من ناقل للأمراض إلى موزع للقاحات.. علماء يستغلون البعوض لمكافحة "الملاريا"!
استطاع فريق من الباحثين تحويل البعوض إلى أداة مفيدة للصحة العامة، عبر نقل وتوزيع اللقاحات بدلًا من الأمراض، ما يمثل تحولًا جذريًا لهذه الحشرة التي طالما كانت سببًا في أمراض البشر.
يُعد هذا الابتكار تحولاً مهمًا في مواجهة أمراض مثل "الملاريا"، ما يوفر أملاً جديدًا في القضاء على هذه الأمراض المستعصية.
وفي التجارب البشرية، أثبتت اللقاحات التي يحملها البعوض فعالية تصل إلى نحو 90%، وفقًا لما نشره موقع New Atlas، نقلاً عن دورية New England Journal of Medicine.
البعوض كوسيلة توصيل للقاحات
خلال تجاربهم حول فريق الباحثين من "جامعة لندن كوليدج"، البعوض إلى سرب محمول جوي من أنظمة توصيل اللقاحات العضوية، حيث تعتمد هذه الأنظمة على ملايين السنين من التطور الطبيعي، لضمان حقن السكان بأكملهم باللقاحات والجرعات المعززة المنتظمة، ولم يكن من الضروري حتى تعديل البعوض وراثيًا، الأمر الذي يعد إنجازًا في حد ذاته.
فحص فريق البحث، من "كلية الصحة والطب الاستوائي بـجامعة لندن كوليدج"، طفيل Plasmodium falciparum، الذي يعد أكثر الطفيليات فتكًا بالبشر، وأحد مسببات عدوى مرض "الملاريا"، حيث أن هذه الطفيليات الصغيرة تتعايش مع إناث بعوض "الأنوفيلة"، وتختبئ في الغدد اللعابية جنبًا إلى جنب مع إنزيمات البعوض الطبيعية المضادة للالتهابات والمضادة للتخثر.
وعندما يتعرض الشخص للدغة البعوض، يدخل ما يصل إلى 200 من ركاب طفيل "المتصورة المنجلية" إلى مجرى الدم، وهذه الطفيليات تبحث عن خلايا الكبد، وتختبئ فيها ثم تبدأ في التكاثر.
وفي غضون أسبوع، ستقوم كل وحدة بإفراز حوالي 100,000 طفيل جديد في مجرى الدم، ما يؤدي إلى غزو خلايا الدم الحمراء وقتلها، مما يعكس أعراض "الملاريا" المألوفة مثل: الحمى، والقشعريرة، والإرهاق، وتجلط الدم، ومجموعة من المضاعفات الخطيرة الأخرى.
اقرأ أيضًا: نصف مرضى الأورام في الخليج بحاجة إلى العلاج الإشعاعي
ولا يزال مرض "الملاريا" يمثل تهديدًا كبيرًا، ووفقًا للمراكز الأمريكية لمكافحة الأمراض والوقاية منها CDC، هناك حوالي 249 مليون حالة إصابة بشرية في عام 2022، ما أدى إلى حوالي 608,000 حالة وفاة في العديد من البلدان المتضررة من هذا المرض.
وقد أجرى الباحثون أبحاثًا لتعديل طفيل P. falciparum وراثيًا، ليكون بمثابة لقاح بدلاً من كونه ناقلاً للمرض، وهذا النهج يسمح للطفيل بالتصرف كالمعتاد، حتى يصل إلى خلايا الكبد البشرية ويبدأ في التكاثر.
وبعد حوالي ستة أيام من الإصابة، تتوقف طفيليات GA2 المعدلة التي طورها الفريق عن التطور، ولا تطلق الطفيليات الثانوية في مجرى الدم، ولكنها تطلق مجموعة كاملة من المستضدات، التي تزود جهاز المناعة البشري باستجابة التهابية قوية، يتم تحفيزها بسرعة في المرة القادمة التي يظهر فيها طفيل غير معدل يحمل الملاريا في خلية الكبد.
الآثار الجانبية والآمال المستقبلية
ووفقًا لبيان صحفي لفريق الباحثين، فإنه بخلاف الحكة المرتبطة بلدغات البعوض، كانت الآثار الجانبية محدودة، حيث يأمل الفريق في إجراء تجربة أكبر بكثير لتكرار نتائجهم وتأكيدها.
اقرأ أيضًا: مرض "سيلياك الصامت".. هل يمكن أن تكون مصابًا دون أن تشعر؟!
ويرى الباحثون أنه إذا تم إطلاق أعداد كبيرة من الحشرات الحاملة لـGA2 في البرية، في المناطق المنكوبة بـ"الملاريا"، فإن شهيتها الطبيعية ستضمن حصول جميع السكان على لقاحات معززة منتظمة خلال الأجزاء الدافئة الرطبة من العام، عندما يكون خطر الإصابة بالعدوى في أعلى مستوياته، وبدون الحاجة إلى سلاسل التوريد المبردة والإبر الصحية والأطباء المدربين.
ومن المتوقع أن تستغرق تلك الخطوات وقتًا وتكاليف باهظة، حيث إن إدخال طفيليات GA2 إلى الحشرات يتطلب عمالة مكثفة جدًا، حيث يتم زراعة الطفيليات في المختبر على خلايا الدم البشرية، ثم يتم تغذية هذا الدم للبعوض، مما يستغرق ما يصل إلى أسبوعين قبل أن يصبح البعوض جاهزًا لنشره.