطلة أو تجنّب اتخاذ القرارات:
يُعدّ تأجيل القرارات أو تجنّب بعض الأشخاص أو المواقف، تمامًا أحد أكثر الاستجابات شيوعًا لإرهاق القرار، وهذه بعينها قد تكون المماطلة دون أن تعي ذلك.
2. الاندفاع:
إذا كُنت تتخذ قرارات معقدة طوال اليوم، فقد تجد نفسك أقل حرصًا بشأن الخيارات الأخرى التي يتعيّن عليك اتخاذها، مثل إنفاق الكثير من المال للتسوّق عبر الإنترنت، أو قد يتخذ الاندفاع أشكالًا أخرى مختلفة، لكنه في النهاية قد يكون علامة على إرهاقك من اتخاذ القرارات.
3. صعوبة التركيز:
هل تواجِه فجأة مشكلة في إنهاء الجمل عندما تتحدّث؟ هل تستمر في نسيان الأسماء أو يتشتّت انتباهك عندما يحاول الناس التحدّث إليك؟ هذا ما قد يفعله إرهاق القرار من ضبابية الدماغ؛ إذ لا تستطيع التركيز أو الاحتفاظ بالمعلومات قصيرة الأمد.
اقرأ أيضًا:«إرهاق الشتاء».. ما هي أعراض الاضطراب العاطفي الموسمي؟
4. الشعور بالإرهاق:
قد تشعر كأنّ عقلك لم يعُد يحتمل المزيد من المعلومات أو المهام الإضافية، فليس فيه مُتسع إضافي، وهذا الشعور بالإرهاق قد يكون دليلًا على أنّ اتخاذ القرارات قد أرهقك بالفعل، ومن ثم تحتاج إلى التعامل جيدًا مع هذه الحالة.
5. الندم:
قد تكون قد اتخذت القرار بالفعل، لكنّك ما زلت تفكّر فيه بعد مرور ساعات وتُشكِّك فيه، وهذا قد يكون بسبب إرهاق القرار، كما أنّ إعادة النظر في القرارات السابقة يمهّد الطريق لنمط مُعتاد من الشكّ الذاتي، مما يزيد احتمالات الشعور بالندم.
6. نزاعات في العلاقات:
قد تجعل مواردك العقلية المستنزَفة من القرارات، والتعبير عن المشاعر والاحتياجات أمرًا صعبًا، كما قد يكون حل المشكلات مع فريقك أمرًا مستحيلًا، بل إنّ هذا الاستنزاف الذهني قد يُضعِف قدرتك على الحوار الجيد في أثناء المحادثات مع الآخرين، ما يؤدي غالبًا إلى النزاع.
7. انزعاج بدني:
قد يؤدي التوتر الناجِم عن صعوبة اتخاذ القرارات إلى مجموعة من الأعراض الجسدية، مثل الصداع وارتعاش العين والغثيان وغير ذلك.
اقرأ أيضًا:أعراض نقص المغنيسيوم عند الرجال.. منها الاكتئاب والإرهاق
أسباب الإرهاق من اتخاذ القرارات
أي إنسانٍ مُعرّض للإرهاق من اتخاذ القرارات، وقد يحدث ذلك لأي من الأسباب الآتية:
1. اتخاذ العديد من القرارات كل يوم:
يُعدّ القضاة والجرّاحون أمثلة واضحة على هذا الأمر، إذ يتخذون العديد من القرارات السريعة كل يوم، وبالمثل أي وظيفة أو دور يتطلّب العديد من القرارات السريعة.
2. توخّي الكمال:
قد يؤدي الضغط الإضافي، المتمثّل في رغبتك إلى أن تجعل كل الأشياء "مثالية"، إلى تفاقم القلق المرتبط باتخاذ الخيارات، ما يؤدي أحيانًا إلى الإرهاق من اتخاذ القرارات.
3. أن تكون في موقف صعب:

قد يمرّ الشخص بموقفٍ نفسي صعب، كما في حالة فقدان أحد الأحباء، مما قد يؤثر في القدرة على التفكير واتخاذ القرار، فمثلًا قد يكون اختيار الزهور قرارًا بسيطًا غير مُعقّد، أمّا عند التخطيط لمراسم تأبين أحد الأحبة، فقد يكون اتخاذ قرارات -بسيطة- مثل اختيار الزهور مهمة شاقة.
4. التوتر وتدهور الصحة النفسية:
يستنفد التوتر القدرات النفسية والذهنية، ما يزيد خطر المعاناة من إرهاق القرار، كما قد تتطلّب مواجهة مشكلات الصحة النفسية كالاكتئاب أو القلق أو غيرها، طاقة عقلية كبيرة، ومِنْ ثَمّ لا يتبقّى سوى القليل فقط لاتخاذ القرارات، ما يجعلك أكثر عُرضةً للإرهاق جراء اتخاذ القرارات.
اقرأ أيضًا:تغلّب على قلقك في دقائق باستخدام قاعدة 3-3-3
هل هناك علاقة بين الإرهاق من اتخاذ القرارات و"ADHD"؟
يمكن أن يعاني أي شخص إرهاق القرار، لكنّه يحدث عادةً بعد اتخاذ الكثير من القرارات المُعقّدة، وبالنسبة للأشخاص المصابين بـ"اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه ADHD"، يمكن أن يصبح الإرهاق من اتخاذ القرارات حالة شبه ثابتة، حتى في الأيام التي لا يتخذون فيها قرارات صعبة بشكل خاص.
كيف تتغلّب على الإرهاق من اتخاذ القرارات؟
إنَّ أفضل طريقة للتغلّب على الإرهاق من اتخاذ القرارات هي توجيه أفكارك وأفعالك بوعي، ومما يساعدك على ذلك:
1. إنشاء قائمة بالقرارات ذات الأولوية:
حاول أن تقلّل من عملية اتخاذ القرار غير الضروري، من خلال تدوين أولوياتك لهذا اليوم، والتأكّد من أنّك تتعامل معها أولًا، فبهذه الطريقة تتخذ أهم قراراتك، عندما تكون طاقتك في أعلى مستوياتها.
2. الحد من القرارات اليومية البسيطة:
يمكنك تقليل العبء العقلي الناجم عن اتخاذ القرارات، من خلال التخطيط المسبق واتخاذ بعض القرارات قبل الحاجة إليها، وهي قرارات رغم بساطتها فإنّ تكرارها قد يُسبِّب إرهاقًا، خاصةً إذا تكرّرت طوال اليوم، فمثلًا يمكنك أخذ غدائك للعمل لتجنّب الاضطرار إلى تحديد المطعم الذي تطلب منه؛ أي لتجنّب التفكير في مكان الطعام كل يوم.
3. التركيز على الرعاية الذاتية:
ينبغي أن تخصّص فترات للراحة لمدة 10 دقائق مثلًا بين المهام على مدار اليوم، بالإضافة إلى الحصول على قسطٍ كاف من النوم ليلًا، وتناول طعام صحي؛ إذ ينبغي أن تهتم بذاتك كثيرًا، خاصةً مع التوتر أو اتخاذ الكثير من القرارات كل يوم.
اقرأ أيضًا:متلازمة التعب المزمن.. عندما لا تكفيك الراحة أبدًا!
4. امتلك فلسفة شخصية لاتخاذ القرارات الكبيرة:

من الجيد عند اتخاذ قرارات كبيرة أن تسأل نفسك عن مدى شعورك بالإرهاق في هذه اللحظة، لأنّك إذا كُنت مرهقًا، خاصةً بعد اتخاذ الكثير من القرارات كل يوم، فإنّ اتخاذ القرار في تلك الحالة قد يكون أقل دقة وموضوعية.
فهل القرار الذي ستتخذه الآن مجرّد حل لمشكلة بسيطة، أم أنّه يتطلّب تفكيرًا أعمق بسبب تأثيره الكبير في حياتك؟ فالسؤال الذي ينبغي أن تطرحه على نفسك: "ما تأثير هذا القرار في حياتي؟".
فإذا كان له تأثير كبير من وجهة نظرك، فيجب أن تتخذ القرار فقط عندما تكون في حالة ذهنية جيدة، أو إذا كانت الحاجة مُلحّة.
ويُفضّل تخصيص وقت كل شهر لدراسة الإيجابيات والسلبيات المُتعلّقة بالقرارات الكبرى، مما يساعدك على اتخاذ قرارات مدروسة بدلًا من اتخاذ قرارات متسرعة أو ناتجة عن الإرهاق.