بعد قرون من الغموض: العلماء يقتربون من حل لغز "ثقوب الأنديز"
بعد قرون من الغموض، يعتقد علماء الآثار أنهم وجدوا أخيرًا تفسيرًا لأحد أكثر المعالم الأثرية غرابة في جبال الأنديز البيروفية، مجموعة الثقوب في جبل سييربي، التي تضم أكثر من 5200 حفرة، محفورة بدقة في الصخور الجبلية.
تُشير دراسة حديثة نُشرت في مجلة Antiquity، إلى أن هذا الموقع الغامض، الذي يعود تاريخه إلى ما بين عامي 1000 و1400 ميلاديًا، ربما كان مركزًا للتبادل التجاري والمحاسبة في ظل مملكة تشينشا، قبل أن تستخدمه لاحقًا إمبراطورية الإنكا لجمع الجزية من المجتمعات المحلية.
طائرات بدون طيار تكشف أسرار "ثقوب الإنكا"
استخدم فريق الباحثين، بقيادة البروفسور تشارلز ستانيش من جامعة جنوب فلوريدا، طائرات بدون طيار لمسح المنطقة الواقعة على جبل سييربي أو "جبل الأفعى"، حيث تُرتب الثقوب على امتداد 1.5 كيلومتر في شبكات هندسية دقيقة.
اقرأ أيضا: جبال الألب تتلألأ: مغامرة شتويّة بين القمم والثلوج والفخامة
وأظهر المسح أن الثقوب مُنظّمة في كتل وأقسام متناسقة، ما يُشير إلى وظيفة حسابية محتملة، تشبه أسلوب تسجيل البيانات عبر الكيبو ، وهي حبال معقودة استخدمها الإنكا لتوثيق المعلومات.

كما كشفت تحاليل العينات المأخوذة من بعض الثقوب عن وجود حبوب لقاح الذرة والبردي، ما يوحي بأن السكان القدماء كانوا يضعون داخلها سلالًا أو حزمًا تحتوي على محاصيل ومنتجات تبادلية.
قال الباحث المشارك جاكوب بونغرز من جامعة سيدني: "تُظهر البيانات أن الحفر كانت تُستخدم لتخزين البضائع في سلال منسوجة، وربما كانت تُبطّن بمواد نباتية لحمايتها، ويبدو أن الموقع كان سوقًا أو مركزًا لتبادل السلع بين القرى المجاورة".
كانت مملكة تشينشا، التي بلغ عدد سكانها أكثر من 100 ألف نسمة، واحدة من القوى الاقتصادية الكبرى في الساحل الجنوبي لجبال الأنديز، وبعد غزوها من قِبل الإنكا في القرن الخامس عشر، استمر استخدام موقع جبل سييربي، لكن ربما لأغراض إدارية وجبائية، حيث تشير الاختلافات في عدد الثقوب بكل كتلة إلى مستويات متفاوتة من الضرائب أو الجزية المفروضة على المناطق الخاضعة للإمبراطورية.
ويؤكد الباحثون أن هذا الاكتشاف يُقدّم دليلًا ماديًا نادرًا على تطور نظم المقايضة والمحاسبة في حضارات الأنديز القديمة.
ويضيف بونغرز: "يُظهر الموقع كيف استخدمت المجتمعات القديمة المناظر الطبيعية لتنظيم التجارة والتفاعل الاجتماعي، وكيف طورت أساليب مبتكرة لتوثيق الحسابات قبل ظهور الكتابة".
وبينما لا تزال بعض التفاصيل غامضة، فإن تحليل هذه الثقوب يُعد اليوم أحد أهم الاكتشافات الأثرية التي تُسلّط الضوء على عبقرية التنظيم الاقتصادي والاجتماعي في حضارات ما قبل كولومبوس.
