من أنابيب الاختبار إلى العالميّة: أبرز إنجازات نوبل 2025
من مختبرات المناعة إلى فضاءات الأدب وساحات السياسة، حملت جوائز نوبل 2025 رسائل تتجاوز حدود التخصصات، مؤكدة أن العلم والفكر والفن هي أدوات فعالة لمواجهة تحديات العصر. هذا الموسم لم يكن إعلان الفائزين حدثًا تقليديًا، بل شهادة على قدرة الإنسان على تحويل المعرفة إلى قوة للتغيير.
تأسست جائزة نوبل عام 1901 وفق وصية العالم السويدي ألفريد نوبل، الذي خصّص معظم ثروته لإنشاء مؤسسة تدير الجوائز وتضمن استدامتها. تُمنح سنويًا في أكتوبر في مجالات الطب والفيزياء والكيمياء والأدب والسلام، وأضيفت إليها جائزة الاقتصاد عام 1969 بمبادرة من البنك المركزي السويدي.
يحصل الفائزون على ميدالية ذهبية وشهادة رسمية ومكافأة مالية تبلغ نحو 11 مليون كرونة سويدية (قرابة مليون دولار)، وتُسلَّم الجوائز في 10 ديسمبر، ذكرى وفاة نوبل، لتصبح منذ ذلك الحين رمزًا عالميًا للتميز العلمي والإنساني.
جائزة نوبل 2025 في الطب: اكتشاف يوازن بين المناعة والحياة
افتتحت الأكاديمية الملكية السويدية موسم جوائز نوبل 2025 بتكريم ثلاثة علماء اكتشفوا آليات '"التسامح المناعي المحيطي"، وهي العملية التي تمكّن جهاز المناعة من التمييز بين خلايا الجسم والعناصر الغريبة من دون مهاجمة الذات.
هذا الاكتشاف أعاد تعريف العلاقة بين المناعة والبقاء، ويمثل خطوة مهمة لفهم أمراض المناعة الذاتية مثل السكري والتصلب المتعدد، ويفتح آفاقًا علاجية جديدة في السرطان وتحسين نتائج زراعة الأعضاء.
الفائزون هم:
- شيمون ساكاغوتشي (اليابان، مواليد 1951)، أستاذ علم المناعة بجامعة أوساكا، اكتشف عام 1995 نوعًا جديدًا من الخلايا التائية التنظيمية.
- ماري إي. برانكو (الولايات المتحدة، مواليد 1961) وفريد رامسديل (الولايات المتحدة، مواليد 1960)، حددا طفرة في الجين Foxp3 المرتبط بمرض IPEX هو اضطراب مناعي نادر.
عام 2003، ربط ساكاغوتشي بين الاكتشافين، مؤكّدًا أن Foxp3 هو "المفتاح الوراثي" لتطور الخلايا التائية التنظيمية المسؤولة عن ضبط الاستجابة المناعية.
جائزة نوبل 2025 في الفيزياء: النفق الكمومي واختراق الحواجز الكلاسيكية
بعد أن سلطت جائزة الطب الضوء على اكتشافات أعادت تعريف التوازن المناعي، جاءت جائزة الفيزياء ضمن جوائز نوبل 2025 لتكشف آفاقًا جديدة في فهم المادة.
كرّمت الأكاديمية الملكية السويدية ثلاثة علماء اكتشفوا ظاهرة غير مسبوقة على المستوى الماكروسكوبي: "النفق الكمومي" في دوائر فائقة التوصيل، مع تكميم الطاقة داخل أنظمة دقيقة التحكم، ما يمكّن من التحكم في انتقال الطاقة بطرق لم تكن ممكنة سابقًا.
الفائزون هم:
- جون كلارك (المملكة المتحدة، مواليد 1942)، حاصل على دكتوراه من جامعة كامبريدج.
- ميشال ديفوريت (فرنسا، مواليد 1953)، حاصل على دكتوراه من جامعة باريس الجنوبية.
- جون مارتينيس (الولايات المتحدة، مواليد 1958)، حاصل على دكتوراه من جامعة كاليفورنيا بيركلي.
بدأت التجارب في الثمانينيات على دوائر تحتوي موصلات تفصلها وصلة "جوزيفسون"، بحيث لوحظ عبور التيار كموميًا، في ظاهرة تشبه اختراق الجدار من دون كسره. وأثبتت التجارب أن النظام الماكروسكوبي أصبح مكممًا، لا يصدر أو يمتص إلا كميات محددة من الطاقة، بما يتوافق مع ميكانيكا الكم.
وفقًا للباحث السويدي أولي إريكسون: "هذا الإنجاز أعاد رسم الحدود بين العالم الكلاسيكي والكمومي، ومهّد لعصر جديد من التقنيات"، مشيرًا إلى أن الاكتشاف يمهد لتطوير الحوسبة الكمومية وبناء مستشعرات فائقة الدقة.
جوائز نوبل 2025 في الكيمياء: الهياكل المعدنية العضوية
بعد أن كشفت جائزة الفيزياء أسرار المادة والكم، ركّزت جوائز نوبل 2025 في الكيمياء على اكتشاف يتيح للعلم تحويل الذرات إلى أدوات عملية لخدمة الإنسان والبيئة. أشادت الأكاديمية الملكية السويدية بثلاثة علماء طوّروا الهياكل المعدنية العضوية (MOFs)، مواد بلورية ثلاثية الأبعاد تجمع بين المعادن والجزيئات العضوية، وتتميز بقدرتها على احتجاز الغازات وتنقيتها والتحكم في التفاعلات الكيميائية.
الفائزون هم:
- سوسومو كيتاغاوا (اليابان، مواليد 1951)، أستاذ في جامعة كيوتو.
- ريتشارد روبسون (المملكة المتحدة، مواليد 1937)، أستاذ في جامعة ملبورن.
- عمر م. ياغي (الأردن، مواليد 1965)، أستاذ في جامعة كاليفورنيا بيركلي.
بدأت الاكتشافات عام 1989 حين أنشأ روبسون أول بلورة من هذا النوع، ثم طوّر كيتاغاوا وياغي المفهوم بإنتاج هياكل أكثر استقرارًا ومرونة، مما أتاح استخدامها في تطبيقات بيئية متقدمة.
اليوم تُستخدم MOFs في استخلاص المياه من الهواء الجاف، احتجاز ثاني أكسيد الكربون، فصل الملوثات، وتحفيز التفاعلات الكيميائية.
جائزة نوبل في الأدب: مقاومة العدم بالكلمة
بعد أن احتفت نوبل هذا العام بإنجازات العلم في فهم المادة والحياة، جاء دور الأدب ليؤكد أن الإنسان لا يُنقذ بالعقل وحده، بل بالخيال أيضًا. قررت الأكاديمية السويدية تكريم الكاتب المجري لازلو كراسناهوركاي بجائزة نوبل للأدب لعام 2025، تقديرًا لرؤيته الأدبية التي تُعيد للفن دوره كأداة لمواجهة التفكك والتهديدات الوجودية.
وُلد كراسناهوركاي عام 1954 في مدينة جيولا بالمجر، ونشأ في ظل الأنظمة الشيوعية التي شكّلت وعيه النقدي. من أبرز أعماله: ساتانتانغو (1985)، كآبة المقاومة، حرب وحرب، وعودة البارون وينكهايم. تتميز كتاباته بأسلوب سردي يجمع بين الرمزية والعبثية، ويستكشف قدرة الإنسان على الصمود أمام انهيار العالم من حوله.
ويرى كراسناهوركاي أن الفن وسيلة لمقاومة الهمجية، وأن الجمال يمثل منارة للأمل وسط الفوضى. وقد حاز على الجائزة اعترافًا بإسهاماته الأدبية في إبراز دور الكلمة كحصن أخير للإنسان، وتحويل الأدب إلى فعل وجودي يعكس التحديات المعاصرة.
السلام: الديمقراطية طريق الاستقرار
في موسم 2025، لم تقتصر جوائز نوبل على العلم والفن، بل كرّمت أيضًا مناضلين يترجمون مبادئ الديمقراطية إلى واقع ملموس. حصلت الناشطة الفنزويلية ماريا كورينا ماتشادو على جائزة نوبل للسلام، تقديرًا لجهودها في تعزيز المشاركة السياسية وحماية الحقوق المدنية في أميركا اللاتينية.
وُلدت ماتشادو عام 1967 في كراكاس، ودرست الهندسة قبل أن تُطلق مؤسسة "أتينيا" عام 1992، ثم منظمة "سوماتِه" عام 2002 لمراقبة الانتخابات وتوسيع قاعدة المشاركة الشعبية. انتُخبت في الجمعية الوطنية عام 2010، وطُردت منها عام 2014، لكنها واصلت نشاطها السياسي رغم القيود.
وفي 2023، أعلنت ترشحها للرئاسة، إلا أن السلطات منعتها من الترشح، فدعمت المرشح البديل إدموندو غونزاليس أوروتيا في انتخابات 2024، التي شهدت تعبئة واسعة وتوثيقًا دقيقًا للنتائج. تكريم ماتشادو يعكس رؤية الأكاديمية السويدية بأن السلام يتحقق من خلال ممارسة الديمقراطية يوميًا، بحيث تصبح حرية التعبير والمشاركة الشعبية حجر الأساس لمجتمعات أكثر عدالة واستقرارا.
الاقتصاد الخلّاق: حين يصبح الابتكار محركًا للنمو
بعد أن احتفت نوبل هذا العام بإنجازات الإنسان في فهم الحياة والمادة والفكر، جاء ختام الجوائز ليؤكد أن الإبداع هو جوهر أيضًا. فقد منحت الأكاديمية السويدية جائزة نوبل للاقتصاد لعام 2025 لكل من جويل موكير، وفيليب أجيون، وبيتر هوويت، تقديرًا لإسهاماتهم في تفسير آليات النمو المستدام القائم على الابتكار.
الفائزون هم:
- جويل موكير (هولندا، مواليد 1946)، أستاذ في جامعة نورث وسترن، وحاصل على دكتوراه من جامعة ييل عام 1974.
- فيليب أجيون (فرنسا، مواليد 1956)، أستاذ في كوليج دو فرانس وإنسياد وكلية لندن للاقتصاد، حاصل على دكتوراه من جامعة هارفارد عام 1987.
- بيتر هوويت (كندا، مواليد 1946)، أستاذ الاقتصاد في جامعة براون، حاصل على دكتوراه من جامعة نورث وسترن عام 1973.
قدّم موكير منظورًا تاريخيًا للشروط التي مكنت من انطلاق النمو الاقتصادي طويل الأمد، مؤكدًا أن التقدم التكنولوجي لا يتحقق في فراغ، بل في بيئة معرفية منفتحة على التجريب والمساءلة. أما أجيون وهوويت، فقد طوّرا نظرية "النمو من خلال التدمير الخلّاق" التي توضح كيف تدفع الابتكارات الجديدة إلى إحلال منتجات وأفكار محل القديمة، فتخلق ديناميكية اقتصادية متجددة تدفع عجلة التقدم إلى الأمام.
في ختام القول، يُثبت موسم جوائز نوبل 2025 أن هذه الجوائز ليست مجرد احتفاء بإنجازات فردية، بل منصة عالمية تُبرز دور العلم والفكر والفن والابتكار في مواجهة تحديات العصر، وترسّخ قيم التقدم والعدالة والاستدامة كركائز لمستقبل البشرية.
