أغلى اللوحات في 2025: موسم استثنائي أعاد تشكيل سوق الفن العالمي
في عام شهد واحدة من أكثر الدورات الفنية إثارة في تاريخ المزادات العالمية، تحوّلت الأرقام القياسية من مجرد أخبار عابرة إلى ظاهرة تعيد تشكيل خريطة القيمة الفنية على مستوى العالم.
أغلى لوحات 2025
لكن ما ميّز مزادات 2025 حقًا لم يكن فقط الارتفاع اللافت في الأسعار، بل التنوّع المدهش في طبيعة الأعمال المعروضة، من لوحات الطبيعة الهادئة، مرورًا بالتجريد القوي والصرامة الهندسية الدقيقة، وصولاً إلى الهيمنة اللافتة لغوستاف كليمت الذي نجح في خطف الأضواء بشكل غير مسبوق هذا العام.
هذا التقرير يأخذك في جولة بين أهم اللوحات التي تصدّرت عناوين العام، ليس بوصفها صفقات مالية وحسب، وإنما باعتبارها لحظات حية من تاريخ الفن، يبقى أثرها الجمالي قائمًا مهما تغيّرت الأرقام والأسماء.
لوحة La Lecture - بيكاسو | 45 مليون دولار
في سوق فني تتسابق فيه الأسماء الكبيرة على تحطيم الأرقام، عادت لوحة La Lecture (القراءة) لتحتل موقعًا متقدّمًا بعدما خطفت الأضواء في مزاد كريستيز، محققة 45 مليون دولار في لحظة أعادت تأكيد الجاذبية الخالدة لأعمال بيكاسو الذهبية.
تقدم اللوحة التي رُسمت عام 1932، ماري‑تيريز والتر، الشخصية التي تركت أثرًا عميقًا في حياة بيكاسو الفنية، في لحظة هدوء نادرة، امرأة مستغرقة في القراءة، جلستها الوادعة تنقل إحساسًا بالسكينة، وملامحها تحمل تلك الهشاشة الهادئة التي ميزت كثيرًا من أعمال تلك الفترة.
لكن القوة الحقيقية للعمل تظهر في أسلوب بيكاسو نفسه: ألوان زاهية، وكتل لونية جريئة، وخطوط تتعامل مع الجسد بوصفه مساحة للتعبير العاطفي، لا مجرد موضوع بصري.
تجمع هذه العناصر صنع لوحة تحتفظ بخصوصيتها، وتمثّل واحدة من أكثر أعماله قربًا من حياته الشخصية وانعكاسًا لمشاعره آنذاك.
لوحة Nymphéas - كلود مونيه | 45.4 مليون دولار
حتى داخل عالم الفن الانطباعي الذي يضم أعمالًا أيقونية لا تُنسى، تبقى سلسلة Nymphéas (الزنابق) لمونيه بمكانة مختلفة، وكأنها مشروع العمر الذي صاغ من خلاله الفنان رؤيته الأخيرة للطبيعة والضوء.
ومع بيع إحدى لوحات هذه السلسلة في مزاد كريستيز مقابل 45.4 مليون دولار، عاد الاهتمام مجددًا إلى العمل الذي شكّل خلاصة تجربة مونيه الفنية في سنواته المتقدمة.
لم تكن زنابق الماء مجرد موضوع رسم بالنسبة لمونيه، بل تحوّلت إلى مختبر بصري صنعه بنفسه في حديقته في جيفرني. من هناك، انطلقت واحدة من أوسع السلاسل في تاريخ الفن، نحو 250 لوحة تمتد على أكثر من ثلاثة عقود.
كل لوحة تعيد صياغة المشهد ذاته: سطح ماء يعكس السماء، ضوء يتغير لحظة بلحظة، وظلال أشجار تتداخل على صفحة البركة.
ورغم وحدة الموضوع، تظهر كل لوحة في السلسلة بملامح مختلفة، وكأن مونيه كان يحاول الإمساك بلحظة بصرية مستحيلة التكرار. الألوان المتناثرة، ضربات الفرشاة الخفيفة، والاعتماد شبه الكامل على الانطباع اللحظي كلها عناصر تمنح اللوحة المباعة حضورًا خاصًا يختصر مشروعًا كاملًا في قطعة واحدة.
لوحة Composition with Large Red Plane - بيت موندريان | 47.5 مليون دولار
على عكس كثير من اللوحات التي تعتمد على الدراما أو الموضوع الإنساني، تقدّم هذه القطعة من موندريان تجربة بصرية قائمة على الفكرة قبل الصورة.
لوحة Composition with Large Red Plane, Bluish Gray, Yellow, Black and Blue (تكوين مع سطح أحمر كبير، رمادي مزرق، أصفر، أسود وأزرق) المباعة في مزاد كريستيز مقابل 47.5 مليون دولار، تمثل واحدة من اللحظات الحاسمة التي بلغ فيها الفنان الهولندي أقصى درجات النقاء في أسلوبه.
لا تفرض اللوحة نفسها عبر حركة أو قصة، بل عبر صرامة هندسية تبدو في ظاهرها بسيطة، وفي عمقها نظام بصري دقيق. الخطوط السوداء، عمودية وأفقية، تنشئ شبكة متوازنة تُخضع المساحة بالكامل إلى منطق رياضي واضح، فيما تتوزع الألوان الأساسية حول المستطيل الأحمر الكبير الذي يحتل موقعًا غير صادم لكنه محوري في التكوين.
هذه اللوحة تُظهر كيف استطاع موندريان تحويل التجريد من حركة فنية إلى لغة كاملة، لا تعتمد على التفاصيل ولا على التشخيص، بل على فكرة أن الجمال يمكن أن يولد من الانضباط، وأن اللوحة قد تُحكى عبر خطوط مستقيمة بقدر ما تُحكى عبر عواطف قوية.
لوحة Crowns (Peso Neto) - جان‑ميشيل باسكيا | 48.3 مليون دولار
لم تكن لوحة Crowns - Peso Neto (التاج - وزن صافي) مجرد عمل مبكر لجان‑ميشيل باسكيا، بل كانت اللحظة التي غادر فيها الشاب العشريني أرصفة نيويورك المليئة بالغرافيتي إلى بوابة الفن المعاصر العالمي.
اعتمد باسكيات هنا مزيجًا من الأكريليك وعصى الزيت والكولاج الورقي على القماش، ليخلق سطحًا بصريًا مضطربًا لكنه منظم بطريقة لا يراها إلا الخبراء وعشّاق اللوحات غير تقليدية.
المساحة البيضاء الكبيرة ليست فراغًا، بل مسرح تتوزع عليه وجوه مجردة، علامات سريعة، وخطوط تبدو كأنها التقطت مباشرة من نبض الشارع. وسط هذا كله يظهر التاج، الرمز الذي سيصبح لاحقًا توقيعًا شخصيًا في أعماله.
لكن التاج عند باسكيات ليس عنصرًا زخرفيًا، إنه بيان قوة. رمز يرفع المهمشين، ويُضفي مكانة على الشخصيات التاريخية والثقافية التي أعاد قراءتها بطريقته، وفي بعض الأعمال يكاد يكون إعلانًا عن مكانته هو نفسه داخل عالم لم يكن مستعدًا تمامًا لاستقباله.
بيع هذه التحفة في مزاد سوذبيز مقابل 48.3 مليون دولار جاء ليؤكد من جديد أن تلك المرحلة المبكرة من مسيرة باسكيا، كانت لحظة تأسيسية في صعود واحد من أكثر الفنانين تأثيرًا في تاريخ الفن المعاصر.
لوحة El sueño (La cama) - فريدا كاهلو | 54.6 مليون دولار
من بين الأعمال التي تحمل بصمة فريدا كاهلو الأكثر صدقًا وجرأة، تأتي لوحة (El sueño (La cama (الحلم - (السرير)) لتقدّم مشهدًا يتجاوز حدود التصوير التقليدي ويقترب من مناطق فريدا الأكثر خصوصية.
هذا العمل الذي أُنجز عام 1940 لا يكتفي بعرض صورة، بل يفتح نافذة على عالم داخلي تمزج فيه الفنانة بين الألم والخيال والرمز بطريقة لا تتكرر كثيرًا في عالم الفن.
تظهر فريدا في اللوحة نائمة على سرير خشبي يعلو السماء، محاطًا بغيوم تتداخل معها كروم نباتية تلتف حول المشهد كأنها تربط الأرض باللاوعي.
هذا السرير، وهو أحد الأيقونات المتكررة في عالم فريدا، لم يكن مجرد قطعة أثاث في حياتها، بل مساحة حملت معها الأذى الجسدي والنفسي الذي عاشته لسنوات طويلة.
لكن العنصر الأكثر إثارة هو الهيكل العظمي المُغطّى بالديناميت والممسك بباقة زهور. هنا تتجلى لغة فريدا الرمزية التي لا تفصل بين الموت والحياة، بين الخطر والجمال. فالهياكل العظمية كانت دائمًا جزءًا من الثقافة المكسيكية، لكنها عند فريدا تتحول إلى مرآة لمخاوفها ورغباتها وإدراكها الهش للطبيعة الإنسانية.
لوحة No. 31 (Yellow Stripe) - مارك روثكو | 62.1 مليون دولار
تستمد لوحة No. 31 (Yellow Stripe) أهميتها من التركيب المادي الدقيق الذي ميّز أعمال روثكو في أواخر الخمسينيات، تلك المرحلة التي اعتمد فيها الفنان على طبقات رقيقة من اللون تُبنى ببطء فوق بعضها لتكوين سطح متعدد العمق من دون استخدام أي تفاصيل إضافية.
تقوم اللوحة على ثلاثة حقول لونية رئيسة، لكن العنصر الذي يحدد توازنها هو الشريط الأصفر. إدراج هذا الشريط لم يكن خيارًا بصريًا فحسب، بل عنصر ضبط هندسي يؤثر على علاقة العين بباقي المساحات ويحدد اتجاه القراءة البصرية للعمل.
من منظور تجريدي صارم، يعكس العمل قدرة روثكو على استخدام الحد الأدنى من العناصر للوصول إلى تأثير بصري طويل المدى، وهو ما جعل هذه اللوحة من بين أكثر أعماله تقديرًا في السوق المعاصر.
بيعها في مزاد كريستيز مقابل 62.1 مليون دولار يعكس هذا التقدير، ليس من زاوية شهرة العمل بقدر ما هو تثمين لطريقة إنتاجه ولموقعه ضمن النضج التقني لأسلوب الفنان.
لوحة Piles de romans parisiens et roses dans un verre - فنسنت فان غوخ | 62.7 مليون دولار
لا يمكن لأي قائمة تضم أغلى اللوحات المباعة أن تخلو من عمل لفنسنت فان غوخ، فوجوده لم يعد مرتبطًا بقيمة اللوحة وحدها، بل بالموقع الراسخ الذي يحتله بوصفه أحد أكثر الفنانين تأثيرًا في تاريخ الفن الحديث.
ومع بيع لوحة Piles de romans parisiens et roses dans un verre (أكوام من الروايات الباريسية وورود في كأس) في مزاد سوذبيز مقابل 62.7 مليون دولار، عاد اسم فان غوخ ليؤكد حضوره الطبيعي في المراتب الأولى.
اللوحة تنتمي إلى فترة إقامته في باريس عام 1887، وهي مرحلة شهدت تحوّلا حقيقيًا في أسلوبه نحو ألوان أكثر حيوية تحت تأثير التيارات الفنية الباريسية.
يقدّم العمل طبيعة صامتة بسيطة في ظاهرها، أكوام من الروايات الفرنسية، وبجوارها وردة داخل كأس، لكنه يكشف جانبًا مهمًا من اهتمامات الفنان الفكرية في تلك الفترة، وعلاقته بالثقافة الأدبية التي كانت جزءًا من يومياته.
اختيار الكتب والوردة لم يكن عشوائيًا. فأغلفة الروايات الفرنسية ذات اللون الأصفر كانت من أكثر الأشياء التي لفتت نظر فان غوخ في باريس، وكان يقرأها بشغف، فيما تضفي الوردة عنصرًا بصريًا يكسر الخطوط الحادة للكتب ويوازن التكوين.
لوحة Waldabhang bei Unterach am Attersee - غوستاف كليمت | 68.3 مليون دولار
حضور غوستاف كليمت في قوائم المزادات الكبرى ليس أمرًا مفاجئًا، لكن ما يميّز لوحة Waldabhang bei Unterach am Attersee (منحدر غابي في أونتراخ على بحيرة آترسي) أن قيمتها لا تأتي من اسم صاحبها فحسب، وإنما من موقعها داخل المرحلة الأخيرة من أعماله الطبيعية.
اللوحة، التي أُنجزت عام 1916، تنتمي إلى سلسلة المناظر التي رسمها كليمت عن بحيرة آترسي، المكان الذي لجأ إليه بعيدًا من صخب المدن، ووجد فيه مساحته الخاصة للتأمل والعمل بهدوء.
يُظهر العمل منحدرًا يطلّ على قرية أونتيراخ، لكن كليمت لا يقدّم المشهد بوصفه تسجيلا بصريًا للطبيعة، بل يعيد تنظيمه بطريقة تبرز البناء العام للتكوين قبل أي تفاصيل.
الكثافة النباتية، توزيع المساحات، والملمس المتكرر في سطح اللوحة تكشف جميعها رغبة الفنان في الوصول إلى شكل بصري متوازن، أكثر منه وصفًا دقيقًا للمكان.
ورغم أن العمل ينتمي إلى الطبيعة، فإنه يبتعد من واقعية المنظر التقليدية، فالمشهد أقرب إلى معالجة هندسية ناعمة للغابة، بحيث يوازن كليمت بين العمق والإيقاع اللوني لخلق إحساس بالامتلاء البصري من دون ازدحام.
هذا الأسلوب كان من السمات الواضحة في لوحات كليمت المتأخرة، والتي أصبحت اليوم من بين أكثر الأعمال المطلوبة في السوق العالمي.
لوحة Blumenwiese - غوستاف كليمت | 86 مليون دولار
لم يكن السعر الاستثنائي للوحة Blumenwiese (مرج الزهور) مجرد رقم مرتفع في مزادات 2025، بل كان حالة لافتة أثارت سؤالا واضحًا في سوق الفن: ما الذي يجعل لوحة طبيعة صامتة تقفز إلى هذا المستوى فيما تبقى أعمال أخرى من الفترة نفسها في نطاق أقل بكثير؟
أُنجزت اللوحة عام 1908 في مرحلة كان كليمت يعيد فيها صياغة نظرته للطبيعة. لم يعد يتعامل مع المنظر بوصفه فضاء يُرصد بصريًا، وإنما سطح يُبنى عنصرًا فوق الآخر.
في Blumenwiese تحديدًا، تتحول الزهور من مشهد طبيعي مألوف إلى تكوين مُحكم يعتمد على طبقات دقيقة من النقاط اللونية، تمنح السطح كثافة واضحة تجمع بين حضور زخرفي واضح ونَفَس تجريدي مقصود.
لا وجود لخط أفق أو منظور تقليدي أو عمق متواصل، هناك أشبه بسطح واحد متكامل يهيمن عليه اللون ويحرّكه الإيقاع. وهذا الأسلوب بالذات هو ما منح اللوحة تميّزها عن باقي المناظر الطبيعية التي شاهدناها في لوحات عديدة أخرى.
لوحة Bildnis Elisabeth Lederer - غوستاف كليمت | 150 مليون دولار
نصل الآن إلى أغلى لوحة بيعت في عام 2025 بسعر مذهل بلغ 150 مليون دولار أمريكي، لكن المفاجأة الأكثر إثارة أن هذه التحفة أيضًا من توقيع غوستاف كليمت. وهكذا، يرسّخ كليمت حضوره الاستثنائي في سوق الفن، بعدما تربّعت أغلى ثلاث لوحات في 2025 على عرش المزادات باسمه وحده.
لوحة Bildnis Elisabeth Lederer (صورة إليزابيث ليدرر) ليست مجرد عمل فني فاخر، بل صفحة نابضة من تاريخ فيينا الثقافي. رسمها كليمت بين عامَي 1914 و1916، مُخلّدًا الشابة إليزابيث ليدرر، ابنة واحدة من أبرز العائلات الراعية للفنون وداعمة لمسيرة الفنان.
بأسلوبه الذي يمزج الرفاهية بالروحانية، يقدّم كليمت إليزابيث واقفة بثبات أمام خلفية زخرفية ثرية، فيما ترتدي ثوبًا أخّاذًا تزدان نقشاته بلمسات مستوحاة من الأقمشة الإمبراطورية الصينية.
هذا الانفتاح على الشرق، وهذا الشغف بالأنماط غير الأوروبية، كانا جزءًا أساسيًا من مرحلة نضج كليمت الفنية، ويظهران في اللوحة بوضوح مذهل يضفي إلى روعتها قيمة جمالية وتاريخية مضاعفة.
