ليلة يسطع فيها الضوء من البحر إلى الشّاشة: انطلاق مهرجان البحر الأحمر السينمائيّ
في اليوم الأول من انطلاق الدورة الخامسة لمهرجان البحر الأحمر السينمائي، توهّجت جدة بأنوار السينما العالمية، لتتحوّل المدينة إلى لوحة تجمع بين وهج البحر وسحر الشاشة الكبيرة.
تحت شعار "في حب السينما"، يحتفي المهرجان هذا العام بسحر الشاشة الكبيرة كوسيلة للتعبير والوصل بين الثقافات، جامعًا في مكانٍ واحد مبدعين من الشرق والغرب، وملهمين من مختلف مدارس الفن السابع.
الحدث، الذي أصبح على مدى أعوام قليلة أحد أهم الملتقيات السينمائية في المنطقة والعالم، يمتد حتى الثالث عشر من ديسمبر الجاري، لتُجسد فيه السجادة الحمراء منصة الالتقاء بين رموز السينما من أنحاء العالم.
نجوم تتألق على السجادة الحمراء
تحت أضواء الممشى المضيء للمهرجان، الذي تحوّل إلى لوحة فنية نابضة، تألقت أسماء عالمية في مشهد يختزل جمال التنوع الثقافي.
كان من أبرز الحاضرين النجم الأميركي المتميز أدريان برودي، الذي أضفى بريق هوليوود على الأمسية، إلى جانب الوجه التركي المحبوب سركان شاي أوغلو، الذي استقبلته عدسات الكاميرات بحفاوة كبيرة، في لحظة تجسد تلاقي الشرق والغرب في قلب مدينة تنبض بالإبداع.
أما المخرج الأميركي شون بيكر، رئيس لجنة تحكيم مسابقة البحر الأحمر للأفلام الطويلة، فقد أضفى على المهرجان روحًا نابضة بالحياة.
بفضل رؤيته الإنسانية وعدسته التي تلتقط التفاصيل الصغيرة لتكشف بها عمق التجربة البشرية، حوّل بيكر السينما من مجرد مشاهد وصور، إلى لغة عالمية توحد الثقافات وتسمو بالفن فوق كل الحدود.
واستمرارًا لتفرّد الحدث، تألّق على السجادة الحمراء نخبة من أبرز نجوم هوليوود، في مشهد خطف الأضواء وأضفى على الأمسية بريقًا استثنائيًا.
من بين الحضور برز النجم فان ديزل بطل أفلام الحركة الشهيرة، وظهر الممثل القدير جيانكارلو إسبوزيتو المعروف بأدواره العميقة في الدراما، إلى جانب النجم الحائز على الأوسكار دانيال كالويا، ليكتمل المشهد بحضور يليق بمهرجان عالمي يحتفي بالسينما بكل أبعادها.
ولم يغب البريق العربي عن المشهد، فقد خطف الفنان أحمد داود الأضواء بحضوره اللافت، ورافقته أسماء بارزة من صناع السينما العربية مثل المخرج الكبير يسري نصر الله والناقد السينمائي طارق الشناوي والإعلامي السعودي ياسر السقاف، إلى جانب الفنان السوري القدير عباس النوري، ما منح الأمسية نكهة عربية أصيلة مفعمة بالحضور الراقي.
وهكذا، تحوّل المهرجان إلى منصة عالمية تحتفي بجمال التنوع، وتؤكد أن الإبداع هو الجسر الذي يربط بين الحضارات، في مشهد يليق بمدينة اختارت أن تكون قلبًا نابضًا للفن والإلهام.
تكريمات لنخبة الفن
في أجواء احتفالية مبهرة، وبين حضور سينمائي رفيع المستوى من مختلف أنحاء العالم، سلّط المهرجان الضوء على رموز الفن الذين تركوا بصمة لا تُمحى في تاريخ السينما، فكان التكريم جزءًا أساسيًا من رسالته في الاحتفاء بالإبداع والإنجاز.
هذا العام، اختار المهرجان أن يمنح جائزة اليسر الفخرية لنخبة من أبرز الأسماء التي أسهمت في تشكيل ملامح السينما العربية والعالمية.
الأول هو المخرج الجزائري الفرنسي رشيد بوشارب، الذي عُرف بأعماله العميقة التي تناولت قضايا الهوية والانتماء، وساهمت في ترسيخ حضور السينما العربية على الساحة الدولية، مقدّمًا رؤية إنسانية تتجاوز الحدود الجغرافية والثقافية.
ومن هوليوود، كان التكريم من نصيب النجم القدير مايكل كين، صاحب المسيرة الفنية الاستثنائية التي امتدت لعقود، وجسّد خلالها شخصيات خالدة تنبض بالحياة وتعكس عمق التجربة الإنسانية في الفن السابع.
إرثه الفني لا يقتصر على التمثيل فحسب، بل يشكّل مدرسة في الأداء والالتزام، ما جعله أيقونة عالمية تتجاوز الأجيال.
وفي إطار سعي المهرجان لتكريم روّاد السينما العالمية، جاء الدور هذا العام على واحد من أبرز صانعي سينما الحركة، المخرج المبدع ستانلي تونغ.
المخرج الذي لطالما ارتبط اسمه بالإثارة والمغامرة، استطاع أن يضع بصمة لا تُمحى في تاريخ الأكشن بفضل رؤيته التي كسرت القوالب التقليدية وأعادت تعريف حدود المغامرة على الشاشة الكبيرة.
تكريمه اليوم ليس مجرد احتفاء بمسيرة مهنية حافلة، وإنما تقديرًا لعطائه الذي ألهم أجيالا من عشّاق السينما، ورسالة بأن الإبداع الحقيقي قادر على تجاوز الحدود وصناعة تجارب لا تُنسى.
هذه اللحظات لم تكن مجرد تكريم، بل كانت احتفاءً بتاريخ طويل من الإبداع، ورسالة تقدير لكل من جعل السينما لغة عالمية للتعبير عن الإنسان وقضاياه.
عرض فيلم العملاق
لم يكن اليوم الأول من المهرجان ليختتم من دون لحظة استثنائية تختزل فكرة الجمع بين الإبداع والاحتفاء بالسينما. فقد عاش الحضور تجربة فريدة مع العرض العالمي الأول للفيلم المرتقب "العملاق" Giant، الذي أثار اهتمام النقاد والجمهور قبل انطلاقه.
الفيلم يروي قصة حياة الملاكم اليمني-البريطاني الأسطوري الأمير نسيم حميد، أحد أبرز الأسماء التي غيّرت وجه رياضة الملاكمة في التسعينيات، بأسلوب يمزج بين الدراما الإنسانية والإثارة الرياضية.
بطولة الفيلم كانت من نصيب النجم المصري المتألّق أمير المصري، الذي قدّم أداءً لافتًا في تجسيد شخصية نسيم حميد، مستحضرًا تفاصيله النفسية والبدنية بدقة مذهلة، ليمنح الجمهور رحلة سينمائية تنبض بالقوة والطموح والتحدي.
يقدم الفيلم رحلة درامية مُلهمة عن الشغف والطموح وتحدي المستحيل، إذ يروي قصة تحول الشاب القادم من أحياء الطبقة العاملة في مدينة شيفيلد إلى بطل عالمي يترك بصمته في تاريخ الملاكمة الحديثة، وذلك بفضل إصراره ودعم مدربه بريندان إنجل، الذي لعب دورًا محوريًا في صقل موهبته وبلوغ ذروة المجد.
يشارك في الفيلم مجموعة بارزة من نجوم السينما العالمية، في مقدمتهم الممثل الكبير بيرس بروسنان، في عمل من كتابة وإخراج روان أثالي ويشرف على إنتاجه النجم العالمي سيلفستر ستالون، ما يمنح العمل ثقلاً فنيًا عالميًا في إطار رياضي درامي مشحون بالطاقة والعاطفة.
بهذا الافتتاح المميز، يؤكد مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي مكانته كجسر ثقافي نابض بالحياة يجمع صناع السينما ومحبيها من مختلف أنحاء العالم، ويعيد رسم خريطة الفن في المنطقة متسلحًا بشعارٍ صادقٍ وعميق: "في حب السينما".
