ابتكارات المستقبل تبدأ هنا: أبرز ما كشفته Nvidia في مؤتمر GTC 2025
بعد نسختي سان خوسيه وباريس، عاد جنسن هوانغ إلى عاصمة الولايات المتحدة ليدشّن النسخة الثالثة من مؤتمر Nvidia GTC 2025 حاملاً معه رؤى جديدة تعيد رسم ملامح المستقبل التقني.
وكما حدث في النسخ السابقة، أكد العملاق الأخضر أنه رائد الذكاء الاصطناعي عالميًا بدون منازع، خاصة عندما نتحدث عن الذكاء الاصطناعي الوكيل أو ما يُعرَف بالـ "Agentic AI"، فإليكم حصاد نسخة أكتوبر من مؤتمر Nvidia GTC 2025.
ملخّص ما جاء في Nvidia GTC 2025
هل سيأخذ الذكاء الاصطناعي وظائفنا؟
طُرح هذا السؤال المحوري في بداية المؤتمر، وخمّن من أجاب عنه؟ بالضبط، جنسن هوانغ بنفسه، أجاب عنه بطريقة متفائلة وذكية قائلاً: "لن تخسر وظيفتك لصالح روبوت، بل ستخسرها لشخص يعرف كيف يستخدم هذا الروبوت".
لكن إذا فكّرنا في الأمر بجدية وواقعية، ومع كامل الاحترام لتصريح هوانغ الدبلوماسي والذكي، فالواقع يقول إن الكثير من الشركات باتت تعتمد بشكل كبير على الذكاء الاصطناعي والروبوتات، وآلاف التسريحات التي تتصدر عناوين الأخبار خير شاهدٍ على ذلك.
فإذا كانت الشركات ستعتمد هذه الاستراتيجية في الفترة المقبلة، كونها ترفع الإنتاجية وتقلل النفقات وبالتالي تزيد الأرباح، فهل ستستمر فعلا في توظيف مزيدٍ من العاملين أم تكتفي بالآلات فقط؟ هذا سؤال لا نعلم إجابته حتى الآن.
أين يقف الذكاء الاصطناعي الآن؟ (حسب رؤية إنفيديا)
من أوائل المواضيع التي طُرحت في المؤتمر: "في أي مرحلة يقف الذكاء الاصطناعي الآن؟" (وفقًا لإنفيديا).
للإجابة عن هذا السؤال، استُعرض الرسم البياني الذي قدّمته إنفيديا في CES 2025، وهو الرسم البياني نفسه الذي يُعرض في معظم فعاليات الشركة الكبرى منذ ذلك الحين.
كما هو موضح بالصورة، بدأ الذكاء الاصطناعي -للمرة الأخيرة، من منظور إنفيديا- عام 2012 بما يُسمى "AlexNet"، وهو نظام اقتصرت وظيفته على تمييز الصور، ثم انتقلنا إلى "الذكاء الاصطناعي الإدراكي Perception AI"، الموكل مهمّة التعرف إلى الصوت، التصوير الطبي، والرؤية الحاسوبية وغيرها من الأشياء المعقّدة أكثر من الصور.
بعد ذلك قفزنا إلى "الذكاء الاصطناعي التوليدي Generative AI"، الذي بات الجميع يعرفه بفضل ChatGPT وGemini وغيرها من الأدوات القادرة على توليد النصوص والصور والفيديوهات.
ومن "الذكاء الاصطناعي التوليدي" انتقلنا إلى "الذكاء الاصطناعي الوكيل Agentic AI"، الذي يمثّل المرحلة التي نقف عندها الآن، وكنا قد تحدثنا عنه في تقريرٍ سابق، لكنه باختصار يعبر عن التطبيقات القادرة على اتخاذ القرارات وفعل أشياء تتجاوز توليد المحتوى إلى تنفيذ مهام متعددة الخطوات بأمرٍ واحد.
أخيرًا وليس آخرًا، تصف إنفيديا المرحلة المقبلة من الذكاء الاصطناعي بـ "الذكاء الاصطناعي الفيزيائي أو المادي Physical AI"، وقد وصلنا إليه بالفعل، بحيث يتجسّد في السيارات ذاتية القيادة والروبوتات وما إلى ذلك، لكننا لا نزال نتحسس طريق تطويره إلى ما نرنو إليه.
اقرأ أيضًا: متلازمة القلق من الذكاء الاصطناعي.. الجانب المظلم للتحول الرقمي
ودّعوا قانون مور!
ينص "قانون مور Moore’s Law"، الذي سُمي تيمنًا بالمؤسس المشارك لإنتل "جوردن مور"، على أن عدد الترانزستورات يتضاعف في شرائح المعالجات كل عامين، مما يعني أداءً أعلى بتكلفة أقل.
يعود هذا القانون إلى ستينيات القرن الماضي، فكان حتمًا ولا بد أن يأتي عليه وقت يبطل مفعوله، وها قد حان هذا الوقت.
سلّطت إنفيديا الضوء على هذه النقطة وبينت كيف تُغير كروت الشاشة الخاصة بها مفهوم الحوسبة، ورغم أن عدد الترانزستورات داخل الشرائح لا يزال في ازدياد، فإن معدل الزيادة ليس بالدرجة التي ينص عليها القانون. ما الذي يعنيه ذلك؟ يعني أن الشركات يجب أن تُركز على الخوارزميات أكثر من أي شيء آخر، وهذا ما تفعله إنفيديا الآن.
شراكة بين إنفيديا ونوكيا!
نتحدّث الآن عن واحدة من أقوى مفاجآت حدث Nvidia GTC 2025، الإعلان عن تعاون استراتيجي بين إنفيديا ونوكيا لإطلاق منصة "Areial RAN Computer (ARC)"، وهي منصة مُصممة لتكون الركيزة الأولى لشبكات الجيل السادس 6G.
باختصار شديد، الهدف من هذا التعاون هو إدخال الذكاء الاصطناعي في تشغيل شبكات الجيل المقبل من الاتصالات، وهذا بدوره يؤدي إلى الكثير من النتائج الإيجابية مثل تحسين كفاءة الطيف الترددي والتكيّف مع الظروف الجوية، بمعنى أبسط: من المفترض أن يؤدي هذا التعاون إلى زيادة سرعات الإنترنت بشكل هائل يسمح بتشغيل تطبيقات ضخمة مثل السيارات ذاتية القيادة، وأيضًا إصلاح الأعطال والمشاكل تلقائيًا بدون الحاجة لمهندسي الصيانة.
بالمناسبة، ارتفع سهم نوكيا بنسبة 20% بعد الإعلان عن هذه الشراكة مع إنفيديا.
الحواسيب الكمومية والفائقة
تطرقت إنفيديا أيضًا إلى رؤيتها لمستقبل الحوسبة الكمومية، مشيرةً إلى أن المعالجات الكمومية -رغم قوتها- ما تزال شديدة الحساسية للتشويش البيئي ومحدودة الاستخدام في الوقت الحالي.
وهنا يبرز دور الحواسيب الفائقة المعتمدة على وحدات معالجة الرسوميات من إنفيديا، والتي تُسهم في تخفيف العبء عن المعالجات الكمومية وتسريع عملياتها ضمن مشروع "NVQLink"، المبني على أنوية "CUDA-Q".
التعاون مع وزارة الطاقة الأمريكية
وبالحديث عن الحواسيب الفائقة، تعاونت إنفيديا من وزارة الطاقة الأمريكية لبناء 7 حواسيب فائقة الذكاء الاصطناعي، في خطوة تعد الأولى من نوعها ضمن التعاون الحكومي الكبير في المؤتمر.
سيتم إنشاء هذه الحواسيب أو الأنظمة السبعة في كلٍ من "مختبر أرجون الوطني Argonne National Laboratory" و"مختبر لوس ألاموس الوطني Los Alamos National Laboratory"، على أن تُمثل هذه المشروعات الجيل الجديد من البنية التحتية العلمية التي تهدف إلى تسريع الاكتشافات والبحوث في مجالات الطاقة، الفيزياء، والذكاء الاصطناعي.
إلى ذلك استعرضت إنفيديا رؤيتها حول الثورة الصناعية الجديدة التي تقودها تقنيات الذكاء الاصطناعي. تتمحور هذه الرؤية حول بناء مصانع مخصّصة ومليئة بالكثير من الشرائح الإلكترونية لتسريع وتوسيع قدرات الآلة في العديد من الصناعات.
عودة الوحش NVL72
كشفت إنفيديا كذلك عن عودة نظامها الجبار NVL72، وهو جزء أساسي من الحاسوب الفائق الجديد الذي عُرض لأول مرة في معرض Computex، لكن هذه المرة بحجم أكبر وبقدرات أعلى. يضم النظام ما مجموعه 72 وحدة معالجة رسومات GPU داخل رفٍ واحد، ما يجعله أحد أضخم أنظمة الذكاء الاصطناعي من حيث القوة الحوسبية.
بفضل توزيع المهام الحسابية بشكل أكثر كفاءة بين وحدات الـ GPU، يستطيع الحاسوب الفائق GB200 NVL72 تحقيق أداء أسرع بمقدار عشرة أضعاف مقارنة بالجيل السابق، مع خفض التكلفة التشغيلية بالقدر نفسه تقريبًا.
كمستخدمٍ عادي، لا بد وأنك تتساءل: "كيف سيفيدني هذا الحاسوب على المستوى الشخصي؟"، والجواب أنه يخفض التكلفة التشغيلية بشكل مهول كما أشرنا، وكلما انخفضت هذه التكاليف، أصبحت تطبيقات الذكاء الاصطناعي -التي لا نستغني عنها الآن- أكثر انتشارًا وأقل كلفة على الشركات والمطورين، وبالتالي نستطيع الاستفادة من قدرات أكبر ربما نحصل عليها مجانًا.
وقّعت إنفيديا بعد المؤتمر عددًا كبيرًا من الاتفاقيات والصفقات الجديدة. إلى جانب ذلك، هناك طلب كبير على منتجاتها المذكورة، تتوقع الشركة من ورائه أن تتضاعف إيراداتها 5 مرات مقارنةً بما كانت عليه في الجيل السابق، لتصل إلى أكثر من 500 مليار دولار بحلول 2026.
شراكة مع CrowdStrike
عرف العالم شركة CrowdStrike في يوليو 2024 بسبب هجوم الشاشة الزرقاء الذي شل المطارات العالمية والكثير من المصالح الحكومية، لكن هذا لا يجعلنا نبخس حقها ونعترف بأنها واحدة من أقوى شركات الأمن السيبراني في العالم.
إنفيديا تعلم ذلك جيدًا، ولهذا أعلنت عن شراكة معها لإطلاق نموذج متقدم يعتمد على تقنيات الذكاء الاصطناعي الوكيل. الهدف من هذا النموذج هو التصدي للهجمات السيبرانية المتزايدة والمتطورة، بشكل تلقائي تمامًا ومن دون الحاجة لأي تدخل بشري، بل وفوق ذلك بسرعة وفاعلية تفوق قدرات البشر، ما يجعلنا نتساءل: هل انتهى دور مهندسي الأمن السيبراني؟
اقرأ أيضًا: كراود سترايك.. المسؤولة عن الخلل التقني في العالم (فيديوجراف)
تمهيد الطريق للذكاء الاصطناعي الفيزيائي
تستعد «إنفيديا» لإحداث نقلة نوعية في عالم الروبوتات، عبر تطوير نماذج حقيقية قادرة على التأثير في الواقع العملي. فالشركة تقوم بتدريب هذه الآلات داخل بيئة رقمية تحاكي العالم الواقعي تُعرف باسم «التوأم الرقمي» (Digital Twin)، بحيث تتعلم كيفية الحركة والتفاعل مع المواقف المختلفة. وبعد اكتسابها المهارات المطلوبة، تُنقل هذه القدرات إلى أرض الواقع لتُطبَّق داخل المصانع.
من هذه الآلات روبوت صغير بالتعاون مع "Disney Research"، يُشبه شخصيات عالم "حرب النجوم Star Wars". الروبوت يتدرب داخل العالم الافتراضي ليتعلّم كيف يتصرف في المواقف الواقعية، على سبيل المثال، يمشي ويتفاعل مع الناس.
التعاون مع أوبر
إنفيديا أعلنت أيضًا تعاونها مع أوبر لتطوير أسطول ضخم من سيارات التاكسي ذاتية القيادة. يشمل التعاون 100 ألف روبوتاكسي من المتوقع أن يبدأ العمل فعليًا في عام 2027.
وأوضح هوانغ أن المشروع يمثل نقطة تحول حقيقية في عالم الروبوتات، قائلا: "الروبوتات البشرية ما تزال قيد التطوير، لكن هناك روبوتًا واحدًا وصل فعلا إلى مرحلة النضج. إنه الروبوت الذي يسير على عجلات." في إشارة إلى الروبوتاكسي.
الشركتان ستعملان أيضًا على إنشاء مصنع بيانات ضخم لمعالجة الكميات الهائلة من المعلومات اللازمة لتدريب أنظمة القيادة الذاتية، وهي خطوة أساسية لتسريع تطوير المركبات الذكية.
ورغم أن أوبر وإنفيديا لن تتوليا عملية تصنيع السيارات مباشرة، فإن التنفيذ سيقع على عاتق شركاء من كبرى شركات السيارات مثل Stellantis وMercedes-Benz وLucid Motors، وفق ما أوضحته إنفيديا.
الجيل الجديد من سيارات أوبر سيعتمد على حواسيب Drive AGX Hyperion 10 من إنفيديا، القادرة على تجهيز المركبات للوصول إلى المستوى الرابع من القيادة الذاتية، أي أن السيارة يمكنها القيادة من دون تدخل بشري داخل مناطق محددة مسبقًا، وهو مستوى أعلى من الجيل الحالي من سيارات الأجرة ذاتية القيادة التي تعمل بالمستوى الثالث فقط.
