تربية صارمة أم حنونة؟ دراسة تكشف كيف يترك الأبوان بصمتهما الأخلاقية
طريقة تعامل الوالدين مع أبنائهم وشخصيات الأبناء معًا تحدد كيفية استجابتهم للمواقف الأخلاقية في مرحلة البلوغ، خصوصًا فيما يتعلق بمشاعر الذنب والعار والهوية الأخلاقية، وذلك وفقًا لدراسة جديدة أجراها باحثون من جامعة ولاية ميزوري ونشرتها مجلة Psychological Reports.
وركزت الدراسة على التمييز بين الشعورين؛ إذ يُنظر إلى الذنب كإحساس صحي يرتبط بالرغبة في تصحيح الخطأ، بينما يُصنف العار كاستجابة سلبية تجعل الشخص يشعر بأنه سيئ في ذاته، مما يؤدي إلى الانسحاب وتجنب المواجهة.
الباحثون أشاروا إلى أن البيئة الأسرية الدافئة تدعم الشعور بالذنب الإيجابي، في حين أن الأسلوب القاسي أو البارد في التربية قد يؤدي إلى ترسيخ مشاعر العار، مؤكدين أن هذه العلاقة لا تعتمد على الوالدين فقط، بل تتأثر بشخصية الطفل وقدرته على التفاعل مع أساليب التربية المختلفة.
تأثير الأم والأب يختلف تبعًا لشخصية الأبناء
شملت الدراسة 99 طالبًا جامعيًا تراوحت أعمارهم حول 20 عامًا، وأُجريت عبر استبيانات تقيس السمات الشخصية ضمن نموذج “السمات الخمس الكبرى” الذي يشمل الانفتاح، والاجتماعية، والعصابية، والضمير، والاتزان. كما وصف المشاركون أسلوب والديهم ما بين “دافئ وداعم” أو “بارد ومتسلط”.
أوضحت النتائج أن الأم الدافئة تميل إلى تنمية شعور بالذنب الصحي والتركيز على السلوك بدلاً من الذات، ما يجنّب الأبناء الوقوع في دوامة العار. لكن هذا الأثر كان أقوى بين الأبناء ذوي الشخصية الودية، أي الأكثر تعاطفًا وتعاونًا.
كما لاحظ الباحثون أن “الأم الحنونة” تقلل من ما يُعرف بـ“الانسحاب الناتج عن العار”، وهو ميل الشخص للاختباء أو الانعزال بعد الخطأ. إلا أن هذه الحماية تختلف تبعًا لمستوى العصابية، إذ يتأثر ذوو الطبع القلق بنتائج مختلفة عن المستقرين نفسيًا.
كيف تؤثر الأبوة الصارمة في تطور مفهوم النزاهة الأخلاقية؟
وبينما ارتبطت الأمهات بالعواطف الأخلاقية (الذنب والعار)، ظهر دور مختلف للآباء في السلوك القيمي. إذ أظهرت الدراسة أن الآباء الصارمين أو الباردين قد يسهمون بشكل غير مباشر في تعزيز ما يُعرف بـ“السلامة الأخلاقية”، وهو التزام الفرد بفعل الصواب حتى دون رقابة مباشرة.
لكن العلاقة لم تكن مطلقة، إذ اتضح أن مستوى الضمير لدى الأبناء يحدد كيف يستجيبون للتربية الصارمة، فالأبناء المنضبطون أكثر استفادوا من الحزم، بينما قد يشعر آخرون بالضغط أو الانغلاق.
وترى الباحثة كاساندرا سويرينغن‑ستانبرو أن نتائج الدراسة تبرز نموذجًا ثنائي الاتجاه في التنشئة، حيث لا يؤثر الآباء على أبنائهم فحسب، بل ينعكس طبع الطفل نفسه على طريقة استجابته للتربية، مما يفسر التباين في نتائج الإخوة في الأسرة الواحدة رغم نشأتهم معًا في البيئة ذاتها.
