الكاميرا تهمس للعالم من جدة.. اليوم الرابع من مهرجان البحر الأحمر يرسم مشهدًا سينمائيًا عالميًا
في لحظة تتجدد فيها الوجوه وتتصاعد بها وتيرة الحراك السينمائي، قدّم مهرجان البحر الأحمر في يومه الرابع لوحة متكاملة من الفعاليات التي جمعت بين الصناعة والإبداع والرؤية الفنية العالمية، لتؤكد جدة مكانتها بوصفها أحد المراكز الثقافية التي تحتضن لغة الفن السابع بكل تنوعها وعمقها.
سوق البحر الأحمر
واصل سوق البحر الأحمر إشعاعه السينمائي المميز، محتفيًا بروح الإبداع العالمي، ومستقطبًا صُنّاع الأفلام ومحترفي الصناعة من مختلف القارات، ليصوغ من اللقاءات والتجارب منصّة تنبض بالحيوية وتحتفي بجمال الصورة ولغة الفن السابع.
هذا السوق الذي بات أحد أبرز المنصات السينمائية في العالم العربي، يتحول إلى مساحة ديناميكية تتلاقى فيها ثقافات وأسواق العالم العربي والإفريقي والآسيوي تحت سقفٍ واحد، لتولد عبرها شراكات جديدة ومشروعات تسافر بخيال السينما إلى آفاق أرحب.
يحتضن المعرض شركات ومؤسسات محلية وإقليمية ودولية من مختلف قطاعات صناعة السينما، بدءًا من أجنحة الدول ووكلاء المبيعات وصولا إلى المنصات الرقمية وشبكات التلفزيون وهيئات الأفلام وصناديق التمويل، مما يجعله وجهة مثالية لعقد الصفقات واستكشاف فرص إنتاج ورؤى فنية تتجاوز الحدود.
هكذا يواصل سوق البحر الأحمر رسم ملامح المستقبل السينمائي، جامعًا بين الإبداع والرؤية في مشهدٍ لا يعرف الحدود.
حوار مع شون بيكر
من قلب الصناعة إلى سحر الرؤية، استضافت فعاليات اليوم الرابع حوارًا خاصًا مع المخرج الأمريكي شون بيكر، أحد أبرز الأصوات في السينما المستقلة المعاصرة.
بيكر، الذي جمع بين الكتابة والإخراج والإنتاج والمونتاج في مسيرة تكللت بأرفع الجوائز، استطاع أن يصوغ لنفسه هوية سينمائية جريئة تتجاوز القوالب التقليدية. وقد حمل حديثه في المهرجان روح السينما التي يؤمن بها: الواقعية النابضة التي تلتقط أدق التفاصيل.
يُعد فيلمه الأخير أنورا Anora تتويجًا لمسيرة إبداعية ممتدة لأكثر من عقدين، إذ حصد خمس جوائز أوسكار، منها أفضل فيلم، وأفضل مخرج، وأفضل مونتاج وسيناريو أصلي، إلى جانب جائزة أفضل ممثل رئيس لمايكي ماديسون، محققًا إنجازًا تاريخيًا جعله أكثر المخرجين تتويجًا في ليلة واحدة من جوائز الأكاديمية.
بهذا الحوار، عزّز المهرجان موقعه بوصفه جسرًا ثقافيًا يستضيف قامات فنية تُعيد تعريف لغة السينما، ويؤكد أن جدة ليست وجهة للفن فحسب، بل حاضنة لمستقبل السينما العالمية.
عروض مهرجان البحر الأحمر اليوم الرابع
فيلم يونان
في امتداد لحركة الفعاليات التي ميّزت اليوم الرابع من المهرجان، جاء عرض فيلم يونان للمخرج والكاتب أمير فخر الدين كواحدة من التجارب التي لامست وجدان الحضور بأسلوب بصري متأمل.
تدور أحداث الفيلم حول منير، الذي يفرّ من إرث عائلي غامض إلى جزيرة نائية هربًا من صراعاته الداخلية، ليجد في عزلته مسرحًا لمواجهة الذات والتصالح مع الحياة.
هناك، تتقاطع مصائره مع شخصيات تعكس الصراع بين القسوة والرأفة، فيما ينسج العمل رمزيته من قصة النبي يونس في مواجهة المجهول والعودة إلى النور.
وبأسلوبٍ شاعري يوازن بين الواقعية والحلم، يعيد فخر الدين تشكيل مفردات الاغتراب الإنساني في سرد بصري يفيض بالهدوء والتأمل، ليواصل المهرجان عبره تقديم أعمال تتنوع رؤاها وتصب في نهرٍ واحد من الإبداع.
اقرأ أيضًا: "المجهولة" و"يونان" يفتتحان مهرجان البحر الأحمر السينمائي بعروض عربية مميزة
فيلم المجهولة
مع استمرار تنوّع العروض، انتقل الحضور مباشرة من الأجواء الهادئة إلى توترٍ مشوّق مع العرض الأول لفيلم المجهولة، بحضور طاقم العمل وعدد من نجوم المهرجان.
تدور قصة الفيلم حول نوال، امرأة مطلقة في التاسعة والعشرين من عمرها، تعود إلى مسقط رأسها بحثًا عن بداية جديدة. وفيما تعمل في وظيفة روتينية داخل مقر الشرطة المحلي، تُكلّف برقمنة ملفات قديمة، لتجد نفسها أمام جريمة غامضة بعد اكتشاف جثة فتاة مراهقة ترتدي زيًا مدرسيًا بلا هوية.
من خلال الفيلم، تُطرح رؤية جريئة في تناول القضايا الاجتماعية عبر حبكة تجمع الغموض الإنساني بجمال السرد البوليسي.
فيلم بارني
على وقع الأضواء المتلألئة في ميدان الثقافة، استقبلت السجادة الحمراء عرض الفيلم الروائي الطويل بارني للمخرج محمد شيخ، بحضور طاقم العمل وجمهور غفير تابع بشغف تفاصيل هذا العمل الإنساني المؤثر ضمن فعاليات اليوم الرابع من مهرجان البحر الأحمر السينمائيّ.
يشكّل بارني التجربة السينمائية الطويلة الأولى لشيخ، ويقدّم من خلالها قصة نابضة بالعاطفة عن فتاة في التاسعة من عمرها تختفي بعد حفل زفاف في قرية صومالية هادئة، لتنطلق شقيقتها الكبرى أمينة (18 عامًا) رفقة صديقيها بحثًا عنها.
ومن خلال هذه الرحلة القاسية، يسلّط الفيلم الضوء على معنى التكاتف العائلي وقوة الصمود في وجه التحديات الاجتماعية.
بأسلوب بصري قوي وسرد واقعي ينبض بالصدق والعفوية، يفتح بارني نافذة على عالمٍ نادر الظهور في السينما، عالمٍ يختبر براءة الطفولة في وجه المآسي، ويحوّل الغياب المأساوي إلى احتفاء بالشجاعة، والولاء، والإنسانية التي تنتصر في النهاية على الألم.
فيلم نور
من عالم الأفلام الوثائقية، استحوذ الفيلم السعودي نور على انتباه الجمهور، مقدّمًا تجربة إنسانية تستحضر الحكاية الملهمة لأحد أبرز رموز كرة القدم السعودية محمد نور.
على السجادة الحمراء، وقف المخرج عمر المقرّي إلى جانب النجم محمد نور وطاقم الفيلم في عرضٍ افتتاحي شهد حضورًا جماهيريًا كبيرًا، احتفى بمسيرة لا تشبه سوى الإصرار نفسه.
يأخذ الفيلم المشاهد في رحلة تبدأ من البدايات المتواضعة في مكة، حيث وُلد الحلم، وصولًا إلى المجد الذي صنعه نور مع نادي الاتحاد وقيادته نحو بطولات محلية وقارية، قبل أن يمتد تأثيره إلى الساحة العالمية بتمثيله المملكة في بطولتَي كأس العالم عامي 2002 و2006.
وفي سرد بصري ينبض بالعاطفة والصدق، يلقي الفيلم الضوء على النجاحات التي رافقت مسيرته، والتحديات التي واجهها خارج الملعب، ليقدّم حكاية إنسان تجاوزت حدود الرياضة. إنها قصة إرثٍ رياضي وروحي يواصل إلهام الأجيال، ويختصر معنى العزيمة التي تصنع المجد مهما تناثرت العثرات في الطريق.
