ابتكار ثوري يمهد لإنتاج ساعات وهواتف تعمل بالطاقة النووية
حقق فريق دولي من العلماء بقيادة جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس (UCLA) اختراقًا علميًا لافتًا قد يُغيّر مستقبل قياس الزمن بدقة فائقة، بعدما نجح في تبسيط تقنية تطوير الساعات النووية باستخدام أسلوب صناعي قديم يعود للقرن التاسع عشر، يُستعمل عادة في طلاء المجوهرات.
ويُعد هذا الإنجاز خطوة مفصلية نحو إنتاج ساعات نووية أصغر حجمًا وأكثر كفاءة وأقل تكلفة، مع إمكانات واسعة لتطبيقها في أنظمة الملاحة، وشبكات الطاقة، والاتصالات، وحتى في البيئات التي يتعذر فيها استخدام الأقمار الصناعية مثل أعماق البحار والفضاء السحيق.
حيلة من عالم المجوهرات تمهد لعصر الساعات النووية
تعود جذور الفكرة إلى عام 2008، حين اقترح علماء من UCLA استخدام الليزر لإثارة نواة ذرات عنصر الثوريوم-229، ما يتيح إنشاء ساعات نووية شديدة الدقة تفوق الساعات الذرية التقليدية. وبعد سنوات طويلة من البحث، نجح الفريق العام الماضي في تحقيق هذا الهدف عبر إدماج ذرات الثوريوم داخل بلورات فلوريد متخصصة.
غير أن هذه الطريقة واجهت تحديات كبيرة، أبرزها صعوبة تصنيع البلورات وحاجتها إلى كميات كبيرة نسبيًا من الثوريوم، وهو عنصر نادر للغاية لا يتوافر عالميًا سوى بنحو 40 غرامًا فقط، نظرًا لاستخراجه من اليورانيوم المستخدم في التطبيقات العسكرية.

في الدراسة الجديدة المنشورة في دورية Nature، توصّل الفريق إلى بديل مذهل يتمثل في طلاء الثوريوم كهربائيًا على سطح من الفولاذ المقاوم للصدأ، باستخدام تقنية شبيهة بتلك المستعملة في طلاء الذهب أو الفضة على الحلي. وبهذه الطريقة، احتاج العلماء إلى كمية أقل من الثوريوم بنحو ألف مرة مقارنة بالبلورات السابقة.
والأهم من ذلك، أن هذا الأسلوب أتاح للباحثين رصد تيار كهربائي ناتج عن إثارة نواة الثوريوم بالليزر، في سابقة هي الأولى من نوعها، ما يفتح المجال أمام تصغير مكونات الساعة النووية وتحويلها إلى أجهزة عملية قابلة للاستخدام اليومي.
ثورة في تطوير الساعات النووية
يوضح قائد الفريق، الفيزيائي إريك هدسون، أن الاكتشاف الأبرز تمثل في كسر افتراض علمي طويل الأمد، كان يشترط أن يكون الوسط المحيط بالثوريوم شفافًا كي يتمكن الليزر من إثارة النواة. وأثبتت التجربة أن ذلك غير ضروري، إذ يمكن تحفيز النوى القريبة من السطح حتى في مواد معتمة، مع رصد الإشارات الناتجة عبر التيار الكهربائي بدلًا من الضوء.
لا تقتصر أهمية الساعات النووية على تحسين دقة التوقيت فحسب، بل تمتد إلى الملاحة دون GPS، وهو أمر بالغ الأهمية للأمن القومي والعمليات العسكرية والفضائية. كما يمكن أن تُستخدم هذه الساعات في الغواصات التي تمكث طويلًا تحت الماء، وفي المهمات الفضائية المستقبلية التي تتطلب أنظمة توقيت مستقلة وعالية الثبات.
ويرى خبراء في قطاع الطيران والفضاء أن هذا الابتكار قد يساهم في خفض تكلفة وتعقيد الساعات النووية المعتمدة على الثوريوم، ويمهد الطريق لاستخدامها على نطاق واسع، وربما في أجهزة شخصية مستقبلًا.
وبهذا الإنجاز، يضع العلماء حجر الأساس لعصر جديد من قياس الزمن، قد لا يغيّر فقط شكل الساعات، بل يعيد رسم حدود الدقة العلمية واختبارات الفيزياء الأساسية في العقود المقبلة.
