بعد 14 عامًا من البريق والثورة على الكلاسيكيّة.. أوليفييه روستينغ يغادر عرش بالمان
من شاب مُحب للموضة، إلى مُصمّم أحد أشهر دور الأزياء
وُلِد أوليفييه روستينغ عام 1985، وانضم إلى دار «بالمان» عام 2009، قبل أن يُعيَّن في منصب المدير الإبداعي في أبريل 2011، وهو لم يتجاوز حينها الخامسة والعشرين من عمره.
وقد اعتُبر تعيينه في ذلك الوقت خطوة جريئة و«رهانًا على موهبة ناشئة» لم يكن أحد متيقنًا من ثمارها بعد، بحسب توصيف العديد من النقّاد آنذاك.
لكن هذا القرار لم يكن مجرد تعيين شاب في موقع قيادي، بل حمل الكثير من الدلالات الرمزية والتاريخية اللافتة، إذ أصبح روستينغ ثاني أصغر مصمّم يتولّى إدارة دار أزياء كبرى بعد إيف سان لوران الذي خلف كريستيان ديور.
بصمة غير قابلة للتجاهُل في عالم الموضة الفاخرة
أحدث أوليفييه روستينغ ثورة حقيقية في ملامح الأزياء الرجالية من خلال أسلوبه الجريء والمميز، الذي أعاد تعريف مفهوم الأناقة الذكورية في القرن الحادي والعشرين، فقد استطاع أن يُدخل رؤيته الشخصية المفعمة بالثقة والبريق إلى تصميمات دار «بالمان»، ليصوغ لغة بصرية جديدة تجمع بين الفخامة العسكرية والطابع العصري المتمرّد.
امتدّت بصمته لتشمل السترات المزدانة بالتطريزات الغنية والأكتاف البارزة التي أصبحت توقيعه الخاص، إلى جانب سراويل الدنيم بطابع راكبي الدراجات وقطع الجلد المصممة بدقة، ما منح مجموعاته طابعًا قويًا يوازن بين الصرامة والترف.
وبفضّل هذا المزيج الفريد، أعاد روستينغ تفسير القطع الكلاسيكية مثل سترة البليزر وسروال الجينز بأسلوب معاصر جريء، لم يكن مألوفًا في عروض الأزياء الرجالية حينها، الأمر الذي جعله أحد الرموز الأكثر تأثيرًا في تطور الموضة الحديثة.
سترات مزدانة بأزرار ذهبية بارزة، تطريزات دقيقة فاخرة، وأحيانًا يلجأ نحو الدروع بتصاميم مشوّهة تُجسّد فكرة الاختلاف وحب الجرأة في الموضة. مجموعاتٌ وصفتها مجلة «فوغ» بأنها أكثر من مجرد أزياء، بل طفرة في أسلوب الماكسيماليزم وبداية حقبة جديدة لِما أطلقت عليه الدار اسم «جيش بالمان – Balmain Army»، وهو المجتمع العالمي من عشّاق العلامة الذين يتشاركون شغفها بالقوة، والبريق، والتميّز.
نجاح تعكسه الأرقام
لم يكن نجاح أوليفييه روستينغ نجاحًا استعراضيًّا فحسب، بل كان إنجازًا ملموسًا تُرجم بالأرقام والتوسّعات. فقد شهدت دار “بالمان” تحت قيادته مرحلة ازدهار غير مسبوقة، إذ وسّع نطاقها لتشمل قطاعات جديدة مثل مستحضرات التجميل والعطور والإكسسوارات، ما عزّز حضورها العالمي ورسّخ مكانتها التجارية بين دور الأزياء الفاخرة.
كما أكّدت تقارير صحافية متخصّصة أن إيرادات الدار شهدت نموًا لافتًا خلال العقد الأخير، بفضل رؤيته التي جمعت بين الرفاهية الكلاسيكية والجرأة العصرية.
واليوم، ومع إعلان رحيله، تتجه الأنظار إلى هوية خليفته المرتقبة، وسط تساؤلات حول مستقبل “بالمان” في مشهدٍ موضويّ عالمي يتجه أكثر نحو الهدوء والبساطة بعد سنواتٍ من البذخ والتفاصيل المفرطة التي ميّزت أسلوب روستينغ.
لكن الإرث الذي تركه أوليفييه روستينغ لم يخلُ من الجدل، فقد رأى بعض نُقّاد الموضة أن بصمته تكرّرت عبر المواسم من دون تجديد كافٍ في بعض المجموعات، بينما اعتبر آخرون أن اعتماد الدار المكثّف على ثقافة المشاهير ساهم في نجاحها التجاري السريع، لكنه أثار تساؤلات حول عمق التجريب الإبداعي واستدامة الأفكار على المدى الطويل.
ورغم تلك الانتقادات، لا يمكن إنكار أن روستينغ أحدث تحولاً جوهريًا في هوية “بالمان”، إذ نقلها من دار كلاسيكية إلى رمزٍ معاصر يربط بين الموضة والثقافة الشعبية.
فقد خلق “جيش بالمان”، كما أطلق على مجتمع المشاهير والمحبين للدار، ليصبحوا سفراء لرؤيته الجريئة التي مزجت بين الفخامة والبريق، وبين الأزياء والنجومية.
سواء اتفقنا أو اختلفنا حول أسلوبه، يبقى أوليفييه روستينغ مصممًا أعاد تعريف الأناقة الذكورية بلغة عصرية، وحوّل سترة البليزر والدنيم والجلد إلى رموز لهوية جديدة تجمع بين القوة والتعبير الفردي.
ومع رحيله، تبدأ دار “بالمان” فصلا جديدًا من تاريخها، سيُقاس نجاحه بمدى قدرتها على الحفاظ على الإرث البصري والتجاري الذي بناه مصمم شاب، غيّر ملامح الموضة الرجالية في القرن الحادي والعشرين.
