"صور المعابد خالية من هذه القطع".. لماذا لم يظهر المصريون القدماء بملابس شتوية؟




يرتدي المصريون حاليًا ملابس ثقيلة لحماية أنفسهم من الطقس البارد في الشتاء الذي قد تصل برودته إلى تساقط الثلوج في بعض المحافظات. لكن عندما يرون أسلافهم القدماء في الصور سواء على جدران المعابد أو المقابر، يجدونهم دائمًا يظهرون مرتدين ملابس صيفية زاهية. ألم يكن لديهم شتاء؟
تنشر مجلة "المجلة" بحثًا في هذا الأمر، وعندما وجهوا السؤال السابق ذكره إلى الدكتور مجدي شاكر، كبير الأثريين بوزارة السياحة والآثار المصرية، أجاب قائلاً: "ما نجده في رسومات جدران المقابر والمعابد لا يعكس بالضرورة كل ما كان يجري في الحياة المصرية القديمة".
وأضاف أن المصري القديم اعتاد أن يرسم نفسه على جدران المعابد والمقابر في صورة مثالية، لإنسان جسمه مثالي، ويرتدي أجمل الثياب، وفي شبابه وأوج صحته وعظمته، ومنطقي ألا تكون هذه هي حالة كل المصريين طوال الوقت، فكان بالتأكيد هناك البدناء منهم والعجزة والفقراء الذين لا يرتدون الفخم من الثياب، بل أراد المصري القديم أن يخلد شكله على الجدران التاريخية "في صورة الكمال الذي كان يتمناه في العالم الآخر".
آمن المصريون القدماء في الحياة بعد الموت والبعث. واعتقدوا أن الأرواح ستتعارف بعد الموت عن طريق الأسماء والألقاب المدونة على الجدران، والمومياوات المحنطة، والتماثيل المنحوتة، والنقوش المرسومة لهم على الجدران. لهذا اهتموا برسم أنفسهم في أبهى صورة، وبالطبع تظهر الملابس الصيفية الكاشفة شكل الجسد أفضل من الملابس الشتوية الثقيلة.

وأضاف "شاكر": "رغم ذلك هناك بعض المشاهد المصورة على الجدران تظهر المصريين القدماء في ملابس شتوية. عامة، اعتاد المصري القديم، رجال ونساء، ارتداء ملابس مصنوعة من الكتان؛ بطبقة واحدة في الأجواء الحارة وعدة طبقات في الأجواء الباردة. فقد كانوا يأتون بألياف الكتان من نباتات الكتان التي تنمو بكثرة على ضفاف نهر النيل".
وأشار إلى أن الجو في مصر القديمة كان أدفأ مما هو عليه الآن. فقد كان العام مقسمًا إلى ثلاثة مواسم كل واحد منها مقسم إلى 4 أشهر. السنة تبدأ في يونيو، وأول فصولها فصل الفيضان "آخت" ويوافق أشهر "توت وبابه وهاتور وكيهك"، ويستمر حتى منتصف أكتوبر، ورمزه كان "نفر" الذي يدل على الجمال. والفصل الثاني هو فصل البذر "برت" ويتميز بظهور الأرض بعد انحسار مياه الفيضان ويقع الجانب الأكبر منه في الشتاء، ويبدأ من منتصف أكتوبر ويستمر حتى منتصف فبراير ويُرمز له بالعلامة "حتب" فهو فصل الاستقرار والخير. والفصل الثالث هو فصل الحصاد "شمو"، ويبدأ من منتصف شهر فبراير ويستمر حتى منتصف شهر يونيو؛ ويوافق أشهر "بشنس وبؤونة وأبيب ومسرى" ويُرمز له بالعلامة "عنخ" رمز الحياة.
اقرأ أيضًا:لا غنى عنها في الليالي الباردة.. أفضل كنزات صوفية لشتاء دافئ

وقال: "ما أضفى المزيد من الدفء إلى البيئة المصرية القديمة هو طريقة بناء البيوت نفسها. فقد كانوا يبنون المنازل من الطوب اللبن، وبعض تلك البيوت كانت تتكون من طابقين أو ثلاثة. وكانت الشوارع ضيقة والبيوت متقاربة وكانوا يخبزون في أفران داخل المنزل. كل هذا كان يساعد على الشعور بالدفء في الجو البارد".

الملابس في مصر القديمة
صناعة الملابس واحدة من أقدم الصناعات في مصر القديمة، وكانت تمر بالعديد من المراحل بداية من جمع محصول النباتات الكتان وهو القماش الأكثر شهرة واستخدامًا في مصر القديمة، ثم تركه في الشمس ليجف، ثم تنظيفه وجمعه واستخراج الألياف منه لعمل الخيوط.
وأضاف الخبير الأثري الدكتور حسين عبد البصير، رئيس متحف الأثار بمكتبة الإسكندرية أن ملابس المصريين القدماء دائمًا ما كانت مناسبة لشكل حياتهم وبيئتهم. فالرجال من الطبقة العاملة ارتدوا الملابس القصيرة كي تناسب أعمالهم اليومية على ضفاف النيل، وفي الحقول، وأثناء المعارك الحربية وغيرها؛ وكذلك النساء من الطبقة نفسها. أما المنتمون إلى الطبقة العليا في مصر القديمة فقد كانت لهم ملابس طويلة بأكمام طويلة أو قصيرة. وكانت فساتين الملكات تتميز بالرقة والجمال والطول والاحتشام، ولها أكثر من طبقة كي لا تكون شفافة.
اقرأ أيضًا:استعد للشتاء.. أحدث 6 حقائب رجالية أنيقة "خير رفيق لك"

وأضاف الدكتور حسين عبد البصير: "زي الخادمات والطبقات الدنيا كانت تميل إلى الخشونة والشفافية وأحيانًا القُصر، فتُظهر أكثر مما تخفي، وكانت النساء العاملات يرتدين أيضًا ملابس بسيطة وعملية”.
أما في الشتاء، فأوضح "عبد البصير" أن المصريين القدماء كانوا يرتدون أكثر من طبقة من الكتان، وكانت النساء يرتدين الشيلان فوقها. لكنهم حرموا على أنفسهم بعض الأقمشة مثل الصوف المأخوذ من كائنات حية لأنهم اعتبروه "نجسًا"، إذ عُثر في مقبرة توت عنخ آمون من الأسرة الثامنة عشرة (حكم في الفترة ما بين 1332 و1323 قبل الميلاد)، على العديد من قطع الملابس الشتوية المصنوعة من الكتان ذات الطبقات المتعددة. وظهرت الملكة المصرية نفرتاري زوجة رمسيس الثاني في بعض الصور وهي ترتدي عباءة بيضاء طويلة فوق فستانها.
وفي رأيه أن الجو المعتدل في مصر القديمة ساعد على تكوين الحضارة المصرية لأنه سهّل على الناس حينها الخروج والبناء والاستمتاع بالحياة؛ فيما تأخر ظهور الحضارة الأوروبية نظرًا للجو البارد.

في حين نشر موقع "أركيولوجي ناو" المهتم بعلم الآثار بحثًا يتضمن معلومات أن المصري القديم استخدم خيوط الصوف لصُنع جوارب لتدفئة قدميه. ونشر موقع "المتحف البريطاني" تأكيدًا لذلك تضّمن صورة لجورب القدم اليسرى لطفل مصري قديم يفصل بين إصبع القدم الكبير وأربعة أصابع أخرى، مصنوع من 6 أو 7 ألوان من خيوط الصوف.
.jpg)